أطلقا مبادرة «هي فلسطين» عبر المنصّات الإلكترونية

علي وأحمد زماعرة طفلان شقيقان يوثقان تاريخ فلسطين المسلوب

صورة

في عام 2020، فكّر الطفل علي زماعرة، من سكان مدينة رام الله بالضفة الغربية، في ابتكار مفهوم ملهم وجذاب يقتحم من خلاله عالم «السوشيال ميديا»، وفي الوقت ذاته بحمل دلالة هادفة، فلم يجد أجمل وأفضل من التجوال في ربوع وطنه فلسطين، وتوثيق كل ما تحتضنه المدن والقرى والبلدات من طبيعة جميلة، ومواقع حضارية. ونجح علي في أول عمل أنتجه ونشره عبر منصّات التواصل الاجتماعي، في مبادرة وطنية تاريخية أسماها «هي فلسطين»، ليسانده شقيقه أحمد الذي يصغره بثلاثة أعوام، في فكرته التي تحافظ على تاريخ فلسطين ومعالمها الحضارية من السرقة والاندثار، إذ إنهما يتجوّلان معاً داخل البلدات والقرى المحتلة والمهجّرة في شتى مدن وطنهما، التي أوجعها الاحتلال، وهجّر سكانها في النكبة الفلسطينية عام 1948.

«هي فلسطين» مبادرة علي (14 عاماً)، وأحمد (11عاماً)، التي من خلالها يوثقان معالم المدن الفلسطينية الحضارية، وعاداتها وتقاليدها التراثية، حققت في مهدها انتشاراً واسعاً، وتفاعلاً كبيراً، إذ حصدت أكثر من 31 ألف متابع، و20 ألف مشاهدة عبر منصّتهما الخاصة على «فيس بوك»، إلى جانب حصول منصّتهما على «إنستغرام» على 3000 متابع.

وبفعل ذلك أتيحت الفرصة قبل عام من الآن لمشاركة الطفلين في أسبوع الريادة العالمي، الذي على إثره حظيا بتمويل عيني من «بنك فلسطين» المحلي، يساعدهما في عملية مونتاج المشاهد التي تلتقطها عدسة هواتفهما المحمولة.

الحلم الأكبر

«الإمارات اليوم» التقت الشقيقين علي وأحمد زماعرة، أثناء زيارتهما مدينة يافا المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، حيث تبادلا الأدوار ما بين التصوير وتقديم محتوى العمل المصوّر، في مشهد جمالي يجسّد تربية الآباء لأطفالهم على حب وطنهم، رغم جرائم الاحتلال، وبشاعة الاستيطان، الذي يلتهم مساحات شاسعة من القرى والبلدات الفلسطينية.

يقول الشقيق الأكبر علي، صاحب فكرة مبادرة «هي فلسطين» التاريخية: «إن مبادرتنا بدأت تقريباً قبل عامين من الآن، حيث كان شقيقي أحمد يدرس منهاجاً دراسياً عن القرى والبلدات المهجّرة، وتحديداً عن قرية لفتا المهجّرة، قضاء مدينة القدس الشريف، حيث تملكنا الشوق لزيارتها والتجوّل بين معالمها الأثرية، وطبيعتها الخضراء الجميلة»،

ويضيف: «قبل زيارة لفتا بليلة واحدة، اقترحت على شقيقي أحمد أن ننتج عملاً مصوّراً عن لفتا، وبالفعل أنجزنا جولة تصويرية بين أنحاء القرية الأثرية، ومن ثم انتقلنا إلى عملية المونتاج، ليصبح جاهزاً للنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي». ويشير الطفل علي إلى أن «قرية لفتا كانت نقطة البداية، لتبصر (هي فلسطين) النور، وتلقى روّاجاً شاسعاً بين روّاد منصّات التواصل الاجتماعي، فقد حظي العمل المصوّر الأول على ردود فعل إيجابية من المتابعين، الذين كشفوا عن اهتمامهم بمثل هذه المبادرات». هنا يشارك أحمد الحديث، بينما كان يتكأ على جدار كورنيش البلدة القديمة في يافا الساحلية، ويقول: «من خلال نجاح محتوى عمل قرية لفتا المليء بالمشاعر، أثمرت فكرتنا، وتحقق حلمنا الأكبر، المتمثل في أن أصبح أنا وشقيقي علي صانعي محتوى فلسطينيين، نتجاوز من خلاله حدود العالم الجغرافية».

ويسترسل الشقيق الأصغر: «هذا ما حدث بالفعل بفضل الله وحمده، فقد تمكنت حتى الآن من إنتاج أكثر من 87 عملاً مصوّراً عن قرى وبلدات محتلة ومهجّرة في شتى أنحاء فلسطين الحبيبة، وجدير بالذكر أن لكل عمل قصة وحكاية استقرت في قلوبنا إلى ما لانهاية».

