لا يُسمح لهم بالحديث فيها أو استخدام الهاتف

كوريون جنوبيون يرتادون مقاهي خاصة من أجل الاسترخاء والانتعاش

صورة

بعيداً عن الأنظار، وفي شارع جانبي بالقرب من حديقة حضرية تسمى «غابة سيؤول»، يوجد مقهى شاي بالكاد يتسع لـ10 أشخاص، وفي هذا المكان لا يمكن التحدث، ويجب أن يكون هاتف الزبائن في الوضع الصامت، ولا يسمح بارتداء الأحذية، والقواعد لها هدف واحد: الاسترخاء.

ومع دخول الكوريين الجنوبيين مرحلة التعايش مع الوباء، بدأ البعض في العودة إلى الحياة الاجتماعية من خلال ارتياد الأماكن العامة، حيث يمكن أن يكونوا بمفردهم وألا يفعلوا الكثير، ولا يوجد شيء جديد في كوريا الجنوبية حيث يبحث الناس بشدة عن ملاذ من ضغوط العيش كبالغين فاعلين، خلال جائحة عالمية، وفي مجتمع شديد التوتر ونشط للغاية، مع ارتفاع أسعار العقارات، وجداول العمل المرهقة، في كثير من الأحيان.

في مسابقة «سبايس أوت»، التي أجريت هذا العام، سعى المتنافسون إلى تحقيق أقل معدل ضربات قلب ممكن أثناء الجلوس بـ«غابة شفاء» في جزيرة جيجو الجنوبية، وانتشرت المسابقة على الصعيد العالمي، منذ بدايتها عام 2014، وباتت تنظم في بلدان عدة، بما فيها هونغ كونغ وهولندا. ويُعمم المفهوم في عدد قليل من الأماكن العامة في كوريا الجنوبية.

هذا الشهر، عرضت المسارح في جميع أنحاء البلاد فيلماً يحاكي، طوال 40 دقيقة رحلة بالطائرة فوق السحب وعبرها، وسعر تذكرة فيلم «الرحلة»، وهو مشروع تدعمه شركة «ميغابوكس» السينمائية الكبرى، يقل قليلاً عن ستة دولارات، تحت شعار «خذ قسطاً من الراحة من خلال السحب الناعمة».

هذه المساحات والتجارب ليست ظاهرة شائعة تماماً، لكن يقول الباحثون إنهم يستفيدون من المشاعر المتزايدة بالوقوع في الفخ والوحدة، في العام الثاني من الحياة الوبائية.

وقال الباحث في اتجاهات المستهلك المؤلف المشارك للكتاب السنوي «تريند مونيتور»، يون دوك هوان، إنه يتوقع أن يصبح الهروب من الحياة الصاخبة إلى الاسترخاء اتجاهاً، إذ يتصارع الجمهور مع مرحلة استيطان الوباء، وتابع يون: «من الصعب التعايش مع الشعور بالحصار والوحدة في الوقت نفسه»، وأضاف: «إنهم يريدون المساحة التي يكونون فيها بمفردهم في مكان آخر غير منزلهم، وحتى تتحسن حالة الوباء بشكل كبير نتوقع أن يستمر هذا الاتجاه».

الرعاية الذاتية

وظهرت مقاهٍ مثل «غرين لاب»، القريبة من غابة سيؤول، في تقارير وسائل الإعلام المحلية، وشهدت تدفقاً مستمراً من الزوار، خلال جميع فترات الوباء، من خلال توفير مساحات للاسترخاء أثناء تناول الشاي، كما يمكن للزبائن القراءة وكتابة الشعر والتأمل أو مجرد التحديق في الأشجار.

افتتح مقهى «غرين لاب» (أو المختبر الأخضر)، قبل الوباء مباشرة بمفهوم يسمى «الطقوس»، وهو اتجاه ناشئ يشجع على الممارسة اليومية للرعاية الذاتية.

