تزخر بالموارد الطبيعة

ترامب ينظر بأعين استعمارية إلى جزيرة غرينلاند

صورة

يوم الخميس الماضي (15 أغسطس) ظهر خبر غريب في صحيفة «وول ستريت جورنال» مفاده أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يفكر إما مازحاً أو جاداً في شراء جزيرة غرينلاند الدنماركية. وفي الحقيقة فإن مثل هذه الخطوة ليست جديدة، ففي عام 1946 عرض الرئيس الأميركي هاري ترومان على الدنماركيين 100 مليون دولار لشراء الجزيرة، وفتحت وزارة الخارجية تحقيقاً في شراء غرينلاند وآيسلاند في عام 1867، وأغلقته في ما بعد. وسواء كان الأمر يتعلق بغرينلاند أو أي جزء آخر من العالم، فإن الفكرة واضحة تماماً وليست جديدة بالنسبة للولايات المتحدة، أو أي قوة استعمارية كبيرة، ففي الحقيقة فإن «شراء» أو احتلال، أو تسميم أي جزء من الأرض ليس ملكها، هو عمل اعتادت هذه القوى تاريخياً القيام به. وقالت رئيسة وزراء الدنمارك مته فردريكسن يوم الأحد الماضي، إن غرينلاند ليست للبيع، وإن فكرة بيعها للولايات المتحدة سخيفة.

حس فكاهي

وبالنظر إلى أن ترامب هو مركز هذا الاقتراح غير المعقول بالمطلق، فلابد أن هناك حساً فكاهياً في هذه القصة برمتها، لكن إذا تراجعنا قليلاً عن هذه القضية المطروحة، فثمة مبررات قوية لمناقشة الوجود العالمي المتزايد للولايات المتحدة، وهو ليس نقاشاً جديداً، إذ إن النقاش الذي يتمحور حول فكرة أنه لا يتعين على الحكومة أن تصادر كل ما يحلو لها بغض النظر عن قيمته باسم الرأسمالية، كان موجوداً أصلاً منذ تأسيس الدولة. وصحيح أن سياسة التوسع انتصرت في كل الأوقات، لكن لايزال ثمة مجال للقتال.

وعلى الرغم من الغباء المضحك، فإن نظرة ترامب لغرينلاند توضح تماماً في أقل من 24 ساعة لماذا تصر أميركا وبقية الدول الكبرى في العالم على طرح نفسها بأنها أصبحت في مرحلة ما بعد الاستعمار بالاسم فقط. وحيث ينبغي أن يكون الموضوع الأساسي هو حماية السكان الأصليين والمجتمعات الطبيعية التي يعملون بها وتقدم لهم الدعم، فإنهم يركزون على كسب المال والسلطة، إضافة إلى الاستراتيجية العسكرية المناسبة.

والآن، فإن من ينتظرون أن يكون الرئيس ترامب مهتماً بقضايا السكان الأصليين ومجتمعاتهم؛ هم في واقع الأمر ينتظرون حدوث معجزة من السماء. فهذا الرجل في نهاية المطاف هو من اختار صديقاً يعمل في النفط كي يسلمه مقاليد وزير الداخلية، وهو الذي أهان محاربين في الحرب العالمية الثانية وهم من قبيلة «نافاجو» إحدى أكبر قبائل سكان أميركا الأصليين، كما أن العلاقة الوحيدة له مع السكان الأصليين هي عن طريق استخدام أحد أفلام ديزني كإهانة سياسية لهم.ولكن من المهم أن نستكشف كيف يقوم بقية المجتمع الأميركي خصوصاً الإعلام الأميركي، بالتعامل مع مثل هذه الحالات. وكانت الطريقة التي ناقشت بها صحيفة «وول ستريت جورنال»، وكذلك «واشنطن بوست»، والـ«غارديان»، وصحف أخرى قريبة، تشبه الى حد كبير تناول أخبار الرياضة، حيث يتم تحديث هذه الأخبار لإطلاع الجمهور على آخرها. وكانت طريقة العرض الذي قدمته صحيفة «واشنطن بوست» تشبه الحديث عن لوح للعبة ملونة يمكن أن ننشر عليه جنوداً من البلاستيك، وليس عن موطن طبيعي لمجموعة من السكان الذين عاشوا فيه نحو 700 عام.

