يتوقّع تكراره بعد تشكيل حكومة نتنياهو

قصف غزة.. القاسم المشترك الوحيد بين الائتلاف الحاكم في إسرائيل

صورة

في الرابع من مايو الجاري شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية الوحشية على قطاع غزة المحاصر، ما دفع العديد من الفصائل الفلسطينية في القطاع إلى الرد. وأزهقت الغارات أرواح 25 فلسطينياً، وأصيب نحو 200 بجروح، وقتل أربعة إسرائيليين بالصواريخ الفلسطينية.

وكانت إسرائيل هي التي بدأت هذا النزاع عندما قام الجيش الإسرائيلي بقتل أربعة فلسطينيين في غزة في الثالث من مايو، حيث قُتل اثنان خلال قيامهما بالتظاهر بالقرب من السياج الفاصل بين إسرائيل وغزة، وكانا يشاركان في مسيرة العودة العظيمة، وهي تظاهرة احتجاجية فلسطينية تطالب بإنهاء الحصار. وأما الاثنان الآخران فقد قتلا نتيجة غارة إسرائيلية استهدفت موقعاً لـ«حماس» وسط قطاع غزة.

لماذا هذا التوقيت

والسؤال المطروح هنا، لماذا يختار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا التوقيت لقصف غزة؟ لقد كان من المفهوم أن يقوم بقصف غزة قبيل الانتخابات العامة. فطوال شهور خلت قبيل 9 أبريل، موعد الانتخابات، اتهم نتنياهو مرات عدة بالتساهل مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وعلى الرغم من أن نتنياهو بذل ما بوسعه من أجل الفوز بهذه الانتخابات، إلا أنه لم يشن عملية عسكرية شاملة ضد غزة، نظراً لتخوفه من تبعات هذا الهجوم، كما أظهرت ذلك الهجمات التي شنتها إسرائيل على خان يونس في 11 نوفمبر الماضي، التي يمكن ان تجعل نتنياهو يخسر هذه الانتخابات، التي اتسمت بتنافسية شديدة. وبعد فوزه في الانتخابات، حيث أصبح السياسي الأكثر بقاءً في منصب رئيس الحكومة في تاريخ إسرائيل، أراد نتنياهو أن يفعل ما هو ضروري لزيادة رصيده السياسي، وذلك عن طريق شن الحرب على غزة.

وكانت السياسة الإسرائيلية واضحة بقوة في الهجوم الأخير على غزة. ووصل نتنياهو الآن الى المراحل الأخيرة من تشكيل حكومته الائتلافية الجديدة، ولكن تشكيل مثل هذه الحكومة التي تجمع اليمينيين المتطرفين والمتدينين والقوميين المتشددين، ليس بالأمر السهل، كما اعترف نتنياهو نفسه. وقال نتنياهو في مؤتمر حزب الليكود في 30 أبريل الماضي: «تشكيل الحكومة ليس بالأمر السهل أبداً، نظراً إلى الاختلافات الموجودة بين مكوناتها».

تحدّي الانسجام

وإذا نجح نتنياهو في مسعاه فسيشكل حكومته الخامسة، أو الرابعة بصورة متعاقبة. ومع ذلك فإن التحدي الرئيس له هو الانسجام بين شركائه المختلفين في الائتلاف. وينوي نتنياهو أن تتشكل حكومته من ستة أحزاب، وهي حزبه الليكود 35 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي. والأحزاب الدينية المتطرفة، وهي شاس (8 مقاعد)، ووحدة التوراة (8 مقاعد)، وحزب إسرائيل بيتنا القومي المتطرف بزعامة أفيغدور ليبرمان (5 مقاعد)، واتحاد الأحزاب اليمينية المتشكلة حديثاً (5 مقاعد)، وحزب الوسط المسمى كولانو (4 مقاعد). ولكن السؤال الآن كيف سيتمكن نتنياهو من الحفاظ على حالة التصالح بين هؤلاء الحلفاء، الذين لا تجمعهم أي نقاط مشتركة، وما علاقة ذلك بقصف غزة؟

نتنياهو يقوم بقصف غزة، لأنه المطلب الموحد والمشترك بين جميع هؤلاء الحلفاء. وهو بحاجة الى أن يضمن لهم التزامه باستمرار الضغط على المقاومة الفلسطينية، وباستمرار حصار غزة وضمان أمن المدن والمستوطنات في جنوب إسرائيل.

وباستثناء ذلك، ليس هناك الكثير المشترك بين كل هذه المجموعات، إذ إن ليبرمان من حزب إسرائيل بيتنا والأحزاب الدينية المتطرفة من الصعب جداً أن يتفقوا على بعض القضايا الأساسية. وعلى سبيل المثال، دفع ليبرمان مشروع قانون في الكنيست يقضي بتجنيد المتدينين في الجيش الإسرائيلي، وهو ما يرفضه حلفاء نتنياهو المتدينين بشدة.

