مستشار سياسي أميركي: التمرد في المنطقة يمثل تهديداً مستعصياً طويل الأجل وخطراً ماثلاً

أميركا مطالبة بمساعدة فرنسا لضمان استقرار غرب إفريقيا

صورة

يقول المستشار السياسي الأميركي، أنتوني جيه توكارز، إن قارة إفريقيا شهدت تمردين متطرفين: التمرد في منطقة المغرب العربي، وتمرد بوكو حرام. وبدأ التمرد الأول في الجزائر بعد الحرب الأهلية هناك عام 2002، وانتشر شرقاً إلى ليبيا، ثم في الشمال الغربي، وفي الجنوب الغربي، وجنوباً إلى مالي. وبدأ تمرد بوكو حرام في أقصى شمال شرق نيجيريا، وانتشر شرقاً إلى تشاد، وشمالاً إلى النيجر، وغرباً إلى بنين.

ويشير توكارز في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية، إلى أن هناك دولة واحدة اليوم تقف في طريق التمردين، وتعرقل توسعهما، وتشتت مقاتليهما في الميدان. تلك الدولة هي بوركينا فاسو. لكن في الأسبوع الماضي طلبت الحكومة العسكرية الحالية في بوركينا فاسو من فرنسا سحب ما تبقى من قواتها الخاصة، ويبلغ 400 جندي من البلاد.

وكانت العملية العسكرية التي قامت بها فرنسا في عام 2014 قد حققت نجاحاً في حرمان المتطرفين من مكاسبهم، ومحاصرتهم في جيوب قليلة نائية في أعماق داخل البلاد.

مصير إفريقيا على المحك

وقد يؤدي انسحاب القوات الفرنسية خلال شهر حسب طلب حكومة بوركينا فاسو، إلى تشجيع الجماعات المتطرفة العاملة في إفريقيا على مضاعفة جهودها ضد الحكومات في منطقتي المغرب والساحل. ويؤكد توكارز أنه ليس من قبيل المبالغة القول، إن مصير كل إفريقيا قد يكون على المحك.

جدير بالذكر أنه في عهد الرئيس، بليز كومباوري، الذي تولى السلطة في بوركينا فاسو عام 1987 واستقال أثناء أزمة دستورية عام 2014، تغيرت السياسة التي كانت سائدة في بوركينا فاسو قبل توليه منصبه، وحققت السلام والاستقرار في البلاد.

وكان كومباوري يتمتع بعلاقات مثمرة مع التنظيمات المتطرفة في المنطقة، ونجح في تحرير الكثير من الرهائن بصورة سلمية.

ومع ذلك، عانت إدارة كومباوري من فشل في التخطيط للخلافة: فقد سعى إلى التمسك بالسلطة بإجراء تعديل دستوري، ولم يضف للدستور أي بند لكيفية احتواء الاحتجاجات سلمياً، في حالة حدوث انتفاضة عامة. وفي غضون أسابيع من التغيرات المقترحة، لم يكن أمام كومباوري أي خيار سوى الاستقالة، وإتاحة الفرصة لحكومة عسكرية لتولى السلطة.

6 حكومات

وبعد استقالة كومباوري، شهدت بوركينا فاسو ست حكومات قضت كل منها فترة قصيرة في الحكم. وخلال تلك الفترة، تسبب المتنافسون على الرئاسة في عرقلة جمع وإنفاق أموال الحكومة بسلاسة لتخفيف المخاوف المتعلقة بالمناح وتداعياتها السياسية. ويعتبر التسلسل الزمني الدقيق للأحداث التي وقعت بعد ذلك، أمراً معقداً لكثرة عدد الجماعات المتمردة المشاركة فيها وميلها للاندماج والانفصال، وإعادة تشكيل نفسها، ولكن النتيجة هي أن المتمردين انتقلوا إلى شمال بوركينا فاسو من مالي، مضيفين بذلك مسرحاً جديداً للتمرد في المغرب العربي، ومعرضين دولة كانت مستقرة من قبل للخراب، على يد الجماعات المسلحة الانتهازية.

من ناحية، أخرى شهدت نيجيريا - التي واجهت حرباً أهلية مدمرة منذ عام 2009، عندما قامت بوكو حرام بتمردها ضد الحكومة النيجيرية بهدف إقامة دولة إسلامية - تصعيداً في صراعها مع بوكو حرام، عندما بايعت الجماعة تنظيم «داعش» الإرهابي، وخطفت 276 من التلميذات، وبدأت حملة هجمات يومية ضد المسيحيين ومسؤولي الحكومة. في ذلك الوقت استعانت عملية برخان الفرنسية، بآلاف من القوات الفرنسية والإفريقية الحليفة لصد الجماعات المسلحة. وأثبتت نجاحها حتى 2021 عندما تسبب الانقلاب في مالي في أن توقف فرنسا نشاطها وتنهي عملياتها هناك.

ويقول توكارز إنه بعد إعلان حكومة بوركينا فاسو رغبتها في أن يكون هناك انسحاب فرنسي كامل، يبدو الآن أن الوضع الأمني سيزداد تدهوراً. ويتمثل أسوأ السيناريوهات في إمكانية قيام المقاتلين المتطرفين بترسيخ وجودهم في بوركينا فاسو، ثم ينتشرون عبر أراضي توغو، ويلتحمون مع متمردي بوكو حرام في بنين، ومن هناك يتدفقون إلى شمال نيجيريا.