ووفق ما ذكره كتاب الحقائق الذي تصدره وكالة المخابرات المركزية الأميركية، فإن جزيرة غرينلاند مساحتها 2.2 مليون كيلومتر مربع، منها 1.7 مليون كيلومتر مربع مغطاة بالجليد. وهي تملك موارد طبيعية هائلة مثل الفحم الحجري، واليورانيوم، لكن 60% من الأراضي صالحة للزراعة، ويعيش فيها نحو 58 ألف نسمة، ما يجعلها من أصغر الدول في العالم من حيث تعداد السكان.

مستعمرة

والمفارقة هنا بالطبع أن غرينلاند هي في واقع الأمر مستعمرة، ففي عام 1814 تمكنت الحكومة الدنماركية من إخراج النرويج من الشراكة في ملكيتها للجزيرة، ومن ثم أعلنت ملكيتها للجزيرة عندما صادقت على دستورها في عام 1953، وخلال العقد الماضي، قاوم هذا الشعب الذي يعتبر غرينلاند وطناً له بثبات وقوة من أجل الحصول على الحكم الذاتي وحق تقرير المصير، كما أنه تمكن وبصبر وثبات من تخفيف قبضة الدنمارك على بلدهم، وفي عام 2008 صوت سكان الجزيرة لصالح قانون الحكم الذاتي، الذي منح سكان غرينلاند حكماً ذاتياً واسع الصلاحية بعيداً عن الحكومة الدنماركية، على الرغم من أن الدنمارك لاتزال تدعي أن الجزيرة ملكها.

قلق

وكما هي العادة دائماً، فثمة تشابك عميق بين القلق من حالات الاعتداء على السكان الأصليين والقلق من التأثيرات السلبية على البيئة، خصوصاً التي تؤدي إلى تغير المناخ. ونظراً إلى أن الكثير من الاستقلالية الذاتية مرتبطة بالنعمة الاقتصادية التي تزخر بها الجزيرة، والناجمة عن كل من استغلال الموارد الطبيعية وإنتاج الطاقة النظيفة، فإن الاهتمام الأميركي بجزيرة غرينلاند ينطوي على نوايا خسيسة بصورة جلية. ومع تراجع الغطاء الجليدي واختفائه في القطب الشمالي، ستحاول الدول الكبرى مدعومة بشركات الغاز تحصيل كل جزء مهما كان من الغاز القابع تحت الأرض. وفي نهاية المطاف، سيتم استغلال هذه الخيرات وأي نوايا حميدة مصطنعة كانت تظهرها الشركات والحكومات للسكان الأصليين ستختفي في الحال.

وكانت هذه القضية في مقدمة التقرير الخاص الصادر عن الأمم المتحدة والمتعلق بتغير المناخ والأرض، والذي صدر منذ 10 أيام. وفي الوقت الذي ركز فيه التقرير على مناطق في إفريقيا، فإنه تم بالتنسيق مع السكان الأصليين (وهم الشعوب التي ستكون أول من سيتأثر نتيجة هذه الاعتداءات التي تتم على الأرض)، ولذلك تحدث التقرير عن أن الجهود الرامية إلى مكافحة تغير المناخ يجب أن تقودها الدول الكبرى وشركات الطاقة، وسلط الضوء أيضاً على الأهمية القصوى لتشجيع وضع إدارة المناطق التي يعيش فيها السكان الأصليون بأيديهم، فهم يفهمون هذه الأرض التي عاشوا فيها أكثر من غيرهم.

• من ينتظرون أن يكون ترامب مهتماً بقضايا السكان الأصليين ومجتمعاتهم؛ هم في واقع الأمر ينتظرون حدوث معجزة من السماء.

نيك مارتن - كاتب في «نيوريبابلك»

تويتر