إضافة إلى فعاليتها في الحد من نشاط طهران النووي

العقوبات على استيـراد النفـط الإيراني وسيلة لتجفيف تمويل الإرهاب

صورة

للولايات المتحدة مصلحة واضحة في معاقبة وردع العدوان الإيراني في جميع أنحاء الشرق الأوسط، الذي يستهدف معظمه حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وتريد إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أيضاً فرض ضوابط على طهران بشأن نشاطها النووي، أكثر صرامة من تلك التي تفاوضت عليها خلال إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما. وتتيح العقوبات الاقتصادية وسيلة غير عسكرية لتحقيق هذه الغاية، وتُظهر التجربة السابقة أنها فاعلة، إلى حد ما. ويكمن الخطر في أنها يمكن أن تستفز إيران، وتجعلها تستأنف تخصيب اليورانيوم على نطاق واسع، أو تجعلها تشن هجمات على الأميركيين، ويتطلب ذلك رداً عسكرياً أميركياً، وربما يتصاعد ذلك ليصير حرباً أخرى في الشرق الأوسط، وهي الحرب التي تعهد الرئيس ترامب بتجنبها.

اختبار

اختبر ترامب هذا المنحى العام الماضي، عندما أعاد فرض العقوبات النفطية على إيران، مع استثناء بعض أكبر عملائها. وكانت النتيجة، وفقاً للإدارة، هي خسارة إيران 10 مليارات دولار من عائدات النفط، التي بلغت 50 مليار دولار، الأمر الذي أدى بدوره إلى خفض التمويل لـ«حزب الله» المدعوم من إيران. وعلى الرغم من تهديداتها، لم تجرؤ طهران على عبور الخطوط الحمراء التي رسمتها الإدارة الأميركية.

واغتنمت الإدارة الأميركية هذه السلبية لتضاعف العقوبات على إيران، للقضاء على صادراتها النفطية المتبقية، وذلك من خلال تهديد المشترين، بما في ذلك الصين والهند وتركيا وكوريا الجنوبية واليابان، بعقوبات، إذا لم تمتثل لتعليماتها. الصين، التي تشتري نصف النفط المتبقي من أسواق إيران، قد تتحدى الضغوط الأميركية، لكن إذا نجح مسعى الإدارة، فسيتعرض الاقتصاد الإيراني، الذي يجاهد بالفعل ليقف مرة أخرى على قدميه، لضربة قاسية. ويراهن ترامب بشكل أساسي على أن النظام الإيراني سيبتلع هذه العقوبة مرة أخرى، بدلاً من اختبار عزم الإدارة الأميركية.

ابتلاع العقوبة

ومن الممكن أن يختار المرشد الإيراني علي خامنئي، هذا الاتجاه، لأنه يعلم أن المعارضة القوية من الحكومات الأوروبية لسياسة ترامب، فضلاً عن معارضة الحزب الجمهوري له، قد تشجع إيران على الصبر لمدة 18 شهراً على أمل ألا تتم إعادة انتخابه. لكن إذا ردت إيران بقوة، فقد يضطر ترامب إلى الاختيار بين غض الطرف عن تصرفاتها السيئة، التي وضعت صفقة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما النووية لعام 2015 حداً لها، أو الانزلاق في أتون حرب لا يرغب فيها معظم الشعب الأميركي.

أحد أسباب المواجهة المحتملة هو أن الإدارة الأميركية تركت لطهران خيارات ضئيلة، حيث كرر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أول من أمس، انفتاح الإدارة على المفاوضات مع إيران، لكنه وضع قائمة بعشرات الشروط التي يتعين على النظام الإيراني الوفاء بها، وهو ما يعكس تماماً سياسته الخارجية الحالية. وهذه الخطوات، التي تراوح من وقف تطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، إلى إنهاء العداء تجاه إسرائيل، مرغوبة، ولكنها غير واقعية في غياب تسوية أوسع مع خصوم إيران الإقليميين.

الهدف الحقيقي

ربما يكون هدف الإدارة الحقيقي هو انهيار النظام، حيث قال بومبيو إن مطالب الإدارة «تشبه ما نسمعه من الشعب الإيراني نفسه»، مضيفاً: «لن نرضي مضطهدي الشعب الإيراني»، يقصد النظام الإيراني. وقد يكون هذا أيضاً نتيجة مرحباً بها، إذا كانت العقوبات الأميركية قادرة على تحقيقها. لكن التاريخ لا يقدم كثيراً من الأمثلة المشجعة، ما يثير مسألة ما إذا كان ترامب قد درس بعناية الزوايا الصعبة التي قد تفضي إليها سياسته.

وفي حمى هذه المواجهات، تسعى اقتصادات آسيا الكبرى إلى البحث عن مصادر جديدة للنفط، بعد عزم الولايات المتحدة عدم منحها إعفاءات من العقوبات على النفط الإيراني. وكانت إدارة ترامب قد منحت إعفاءات إلى الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية وتايوان، وكذلك إيطاليا واليونان وتركيا.