وأفضل السيناريوهات المتوقعة استئناف الجماعات المتطرفة لتنافساتها القديمة، بدلاً من اتحادها، وبذلك تكرس المزيد من الوقت لقتال كل منها الأخرى، بدلاً من الاستعداد للقيام بهجمات ضد أوروبا والولايات المتحدة.

ويؤكد توكارز أنه ليست هناك حلول سهلة أو مسارات مستقبلية واضحة للأزمة الأمنية التي تزداد سوءاً في غرب إفريقيا. كما أن الوضع يزداد تعقيداً بعد اتهامات الرئيس الغاني نانا أكوفو-أدو لبوركينا فاسو بأنها استعانت بمجموعة فاغنر لمساعدة بلادها في محاربة المتطرفين. وإذا صدقت هذه الاتهامات فإنه يمكن أن يعجل مثل هذا الأمر بمزيد من التصعيد بين الغرب وروسيا.

وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها أن يكونوا قد استفادوا من درس الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، وينبغي عليهم التعامل مع أي ارتباط عسكري طويل الأمد بحذر.

ومع ذلك، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الاهتمام باستخدام استراتيجية تبدو واضحة لكن دون أن تجذب الاهتمام نفسه كرد عسكري وتتمثل في الحوافز الاقتصادية.

وحتى الآن، سعت فرنسا وشركاؤها في غرب إفريقيا إلى الحد من عدد المقاتلين المتطرفين بالطريقة الأكثر تقليدية وهي قتلهم.

ويرى توكارز أنه يبدو أن التمرد في غرب إفريقيا يمثل تهديداً مستعصياً طويل الأجل وخطراً حالياً. ومع ذلك، يتعين على الولايات المتحدة مساعدة فرنسا على وضع خطط بديلة للمشكلة لتجنب تكرار الأخطاء نفسها، وتوقع نتيجة مختلفة. وربما من شأن الأزمة الراهنة أن تنبه الولايات المتحدة وحلفاءها على الأقل بالنسبة للأهمية الاستراتيجية لبوركينا فاسو، محور الأمن في منطقة الساحل وغرب إفريقيا.

 بعد إعلان حكومة بوركينا فاسو رغبتها في أن يكون هناك انسحاب فرنسي كامل، يبدو الآن أن الوضع الأمني سيزداد تدهوراً.

ليست هناك حلول سهلة أو مسارات مستقبلية واضحة للأزمة الأمنية التي تزداد سوءاً في غرب إفريقيا. كما أن الوضع يزداد تعقيداً بعد اتهامات الرئيس الغاني نانا أكوفو-أدو لبوركينا فاسو بأنها استعانت بمجموعة فاغنر لمساعدة بلادها في محاربة المتطرفين.

قد يؤدي انسحاب القوات الفرنسية خلال شهر حسب طلب حكومة بوركينا فاسو، إلى تشجيع الجماعات المتطرفة العاملة في إفريقيا على مضاعفة جهودها ضد الحكومات في منطقتي المغرب والساحل.

تدهور الأوضاع الأمنية

في إحاطتها أمام مجلس الأمن الدولي قبل أيام عبر دائرة اتصال مغلقة، قالت نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لغرب إفريقيا ومنطقة الساحل، جيوفاني بيها، إن الأمن تدهور مرة أخرى في أجزاء واسعة من المنطقة على الرغم من جهود قوات الأمن الوطنية والشركاء الدوليين.

وأضافت بيها أن عواقب ذلك تمثلت في اضطرار أكثر من 10 آلاف مدرسة بأنحاء منطقة الساحل إلى غلق أبوابها بما حرم ملايين الأطفال من اكتساب المهارات الضرورية لبناء حياتهم وبلدانهم.

ووصفت ذلك بأنه تجاهل صارخ لقرار مجلس الأمن 2601 الذي يدين الهجمات ضد المدارس ويطالب أطراف الصراع بحماية الحق في التعليم.

واستمع مجلس الأمن الدولي في الجلسة نفسها أيضاً إلى رئيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، عمر أليو توريه، الذي قال إن المجموعة تواصل دعم الدول الأعضاء في إجراء الانتخابات.

وعلى صعيد آخر قال توريه إن دول حوض بحيرة تشاد ووسط الساحل، كانت مركزاً للإرهاب والتطرف العنيف منذ عام 2009، وأضاف أن جماعة بوكو حرام التي كانت محلية عند ظهورها في نيجيريا أصبحت جزءاً من جماعتين إرهابيتين كبيرتين هما «القاعدة» و«داعش».

وأضافت جيوفاني بيها أمام مجلس الأمن، أن الدول المطلة على خليج غينيا قد شهدت زيادة في الهجمات ضد أراضيها بما يهدد خطوط المواصلات والتنقل الحيوية إلى البلدان غير المطلة على السواحل في الشمال.

وذكرت المسؤولة الأممية أن نحو سبعة آلاف مركز طبي اضطرت إلى الإغلاق بسبب أنشطة الجماعات المسلحة والمتطرفين من مرتكبي أعمال العنف والشبكات الإجرامية.

تويتر