ماي وترامب يستخدمانها رغم خطورتها

«المجازفة السياسية» وسيلة السياسيين لتحقيق المكاسب

دونالد ترامب وتيريزا ماي يدفعان لتمرير قوانين خلافية. أ.ب

سياسة المجازفة فكرة قديمة، ولكنها ليست مصطلحاً قديماً فعلاً. وقد استخدم للمرة الأولى في عام 1956، بعد أن رأى وزير الخارجية الأميركي، جون فوستر دالاس، أن «القدرة على الوصول إلى الحافة دون الدخول في الحرب هي فن ضروري. إذا كنت خائفاً من المجازفة السياسية، فقد خسرت». وبدأ المرشح الديمقراطي للرئاسة، أدلاي ستيفنسون، في استخدام مصطلح «المجازفة السياسية» في الرد.

ومع ذلك نجد أنفسنا محاطين من جميع الجوانب بقادة يعتقدون أنهم أتقنوا هذا «الفن الضروري». لحسن الحظ، فإن الرهانات قليلة، لكنها لاتزال مرتفعة بما يكفي لتستدعي النظر.

في الولايات المتحدة، أخفق دونالد ترامب في الوفاء بوعده بجعل المكسيك تدفع مقابل الجدار الحدودي، وأغلق الحكومة الفيدرالية، جزئياً، إلى أن يوافق «الكونغرس» على أن دافع الضرائب الأميركي سيمول الجدار بدلاً من ذلك. سيصل الناخبون إلى استنتاجات حول الطرف الذي يستحق اللوم.

في المملكة المتحدة، تريد رئيسة الوزراء تيريزا ماي أن يصوت البرلمان لمصلحة صفقة الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، غير المغرية، والتي تفاوضت بشأنها مع بروكسل. إن هذا يمثل تهديدين متزامنين في وقت واحد؛ فهي تواجه المتشددين باحتمال عدم وجود خروج على الإطلاق، في حين تطلق تحذيراً للمعتدلين الأوروبيين والبريطانيين بأنه ستكون هناك نتيجة فوضوية في حال «لا صفقة».

وسواء كنا نتحدث عن خروج بريطانيا أو الجدار الحدودي أو المراحل الأولى من حرب فيتنام، فإن كل وضع مختلف. ومع ذلك، فإن الأمر يستحق التأمل في بُنية المشكلة. قد تبدو هذه التهديدات غير واقعية. لم يكن دالاس يريد حرباً نووية، ولا تريد ماي اختناقات مرورية تستمر ستة أيام في الطريق إلى دوفر، على الساحل الجنوبي (هرباً من بريطانيا إلى أوروبا). ومع ذلك، يمكن جعل التهديد موثوقاً بما فيه الكفاية لتحقيق النتائج، ولكن كيف ذلك؟

«آلة يوم القيامة»

أحد الخيارات هو استخدام «آلة يوم القيامة»، التي اشتهرت بها كوميديا «الدكتور ستراغلوف»، لمخرجها ستانلي كوبريك. لا يمكن إيقاف تشغيل الآلة، بل الإذعان لأوامرها فقط، فالمخاطر واضحة. في الفيلم، تدمر «آلة يوم القيامة» الحضارة. «آلة يوم القيامة» بالنسبة لماي هي عملية الخروج بموجب المادة (50)، التي قيل إنه لا يمكن وقفها بمجرد البدء. وبمن دون موافقة البرلمان على صفقة ما، فإن هذه الآلة القانونية ستؤدي إلى خروج بلا صفقة، في غياب البدائل.

أدى تفعيل المادة (50) إلى إضعاف القدرة التفاوضية لرئيسة الوزراء مع الاتحاد الأوروبي، ولكن ذلك عززها عند التعامل مع هؤلاء النواب الذين يبدو أنهم منفتحون على العقل. ومع ذلك يتبين الآن أن الآلة لديها مفتاح إيقاف بعد كل شيء. يمكن للحكومة البريطانية ببساطة إلغاء إشعارها بالمغادرة. لذلك، تمكنت ماي من عرقلة موقفها التفاوضي مع الاتحاد الأوروبي، بينما تركت نفسها رهينة لحزبها. التكتيك الثاني للحصول على الصدقية هو استراتيجية «المجنون». إذا كنت مجنوناً، أو يمكن أن تدعي الجنون، فإن التهديدات غير الواقعية تبدو معقولة. ترامب شخص متقلب بما يكفي لجعل تكتيكات «المجنون» تبدو معقولة، على الرغم من أنه تراجع باستمرار. أما ماي فإنها نهج جيد في العناد، وتبذل قصارى جهدها لتهويل عدم إبرام صفقة، وجعل الأمر يبدو وكأنه قوة طبيعية لا مفر منها، مثل زلزال أو فيضان. ومع ذلك، يبدو من غير المحتمل أنها مستعدة لمواجهة الفوضى، بينما يمكنها إلغاء كل شيء بجرة قلمها. على أية حال، بعض قادة «بريكست» قد أتقنوا دور «المجنون». لقد أقنعوني أنهم ببساطة لا يكترثون. ربما تعرضت لخدعة رائعة.

خطر وقوع حادث

بين طرق جعل التهديدات ذات صدقية: خلق خطر وقوع حادث، كما يصف الخبير الاستراتيجي في الحرب الباردة، الحائز جائزة نوبل، توماس شيلينج «تكبيل نفسك بخصمك ثم الرقص على حافة الهاوية». أنت لست انتحارياً، ولكنك على استعداد لخلق خطر وقوع حادث. إذا كان خصمك يخاف من المخاطرة أكثر منك، فيمكنك أن تحصل على تنازلات.

وكما عرف شيلينج وزملاؤه الاستراتيجيون، في مواقف مثل أزمة الصواريخ الكوبية، كان هناك دائماً خطر من أن شيئاً ما سيخرج عن نطاق السيطرة، وأننا جميعاً سنسقط في الهاوية. كان هذا هو ما جعل التهديدات العالمية معقولة. هذا غير مريح فعلاً. لقد نجحنا بطريقة ما في إنتاج وضع يهدد فيه السياسيون المنتخبون ديمقراطياً بإلحاق ضرر كبير ببلدانهم ضمن مساومة. التكتيك ذو صدقية، لأن الحوادث تقع. على الأقل يمكننا أن نريح أنفسنا بأن القاذفات بعيدة المدى غير معنية.

تيم هارتفورد : كاتب ومحلل سياسي

تويتر