جهودهم قللت الخسائر في الأرواح والممتلكات

متطوّعون شجعان أسهموا في إخماد نيران جزيرة «إيفيا» اليونانية

صورة

اجتاحت الحرائق أجزاءً واسعة من أوروبا، وفي اليونان استعصى الأمر على رجال الإطفاء، والتهمت النيران آلاف الهكتارات. والتحق الكثير من الشباب المحليين الشجعان، بجهود الإطفاء، بينما جاء آخرون من أجزاء أخرى من البلاد، وقد صُدموا بسبب عدم كفاية استجابة الحكومة، وسارعوا إلى محاربة عدد غير مسبوق من الحرائق عبر جبهات متعددة، بما في ذلك العاصمة أثينا.

وساعد المتطوعون، بالإضافة إلى الدعم الشعبي من المدن والبلدات المجاورة لتوصيل الإمدادات إلى المناطق المنكوبة بالحرائق، في إنقاذ الأرواح والممتلكات من الحرائق المستعرة في جميع أنحاء جزيرة إيفيا، الواقعة شمال شرق أثينا. ومع ذلك، فإن الدمار الذي تسببت فيه الحرائق كارثي بالنسبة للكثيرين الذين يعيشون في الجزيرة، خصوصاً في الشمال الكثيف بالغابات. ولكن جهود المتطوعين ساعدت على منع الخسائر في الأرواح، ومنع الوضع السيئ من أن يصبح أسوأ بكثير.

ولم يتم الإبلاغ عن خسائر في الأرواح، في إيفيا، جراء الحرائق التي اندلعت في 3 أغسطس، واستمرارها حتى الخميس الماضي. وتصاعد دخان هائل فوق ميناء إيديبسوس الغربي الصغير، في وقت مبكّر من يوم الأربعاء، ووصل رجال الإطفاء والمتطوعون من أجزاء أخرى من اليونان لمساعدة إيفيا. ورغم بُعد الحريق عن الميناء، وهو نقطة دخول مهمة إلى الجزيرة، إلا أنه قضى على مئات الهكتارات. واستمرت بعض القرى في الاحتراق، ما زاد من مرارة السكان، الذين يقولون إن الحكومة أعطت الأولوية لمكافحة الحرائق في غابة كبيرة بالقرب من أثينا، وسمحت بانتشار حرائق إيفيا، لتصبح جبهة ضخمة من المستحيل محاربتها.

قام المتطوعون بأعمال بطولية في المواقف اليائسة؛ واشتهر شمال الجزيرة برياحه العاتية، التي بقيت هادئة بشكل رحيم في الأيام الأخيرة، وغابات الصنوبر الجميلة التي اشتعلت فيها النيران، إلى جانب كروم العنب وبساتين الزيتون. ويعمل الآلاف من السكان إما في منشآت إنتاج العسل أو المنتجات الصمغية، التي تجلب وحدها نحو 5.5 ملايين يورو، سنوياً، لشمال ووسط إيفيا، حيث يتم استخدام مادة «الراتينج» الصمغية في إنتاج المواد اللاصقة وطلاء أطقم الأسنان، بينما يعتمد سكان آخرون على السياحة.

وأثنى مدرب كرة القدم، فاجيليس بيكاكوس، من بلدة ليمني الساحلية، على السكان المحليين الذين ارتقوا إلى مستوى المحنة، وساعدوا في إطفاء النيران، ومن بينهم شباب في فريقه، ومهندس مدني لايزال يراقب طوال الليل على أسطح المنازل لضمان عدم اندلاع حرائق، ويقول بيكاكوس: «أنقذ المتطوعون إيفيا، لأنه لم يكن هناك من يساعدهم».

