لا يتوقع أن يغيّر الكرملين الطبيعة العدائية لسياسته الخارجية أو يسعى إلى إحداث انفراجة مع الغرب

الحرب الروسية في أوكرانيا تؤثر في توزان القوة بأوروبا

صورة

في ظل تأزم الوضع الجاري بين روسيا والغرب مع استمرار الحرب في أوكرانيا، تظل هناك تساؤلات تطرح نفسها، أبرزها إلى أين ستتجه العلاقات بين الجانبين، وما تأثير ذلك في توازن القوة بأوروبا؟

ويقول ريتشارد سوكولسكي، وهو باحث أوّل غير مقيم في برنامج روسيا وأوراسيا، في تقرير نشرته مؤسسة «كارنيغي للسلام الدولي»، إنه «من غير المرجح أن يغيّر الكرملين الطبيعة العدائية للسياسة الخارجية الروسية، أو يسعى إلى إحداث انفراجة مع الغرب رداً على الظروف الجارية. وفي الوقت نفسه، سيكون من الخطأ التقليل من شأن مقدار الألم الاقتصادي الذي يمكن لنظام الرئيس فلاديمير بوتين أن يتسامح معه، أو يلحقه بالشعب الروسي. ولم يتم كبح السلوك الخارجي الروسي الحازم والمجازف من خلال الرياح المعاكسة الاقتصادية، والعقوبات الناجمة عن ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014».

الإنفاق العسكري

ويضيف سوكولسكي، الذي تركّز أبحاثه على سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا في أعقاب الأزمة الأوكرانية، أنه «إذا افترضنا أن حلفاء (الناتو) أوفوا بتعهداتهم الأخيرة بتعزيز الإنفاق الدفاعي والقدرات العسكرية، فإن التوازن العسكري التقليدي في المسرح الأوروبي سيتحول لغير مصلحة روسيا».

وفي غياب معاهدتي «القوات المسلحة التقليدية في أوروبا» و«القوات النووية متوسطة المدى»، سيتمتع أعضاء حلف شمال الأطلسي بحرية نشر الأسلحة التي طالما وجدت روسيا (والاتحاد السوفييتي سابقاً) أنها تشكل تهديداً بحكم قدرتها على الاحتفاظ بأهداف رئيسة، معرضة للخطر في قلب روسيا. وربما يكون هذا الاحتمال مثيراً للقلق بالنسبة للكرملين، تماماً كما كان مفهوم «الضربة العالمية التقليدية السريعة» مقلقاً للغاية لمجتمع الأمن القومي الروسي، على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تنشر بعد أياً من هذه الأنظمة.

انتهاء سريان «معاهدة ستارت»

ويقول سوكولسكي إن «انتهاء سريان (معاهدة ستارت) الجديدة في عام 2026، التي تضع حداً أقصى للترسانتين النوويتين الاستراتيجيتين للولايات المتحدة وروسيا، سيترك البلدين دون إطار عمل متفق عليه لإدارة توازنهما النووي الاستراتيجي. ويبدو من المستبعد جداً أن تكون هناك معاهدة أخرى خلفاً لها بين الولايات المتحدة وروسيا بحلول ذلك الوقت. وقد يدفع توسع الصين في ترسانتها النووية الاستراتيجية الولايات المتحدة أيضاً إلى تحديث برنامجها لتحديث قوتها الاستراتيجية، الأمر الذي من المرجح أن يحفز الكرملين على التصرف إزاء هذه التغييرات».

سباق تسلح جديد

باختصار، من شبه المؤكد أن يضطر الكرملين، على مدى السنوات القليلة المقبلة، إلى التعامل مع سباق تسلح جديد وكبير على مستوى كل من الأسلحة التقليدية والنووية. وعلاوة على ذلك، ستواجه روسيا أيضاً انقطاعاً عن التكنولوجيا من الغرب، مع احتمالات غير مؤكدة بأن تكون الصين قادرة على توفير المكونات الحيوية، أو تخفيف الضغوط الاقتصادية التي تواجه نظام بوتين.

مثل هذا التحوّل في الأحداث، برأي سوكولسكي، يمكن أن ينتج عنه نتيجتان مختلفتان جذرياً: الأولى يمكن أن تكون محاولة للانفراج والإصلاح، بقيادة خليفة لبوتين على سبيل المثال، التي يمكن أن تثبت أنها مزعزعة للاستقرار في روسيا تماماً، كما كانت إصلاحات الرئيس الأسبق ميخائيل جورباتشوف بالنسبة للاتحاد السوفييتي. وقد تكون النتيجة الثانية نظاماً أكثر عدوانية وافتقاراً إلى الأمن، أي كوريا الشمالية بحجم روسيا. ولا تبعث أي من هاتين النتيجتين على الاطمئنان.