الهدف الأسمى

ويقول علي زماعرة: «إن هدف مبادرة (هي فلسطين) الأهم والأسمى هو صناعة المحتوى الفلسطيني عن المدن والبلدات والقرى المهجّرة في فلسطين، سواء في مدن الداخل الفلسطيني المحتل، أو الضفة الغربية، أو مدينة القدس الشريف». ويضيف الشقيق الأكبر: «لكل فيديو من أعمال مبادرة (هي فلسطين) المصوّرة قصة، ولكل حكاية منها رسالة معينة، منها رسائل لإثبات أن المكان الذي نزوره مازال مهجّراً، ومنها ما يوحي بأمل العودة إلى ديارنا المسلوبة يوماً ما».

ويبين أن «محتوى الأعمال المصوّرة عبارة عن حقائق ومعلومات عامة، ومشاهد مصوّرة لكل موقع نزوره داخل القرى المهجّرة»، مضيفاً: «الأهم من ذلك أننا نتأكد من جميع المعلومات التي نجمعها عن كل بلدة وقرية، من خلال الاستعانة بوالدي، أو الرجوع إلى الكتب التاريخية، قبل نشرها والتحدث عنها».

إمكانات بسيطة

اجتهد الشقيقان زماعرة ذاتياً، لتبصر مبادرتهما «هي فلسطين» النور على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أتقنا التصوير وفنون المونتاج بإمكانات محدودة، وبذلا جهداً منقطع النظير في جمع المعلومات والحقائق التاريخية عن البلدات والقرى الفلسطينية، ورصد المصادر الشفهية والمكتوبة، حتى تمكّنا من توثيق عشرات الأعمال المصوّرة عن القرى المحتلة والمهجّرة، بالفيديو والصوت والصورة، في شتى أرجاء المدن الفلسطينية. ويقول الطفل أحمد: «إن مبادرة صناعة المحتوى الفلسطيني أنتجت بالهاتف، ومازالت تعمل بالهاتف، فإلى جانبه نستخدم معدات عدة، منها (مانع للاهتزاز)، و(لاب توب) لعملية المونتاج والنشر، ونأمل أن نطوّر معداتنا مستقبلاً، لإنتاج الأعمال المصوّرة بأعلى جودة ممكنة». ويلفت الشقيق الأصغر النظر إلى أن جميع أعمال مبادرتهما المصوّرة عن القرى المحتلة المهجّرة، تنشر على منصّتهما الأساسية «هي فلسطين» عبر «فيس بوك»، إلى جانب منصّات «يوتيوب»، و«إنستغرام»، و«تيك توك».

تحديات جمّة

وبطبيعة الحال تواجه مبادرتهما الفلسطينية التاريخية، صعوبات وتحديات جمّة، كونهما يطرقان أبواب القرى الفلسطينية المهجّرة التي تقع تحت قبضة الاحتلال الإسرائيلي. ويقول الطفل علي: «بالطبع ونتيجة لأعمارنا الصغيرة أنا وشقيقي أحمد، فإن وصولنا إلى القرى المهجرة يعدّ أمراً صعباً، وهنا يأتي دور أبي الذي يصحبنا بواسطة سيارته إلى مختلف الأماكن، ولكن هذا لا يعدّ تحدياً وعائقاً فحسب، فالاحتلال الذي يسعى جاهداً بكل ما أوتي من قوة إلى طمس هوية الأماكن الفلسطينية المهجّرة، يقيد وصول الفلسطيني إليها ودخولها». ويتابع: «في ما يتعلق بآلية وصولنا إلى أماكن القرى المهجّرة المحتلة، ينبغي أن يكون لدينا تصاريح إذن بالدخول، نتقدم بطلب للحصول عليها، وتستغرق أياماً عدة، حتى يوافق الاحتلال عليها، وغالباً يرفض ذلك، كما مازلنا ننتظر الموافقة على طلب دخول قطاع غزة المحاصر، وهذا يعدّ حلمنا الذي نتمنى تحقيقه لزيارة الجزء الثاني من وطننا المحتل والمقسم».

ويضيف: «من أكبر وأبرز التحديات التي تعترض طريق تنفيذ أعمال مبادرتنا التاريخية، هي النقاط العسكرية التي يفرضها الاحتلال لدخول مدن الداخل الفلسطيني المحتل، فمثلاً، خلال زيارتنا لمدينة طبريا شمال فلسطين، عرقلت القوات الإسرائيلية عملية التصوير، ومنعتنا من ذلك، بحجة وجود مستوطنين في المكان، ولكننا رغم ذلك أكملنا مهمتنا الخاصة بطبريا، ونشرت على منصّات التواصل الاجتماعي».

أتيحت الفرصة قبل عام لمشاركة الطفلين في أسبوع الريادة العالمي، الذي حظيا على إثره بتمويل عيني من «بنك فلسطين» المحلي، يساعدهما في عملية مونتاج المشاهد التي تلتقطها عدسة هواتفهما المحمولة.

بطبيعة الحال تواجه مبادرة علي وأحمد الفلسطينية التاريخية صعوبات وتحديات جمّة، كونهما يطرقان أبواب القرى الفلسطينية المهجّرة التي تقع تحت قبضة الاحتلال الإسرائيلي.

تويتر