أعمال بطولية

بعد حرائق الغابات العنيفة في عام 2016، كما يقول المدرب، أنشأ سكان ليمني فريقاً متطوعاً من رجال الإطفاء ورجال الإنقاذ الذين تلقوا التدريب المناسب، وهم ملزمون بقسم للتخلي عن وظائفهم اليومية، وتقديم الخدمة في أي وقت ينشب فيه حريق. وينسب بيكاكوس الفضل في أعمالهم البطولية لإنقاذ المدينة - التي تم بثها عبر التلفزيون الوطني - إلى إلهام القرويين في أجزاء أخرى من الجزيرة لمحاربة النيران، أيضاً، بدلاً من الفرار؛ موضحاً «كنا نطلب من رجال الإطفاء رش بعض الماء على منزل بدأ يحترق، وكانوا يجيبون (ليس لدينا مثل هذا الأمر. نحن مهتمون بإخلاء الناس، وليس رش الماء)، وهو ما سبب إحباطاً مشتركاً بشأن استراتيجية الحكومة التي أعطت الأولوية لإنقاذ الأرواح».

ويشعر الكثيرون أن الخسائر الكبيرة التي تكبدتها جزيرة إيفيا، كان من الممكن تجنبها. والحكومة أرسلت «رسالة إخلاء للاختباء وراء عذر: لقد حذرتك بالمغادرة وقررت البقاء»، يقول بيكاكوس: «إذا احترقت، ستحترق وحدك، لأن الدولة لا تستطيع أن تحميك».

وكان على اليونان محاربة نحو 600 حريق في غضون ثمانية أيام فقط، وإصدار 65 إنذاراً بالإخلاء، وإجلاء 63 ألف شخص، وفقاً لما ذكره نائب وزير إدارة الأزمات، نيكوس هاردالياس، الذي أوضح للصحافيين، الأسبوع الماضي «ما أعرفه هو أن الإجراءات التي اتخذناها أنقذت الأرواح»، متابعاً «لم نقلل من شأن أي حريق، وكان علينا التعامل مع وضع كان فريداً بالنسبة إلى خدمة الإطفاء: 568 حريقاً».

جهود خارقة

وقال رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، يوم الخميس، إن حرائق الغابات التي دمرت أجزاء واسعة من البلاد، لأكثر من أسبوع، تمثل أكبر كارثة بيئية منذ عقود، وأظهرت أن «أزمة المناخ هنا». وجاء رجال إطفاء من 24 دولة أوروبية وشرق أوسطية لتقديم المساعدة. وقُتل مدني ورجل إطفاء متطوع، مقارنة بأكثر من 100 شخص في حرائق منطقة أتيكا، قبل ثلاث سنوات.

وقال ميتسوتاكيس: «لقد تمكنا من إنقاذ الأرواح، لكننا فقدنا الغابات والممتلكات»، متابعاً «ما نراه اليوم هو ما احترق، لكننا لا نرى ما تم الحفاظ عليه. وبفضل الجهود الخارقة لكل من رجال الإطفاء والمتطوعين والمواطنين أنفسهم، تم إنقاذ عدد لا يحصى من المنازل».

بعد خمسة أيام من اندلاع الحرائق، ذهب مارينوس، وهو مواطن من الجزء الجنوبي من إيفيا، يدرس الآن في أثينا، مع أصدقائه إلى الشمال المحترق، لأنه يبدو أنه لا توجد جهود حكومية للسيطرة على النيران. ويقول مارينوس، الذي لم يذكر اسمه الأخير: «أخذنا أغصاناً من الأشجار لإخماد النيران»، متابعاً «في ما بعد جاء رجل من القرية بسيارته حاملاً خزان المياه الذي يستخدمه لري أشجاره، واستخدمنا تلك المياه، أيضاً، واستخدمنا أي شيء يمكن أن نجده».