ومن المتوقع أن تصبح بيئة التهديد في روسيا أكثر تحدياً نتيجة لما تم وصفه بأنه ولادة جديدة لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.

إضافة إلى ذلك، أدّى غزو روسيا لأوكرانيا إلى تغيير كبير في المواقف تجاه عضوية حلف شمال الأطلسي في فنلندا والسويد. وأعرب المسؤولون في كلا البلدين عن قلقهم المتزايد إزاء النوايا الروسية في شمال أوروبا وعلى الجناح الشرقي للحلف، وتظهر استطلاعات الرأي العام الأخيرة في كلا البلدين الآن أغلبية مؤيدة للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. ويكاد يكون من المؤكد أن الكرملين ينظر إلى هذا الاحتمال بقلق عميق.

ومن شأن عضوية فنلندا والسويد أن تزيد من التصورات الروسية عن الضعف على الجناح الشمالي لأوروبا.

وستتلخص المعضلة الرئيسة التي تواجه حلف شمال الأطلسي في السنوات المقبلة في إدارة المفاضلة بين خلق دفاع قوي عن «كل شبر» من أراضي (الناتو)، ومنع امتداد الصراع في أوكرانيا، وتجنب التصعيد العسكري مع روسيا.

وعلاوة على ذلك، فإن الإجماع الذي اجتمعت به أوروبا لفرض عقوبات على روسيا ومساعدة أوكرانيا يرجع على الأرجح إلى حقيقة مفادها بأن أوكرانيا ليست عضواً في حلف شمال الأطلسي، وأن مظاهر التضامن معها لا تنطوي على التزامات دفاعية من خلال المادة (5) من ميثاق حلف شمال الأطلسي. وفي حال وقوع هجوم روسي ضد دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، فإن شبح حرب شاملة مع روسيا قد يدفع بعض الحلفاء إلى إظهار قدر أقل من العزم والمزيد من الحذر والتردد.

وأخيراً، يمكن أن تزداد مخاطر التصعيد غير المقصود بشكل كبير إذا اعتمدت روسيا بشكل أكبر على قواتها النووية غير الاستراتيجية. وللتخفيف من هذه المخاطر، ستحتاج الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إلى استعادة وتحديث الاتصالات العسكرية وإجراءات منع الاشتباك مع الجيش الروسي، واستئناف الحوار بشأن تحقيق الاستقرار في الحد من الأسلحة وتدابير بناء الثقة في أقرب وقت ممكن.

ويختم سوكولسكي: «إنه في خضم كل هذا الغموض، هناك شيء واحد مؤكد، وهو أنه لا يستطيع حلف (الناتو) أن يتحمّل أن يكون محاصراً بالجمود المؤسسي، أو الخيارات المعتمدة على المسار، أو افتراض أن روسيا الضعيفة ستبقى بيد بوتين. بل على العكس من ذلك، من المرجح أن يضاعف بوتين من مقامرته المتهورة في أوكرانيا بدلاً من التراجع».

• إذا افترضنا أن حلفاء «الناتو» أوفوا بتعهداتهم الأخيرة بتعزيز الإنفاق الدفاعي والقدرات العسكرية، فإن التوازن العسكري التقليدي في المسرح الأوروبي سيتحوّل لغير مصلحة روسيا.

• انتهاء سريان معاهدة «ستارت» الجديدة في عام 2026، التي تضع حداً أقصى للترسانتين النوويتين الاستراتيجيتين للولايات المتحدة وروسيا، سيترك البلدين دون إطار عمل متفق عليه لإدارة توازنهما النووي الاستراتيجي.

• قد يدفع توسع الصين في ترسانتها النووية الاستراتيجية الولايات المتحدة أيضاً إلى تحديث برنامجها لتحديث قوتها الاستراتيجية، الأمر الذي من المرجح أن يحفز الكرملين على التصرف إزاء هذه التغييرات.

• سيضطر الكرملين على مدى السنوات القليلة المقبلة إلى التعامل مع سباق تسلح جديد وكبير على مستوى كل من الأسلحة التقليدية والنووية. وستواجه روسيا أيضاً انقطاعاً عن التكنولوجيا من الغرب، مع احتمالات غير مؤكدة بأن تكون الصين قادرة على توفير المكونات الحيوية، أو تخفيف الضغوط الاقتصادية التي تواجه نظام بوتين.

تويتر