وحتى الأشهر الأخيرة، لم يكن العملاء معتادين على فكرة زيارة مكان لمجرد الاستمتاع بالوجود بمفردهم، وقال باي هيون، وهو موظف، إنه في الوقت الحاضر، يتم تخصيص ثلاث فترات زمنية، يومياً، مع وجود فرصة ضئيلة للحصول على مكان من دون حجز مسبق، وقال هيون: «من الصعب جداً العثور على أماكن في المجتمع الكوري، حيث يكون من المقبول عدم القيام بأي شيء على الإطلاق»، متابعاً: «يبدو أن الناس يولون المزيد من الاهتمام بهذا، على الرغم من أنني أعتقد أن الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى يصبح شائعاً على نطاق واسع، ومع تغير حياة الناس اليومية في ظل الوباء أصبحوا أكثر دراية بهذا المفهوم».

بعد ظهر أحد أيام الأسبوع الأخير، اصطحب جانغ جاي هوان (38 عاماً) مجموعة من الزملاء إلى «المختبر الأخضر»، وبصفته رئيساً لعلامة تجارية للعناية بالبشرة، قال هوان إنه كان يبحث عن «طرق لإيجاد السلام بينما يتزاحم في عالم أعمال شديد التنافس»، وقد جرب الـ«بيلاتس»، وهي تمارين لياقة بدنية ويوغا، لكنه أراد أن يجد مكاناً يتطلب منه ألا يفعل شيئاً، وانتهى به الأمر في «غرين لاب»، وأضاف: «أردت أن أكون قادراً على الضغط على زر التوقف وأخذ دقيقة لنفسي، لكنني أشعر أنه يتعين علي دائماً القيام بشيء ما».

أفكار جديدة

وقال هوان «في هذا الفضاء، القاعدة أنني يجب أن أفعل شيئاً»، متابعاً: «لقد أتاحت (غرين لاب) مساحة في ذهني، حتى إنني قرأت كتاباً، واستمتعت برائحة موزعات الروائح العطرية، وتأملت في الأشجار والزهور، وكتبت الشعر»، متابعاً: «بدأت الحصول على أفكار جديدة، واحدة تلو الأخرى، وشعرت بالانتعاش الشديد».

وقالت إحدى زميلاته، وهي أهن أريوم (32 عاماً) إنها سمعت عن مسابقة «سبايس أوت»، لكنها لم تعرف بوجود أماكن مثل مقهى «المختبر الأخضر»، وكانت حريصة على التحقق مما قيل، وقالت إنها كانت تبحث عن طرق للتعامل مع مخاوفها من الوباء والضغوط اليومية، وأضافت: «لقد كنت مُتعَبة جداً، وليس لدي الوقت الكافي للخروج، وبعد العمل أعود إلى المنزل، وأضطر إلى القيام بالأعمال المنزلية، وبعد ذلك بالكاد أملك فترة ما بين 30 دقيقة وساعة، قبل أن أخلد إلى النوم»، متابعة: «أقضي بعض وقت الفراغ على هاتفي، لذلك مع وجود مساحة كهذه، يمكنني في الواقع التركيز على أخذ قسط من الراحة».

وفي مقهى آخر بجزيرة جيجو، الذي أطلق عليه اسم «جويوز»، تم تخصيص الطابق العلوي لمن يرغب في قضاء بعض الوقت بمفرده، لكن عن طريق الحجز المبكر، والمقهى يوفر القرطاسية، بحيث يمكنك كتابة الرسائل عند تناول القهوة والحلوى.

مشاهد النار

وفقاً لتقارير وسائل الإعلام المحلية، يقدم مقهى في مدينة بوسان الساحلية الجنوبية، مشاهد «النار»، إذ بإمكان الزبائن التحديق في شاشة تعرض مقطع فيديو لإشعال نار المخيم.

وفي جزيرة كانغهوا، قبالة الساحل الغربي لكوريا الجنوبية، يوجد مقهى يسمى «مونغ هت»، يوفر أيضاً مناطق استرخاء خالية من الأنشطة. ويوجد في إحدى الزوايا كرسي فردي، يواجه مرآة لمن يريد الجلوس والتحديق، وتوجد زوايا للتأمل أو القراءة أو الجلوس، بجانب البركة أو الحديقة، أو الاستمتاع بإطلالات على الجبل، ولا يسمح باصطحاب الأطفال أو الحيوانات الأليفة.