أهمية التضامن

كان الشاب اليوناني، مارينوس، من بين المتطوعين، الأسبوع الماضي، بالقرب من قرية جوفز، وهي واحدة من العديد من القرى التي كادت أن تحترق. ويقول الشاب اليوناني، وهو رجل قليل الكلام، إنه اختبر بشكل مباشر أهمية التضامن في عام 2019. ومنزله كاد أن يحترق لكنه نجا بفضل أيادي المتطوعين التي جاءت من شمال الجزيرة. ويقول، «لا شيء يشبه ما حدث هنا. إنها ليست المنازل فقط، إنها الغابة. لقد ذهب كل شيء. ماذا يمكنهم أن يفعلوا بعد هذا؟»

مستودعات ممتلئة

كرّست ماريا بابادوبولو، وهي من سكان أثينا، أياماً لتوصيل حزم الطعام والمياه للمحتاجين، ونقل القرويين إلى بر الأمان، وإنقاذ وإطعام الحيوانات القليلة التي نجت من الحريق. وتوافق بابادوبولو على أن فقدان الغابة يمثل مشكلة كبيرة «اختفت الغابة والحيوانات إلى الأبد»، متابعة «في غضون أيام قليلة، سيغادر جميع المتطوعين، وسيكون سكان القرى بمفردهم حقاً حينها، وسيستمرون في العيش في هذه المقبرة الضخمة».بابادوبولو هي من بين عشرات المتطوعين الذين ضحوا بعطلة الصيف للتطوع في الجزيرة.

وتضافرت جهود الإغاثة في جميع أنحاء البلاد بفضل مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، والتي تدير طيفاً من المتطوعين، بمن فيهم رواد الكنيسة والناشطون اليساريون. واضطر عمدة ليمني، جيورجوس تسابورنيوتيس، إلى إصدار بيان يطلب من الناس التوقف عن إرسال الإمدادات، لأن المستودعات امتلأت.

ووصل كوستاس، وهو مواطن من مدينة ثيسالونيكي، رفض الكشف عن اسمه الكامل، إلى الجزيرة، قبل أسبوعين، ويخطط للبقاء حتى نهاية إجازته. وقال المتطوع: «أردت المساعدة، ولم أستطع تحمّل مشاهدة المأساة في الأخبار، ورأيت الناس يكافحون بمفردهم، وعرفت أنه يمكنني المساعدة جسدياً»، متابعاً «لم يعد بإمكاني المشاهدة بعد الآن دون القيام بشيء». وعند وصوله، كما يقول، ذهب هو وصديقه مباشرة إلى إحدى القرى التي رأوا أنها تعاني مشكلة، وساعدوا الناس على إطفاء حريق في ساحات منازلهم الخلفية. ويوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، في بلدة إستيا، ركز كوستاس على توصيل الطعام عند الحاجة، على الرغم من الدخان الخانق في الجزيرة. ويقول الشاب: «الاحتياجات كثيرة جداً، بحيث يمكنك أن تصبح مفيداً على الفور. إنها كارثة ضخمة في جميع أنحاء البلاد، خصوصاً هنا في إيفيا».

الجزيرة السرية

تعتبر إيفيا ثاني أكبر جزيرة في اليونان، بعد جزيرة كريت؛ وتشتهر بينابيعها الساخنة، والمواقع الأثرية الفريدة. وتقع الجزيرة على طول الساحل الشرقي، ليس بعيداً عن أثينا. وإيفيا هي واحدة من الجزر «السرية» التي يبدو أن اليونانيين يحتفظون بها لأنفسهم.

ثمانية أيام من النيران التي اندلعت في غابات الجزيرة لم تترك وراءها سوى الأغصان السوداء والأرض الرمادية. وأرسلت 24 دولة أفراداً ومعدات لمساعدة اليونان. وفي إيفيا، التي تعتبر الخط الأمامي لهذه الكارثة، تواجد رجال الإطفاء السلوفاكيون جنباً إلى جنب مع نظرائهم اليونانيين، بينما كانت المروحيات والطائرات تحلق لتُسقط المياه على الأرض المشتعلة.

وأشجار إيفيا هي مصدر للصمغ الذي يدعم العديد من سبل العيش. ولكن هذه الغابات ليست مزارع، فقد نمت الأشجار بشكل طبيعي فوق هذه التلال، ونمت المجتمعات حولها. ولن تنجح عملية إعادة الغرس، أيضاً، لأن الأشجار الناضجة، فقط، هي التي تنتج الصمغ، وقد يستغرق الوصول إلى هذا النضج ثلاثة عقود.

600 حريق اندلعت في اليونان في غضون 8 أيام.

تويتر