ومن المقرر أن تنتهي هذه الإعفاءات في الثاني من مايو. وتعدّ الصين أكبر مستورد للنفط الإيراني في العالم، والهند هي من بين أكثر البلدان تضرراً. وتستهلك آسيا كميات كبيرة من النفط مقارنة بأي منطقة أخرى، حيث تستهلك أكثر من 35٪ من الطلب العالمي. وقد وجدت بعض الدول التي مُنحت إعفاءات بالفعل مصادر بديلة، حيث لم تشتر إيطاليا واليونان وتايوان أي نفط إيراني منذ نوفمبر، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، ولاتزال الصين والهند وكوريا الجنوبية تشتري من إيران. ويبدو أن لدى الهند، على سبيل المثال، خطة لاستبدال سوق النفط الإيرانية بسوق أخرى.

تحذير

وحذرت الإدارة الأميركية من أن جميع الدول التي تستمر في استيراد النفط الإيراني ستكون عرضة للعقوبات الأميركية. ويبدو أن هذا التهديد لم يقابله رد فعل مذعن من بعض الدول المعنية، حيث انتقدت بكين تحذير الإدارة الأميركية قائلة إنها «تعارض العقوبات الانفرادية». وصرح مسؤولون كوريون جنوبيون لوسائل إعلام بأنهم يكافحون من أجل الامتثال للعقوبات الأميركية، إلا أن مصافي النفط في البلاد مصممة على وجه التحديد لمعالجة النفط الخام الإيراني. وقال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، على موقع «تويتر» إن «تركيا ترفض فرض عقوبات أحادية الجانب بشأن كيفية إدارة العلاقات مع الجيران».

وقال مدير الاستثمار في شركة إيه جيه بيل، روس مولد: «العقوبات الاقتصادية من الولايات المتحدة يمكن أن تلحق الضرر بانسياب التجارة، والقدرة على الوصول إلى الأسواق المالية العالمية، والتعامل المالي والاقتصادي». وفي وقت سابق من الشهر الماضي، تم فرض غرامة كبيرة بقيمة 1.1 مليار دولار على بنك «ستاندرد تشارترد»، بسبب مزاعم بأنه انتهك مراراً العقوبات على إيران والدول الأخرى. وتم توجيه اتهام لمجموعة الاتصالات الصينية «هواوي»، العاملة في أميركا، بانتهاك العقوبات المفروضة على إيران.

تقول الولايات المتحدة إن العقوبات ستستمر حتى تكف إيران عن «سعيها للحصول على أسلحة نووية». هذه الحملة الأميركية على إيران تغذي المخاوف المتزايدة بشأن العرض في سوق النفط، حيث شحت بالفعل شحنات النفط الفنزويلية بسبب العقوبات الأميركية، في الوقت الذي يضرب فيه العنف ليبيا، أحد المنتجين المهمين في مجموعة الدول المنتجة والمصدرة للنفط «أوبك».

عملية استبدال مصدر الخام الإيراني لن يترك مجالاً كبيراً للمنتجين للتعامل مع صدمات الإمداد المستقبلية. ويقول أحد خبراء أسواق النفط «المشكلة هي أن الدول المنتجة للنفط سينتهي بها المطاف وهي تمتلك قدراً ضئيلاً للغاية من الطاقة الاحتياطية لأي طارئ آخر أو أي أزمة أخرى في سوق النفط».

وفي الوقت الذي لايزال من السابق لأوانه على الأرجح التنبؤ باتجاه سعر النفط لمستوى 100 دولار، إلا أن أسعار الخام الأميركي تستهدف تحقيق مستوى قدره 70 دولاراً للبرميل، إذا ظلت المخاوف بشأن قلة المعروض في أسواق النفط العالمية سائدة. ويمكن لارتفاع أسعار النفط أن تؤثر بشكل أكبر في النمو الاقتصادي في الصين والهند، وفي ظل وجود العديد من القطاعات التي تعتمد على الطاقة، فإن تأثير «الدومينو» من المرجح أن يضاعف المشكلات الاقتصادية للدول الآسيوية التي تعاني بالفعل من التباطؤ.


أحد أسباب المواجهة المحتملة هو أن الإدارة الأميركية تركت لطهران خيارات ضئيلة، حيث كرر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، انفتاح الإدارة على المفاوضات مع إيران، لكنه وضع قائمة بعشرات الشروط التي يتعين على النظام الإيراني الوفاء بها، وهو ما يعكس تماماً سياسته الخارجية الحالية.

الصين، التي تشتري نصف النفط المتبقي من أسواق إيران، قد تتحدى الضغوط الأميركية، لكن إذا نجح مسعى الإدارة، فسيتعرض الاقتصاد الإيراني، الذي يجاهد بالفعل ليقف مرة أخرى على قدميه، لضربة قاسية.

تويتر