وعلى الرغم من أن أداء حزب ليبرمان لم يكن جيداً في الانتخابات، إلا أن نفوذه يتجاوز تعداد مقاعده في الكنيست. وكان ليبرمان قد استقال من منصبه كوزير للدفاع في نوفمبر الماضي احتجاجاً على ما وصفه بأنه تساهل نتنياهو مع الإرهاب، لكنه شكل تحالفاً قوياً مع القرى والبلدات المحاذية لقطاع غزة المحاصر.

ولسنوات عدة، دأب ليبرمان على الإعراب عن تضامنه مع سكان هذه القرى والمدن في الجنوب، وبالمقابل كان يتلاعب بهم كلما أراد ذلك للضغط على رئيس الحكومة، مستغلاً النظرية المنتشرة بين سكان هذه المنطقة في جنوب إسرائيل والمستوطنين في الضفة الغربية، بأنهم يعانون الظلم قياساً بالإسرائيليين الآخرين.

وإثر الهدنة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في نوفمبر الماضي، على سبيل المثال، احتج المئات من المستوطنين على وضعهم باعتبارهم «سكان من الدرجة الثانية»، مطالبين بدعم حكومي أكبر لحماية «أمنهم» ضد غزة. والغريب أن هذه المدن والبلدات الحدودية كانت مركز نمو سكاني واقتصادي مهم خلال السنوات القليلة الماضية، والتي تمت نتيجة الاستثمارات الحكومية الإسرائيلية في المنطقة.

ورثة الصهيونية

وبالنظر إلى أنهم يرون أنفسهم ورثة للصهاينة المؤسسين لإسرائيل، يعتقد سكان هذه المدن والبلدات أنهم حماة النظرية الصهيونية. وعلى الرغم من الشكاوى المتواصلة للسكان، إلا أن المنطقة الجنوبية في إسرائيل شهدت نمواً متواصلاً في الفرص الاقتصادية والنمو السكاني أيضاً. وبناءً عليه فقد أسهمت هذه الحقيقة في وضع هذه المناطق في مركز انتباه السياسيين الإسرائيليين، إذ إن جميعهم يريدون نيل رضا ودعم القادة في المنطقة، والحصول على دعم قطاعاتهم الاقتصادية المتنامية على نحو كبير جداً.

وكانت القوة الانتخابية الأخيرة قد جعلت مطالب وتوقعات قادة المناطق الجنوبية في إسرائيل مركزاً محورياً في السياسة السائدة في إسرائيل. وبناء عليه، لم يكن من المدهش أن أحد الشروط التي وضعها ليبرمان للانضمام إلى ائتلاف نتنياهو هو تعزيز الحصار الإسرائيلي على غزة، وتصفية المقاومة في غزة.

وعلى الرغم من أن زعيم حزب الوسط الأزرق والأبيض، بيني غانتز، خسر الانتخابات، إلا أنه يتمنى البقاء على صلة بالسياسة من خلال استرضاء المستوطنين اليهود وسكان المناطق الجنوبية في إسرائيل. وخلال الهجوم العسكري الاسرائيلي على غزة في 4 مايو انضم غانتز الى جوقة المطالبين بسفك مزيد من الدم الفلسطيني. وقال للقناة 13 الإسرائيلية: «علينا أن نضرب بقوة وبصورة لا هوادة فيها، علينا أن نستعيد قوة الردع التي يبدو أنها اضمحلت بصورة كارثية منذ نحو عام».

وإثر مقتل أربعة من الإسرائيليين نتيجة الصواريخ الغزية، سارع السياسيون الإسرائيليون إلى اظهار الدعم لسكان المناطق الجنوبية، مطالبين بمزيد من العنف والقصف ضد سكان غزة. وألهمت نشوة الدعم هذه محافظ مدينة سديروت، آلون ديفيد، ما جعله يطالب بغزو شامل لقطاع غزة.

وكان الهجوم الأخير على غزة يقصد به خدمة مصالح جميع شركاء نتنياهو في الائتلاف المرتقب. ولكن للأسف، وعلى الرغم من أنه تم التوصل إلى هدنة، إلا أنه من المتوقع حدوث مزيد من أعمال العنف ضد غزة لدى تشكل هذا الائتلاف، لأن نتنياهو يرى أنه من أجل جعل شركائه في الحكومة سعداء فهو بحاجة إلى قصف غزة على نحو مستمر، وسفك مزيد من الدم الفلسطيني.

• نتنياهو يقوم بقصف غزة، لأنه المطلب الموحد والمشترك بين جميع هؤلاء الحلفاء، وهو بحاجة إلى أن يضمن لهم التزامه باستمرار الضغط على المقاومة الفلسطينية، وباستمرار حصار غزة وضمان أمن المدن والمستوطنات في جنوب إسرائيل.

• على الرغم من أن أداء حزب ليبرمان لم يكن جيداً في الانتخابات، إلا أن نفوذه يتجاوز تعداد مقاعده في الكنيست.

رمزي بارود - صحافي ورئيس تحرير «فلسطين كرونكل»

تويتر