مشاركون متحمّسون

منذ ثلاث سنوات كانت مجموعات من الناس تتجمع بمراكز المدن المزدحمة في كوريا الجنوبية والصين، للتنافس في «سبايس أوت». ويتقدم المشاركون المتحمسون من جميع أنحاء العالم إلى صاحبة الفكرة، ووبس يانغ، التي تختار مجموعة من 50 إلى 80 شخصاً للمنافسة، بناءً على سنّهم وتنوعهم العرقي.

وفي يوم المنافسة، تلتقي المجموعة في موقع مركزي، ويضع المتنافسون هواتفهم وغيرها من عوامل التشتيت جانباً، ويشرعون في التأمل وسط الطبيعة، ولكي يكون المنافس ناجحاً يجب أن يتجنب المشتّتات تماماً، وفي النهاية يختار الجمهور 10 متسابقين نهائيين، ويختار الحكام الفائز.

في غضون ذلك، يزداد الحدث شعبية، ومنذ إطلاقه، عام 2014، أقيم أربع مرات، ثلاث مرات في كوريا الجنوبية، ومرة واحدة في بكين. وتخطط ووبس يانغ لإجراء مسابقات مستقبلية في بوخارست ولوس أنجلوس وأمستردام، على أمل توسيع المنافسة لتشمل آلاف الأشخاص.

وعلى الرغم من أن المشاركين يقولون إن الأمر ليس بالأمر السهل، إلا أن الكثيرين أعادوا الكرّة بعد محاولتهم الأولى. وتقول يانغ: «عندما لاحظت المشاركين الذين أنهوا مسابقة الـ90 دقيقة، رأيت وجوههم مملوءة بالحياة، كما لو كانوا يستيقظون من نوم عميق»، متابعة: «إنهم الوحيدون في العالم، ربما، الذين لم يفعلوا شيئاً خلال الـ90 دقيقة الماضية، وظلوا يتأملون».

تصفية الذهن

قال مدير «مونغ هت»، جي أوك جونغ، إن المقهى افتتح في أبريل 2019، بهدف توفير «مساحة للشفاء الذاتي»، وقد اجتذب العديد من الزوار بمجرد انتشار الوباء. و«الضربة القاضية» هو مفهوم يعني إفراغ قلبك وعقلك، حتى تتمكن من ملئهما بأفكار جديدة، وقال جونغ: «افتتحنا المكان لأننا أردنا توفير مساحة للناس للقيام بذلك بالضبط»، متابعاً: «إنه مكان يمكن للناس علاج أنفسهم فيه بأنفسهم، وهو شيء يمكن للشخص المعني فقط القيام به لنفسه، وليس شيئاً يمكن لشخص آخر القيام به من أجلك. وأردنا تسهيل ذلك لكل شخص مُنهك بمتطلبات الحياة العصرية».

وجدت تاجونغ كين (32 عاماً) المقهى على الإنترنت، وزارته أخيراً، للابتعاد صخب المدينة. وكان هناك زوار آخرون، لكنها وجدت عدداً كافياً من الزوايا لتكون بمفردها مع الحد الأدنى من الاتصال بالآخرين، وتعمل على تصفية ذهنها.

وتابعت كين: «بينما جلست هناك منعزلة ومرتاحة، أستمتع بالمنظر وشرب القهوة، شعرت بأن هناك مساحة خالية في ذهني»، موضحة: «شعرت براحة كبيرة، وشعرت بأن قلبي منفتح، بينما اختفت الأفكار المزدحمة من رأسي، وعدت إلى المدينة بنظرة أكثر إيجابية».

• ظهرت مقاهٍ، مثل «غرين لاب» القريبة من غابة سيؤول، في تقارير وسائل الإعلام المحلية، وشهدت تدفقاً مستمراً من الزوار، خلال جميع فترات الوباء، من خلال توفير مساحات للاسترخاء أثناء تناول الشاي، كما يمكن للزبائن القراءة وكتابة الشعر والتأمل، أو مجرد التحديق في الأشجار.

تويتر