يشكل تحدياً أمام انتخاب الرئيس عام 2020

فوز الديمقراطيين بمجلس النواب يمثل عهداً جديداً لمحاسبة ترامب

صورة

يبدو أن رؤية الرئيس دونالد ترامب بالنسبة للولايات المتحدة كدولة انعزالية لم ترقَ للأميركيين، وربما كانت هذه ردة فعل الحكومات الأجنبية أيضاً من أصدقاء أميركا وأعدائها، خلال مراقبتهم الحزب الديمقراطي وهو يستعيد السيطرة على مجلس النواب خلال الانتخابات النصفية يوم الثلاثاء الماضي، الأمر الذي يشي بأن السنتين المقبلتين ستكونان قاسيتين على ترامب، ناهيك بعملية إعادة انتخابه عام 2020 التي ستشكل تحدياً كبيراً له.

ويرى العديد من دول العالم التي مازالت في حالة صدمة بشأن الرفض المفاجئ لترامب للاتفاقيات الدولية، وتهديده بفرض التعرفة الجمركية على حلفائه، وانسحابه الكبير من النظام العالمي، أن نتيجة التصويت التي فاز بها الديمقراطيون بمجلس النواب، كانت رسالة ترحيب تفيد بأن عدداً كبيراً من الاميركيين يعارضون سياسات الرئيس وأسلوبه تماماً كما يعارضه كثيرون خارج دولته.

وبالطبع فإن فوز الديمقراطيين بمجلس النواب «سيمنع الكثير من الأمور من أن تنفلت من عقالها بصورة كلية» كما قال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين قبل الانتخابات. وقالت النائب الديمقراطي المتحمسة نانسي بيلوسي قبل الانتخابات، «غداً سيكون يوماً جديداً في أميركا»، وتعهدت بأن المرحلة الجديدة ستتميز بالمحاسبة الشديدة لإدارة ترامب.

وإضافة الى كل ذلك، فإن فوز الديمقراطيين سيبعث برسالة طمأنينة، خصوصاً لحلفاء الولايات المتحدة، الذين يشعرون بالحنق إزاء إدارة ترامب، خلال العامين المقبلين، وأن إدارة ترامب ستكون هشة وضعيفة في انتخابات عام 2020.

وعلى الرغم من أن الجمهوريين احتفظوا بالسيطرة على الكونغرس، لا بل حصلوا على المزيد من المقاعد فيه، فإن ما سيحدث الآن هو سلسلة لا هوادة فيها من المحاسبة والتحقيقات في إدارة ترامب من قبل الديمقراطيين، الذين سيكونون متسلحين بسلطة الاستدعاء والسيطرة على اللجان البرلمانية الأساسية، ما سيجعل الديمقراطيين يتحركون بسرعة ويفتحون قضايا كان الجمهوريون يمنعونهم عنها من قبل، وذلك عندما يتسلمون سلطاتهم في نهاية يناير المقبل.

وستقوم العديد من اللجان بتفحص مدفوعات تجارة ترامب من الضرائب خلال عقود ماضية، إضافة إلى مزاعم بغسل الأموال، ودور أفراد العائلة مثل ابن الرئيس دونالد ترامب الابن في التواطؤ مع روسيا. وسيحققون في احتمال ارتكاب مخالفات من قبل عدد من الوزراء مثل وزير التجارة ويلبر روس، الذي تعرض لتحقيقات بشأن صفقات مالية، وكذلك وزير الخزانة ستيفن مانشن، والمدير السابق لوكالة حماية البيئة سكوت بروت، ووزير الصحة والخدمات الإنسانية السابق توم برايس الذي استغل منصبه للقيام بسفريات على نفقة دافعي الضرائب.

وبالطبع فإن ذلك ستكون نتائجه سلبية وسيسفر عن تناقص في شعبية ترامب في عام 2020، خصوصاً أن التحقيقات التي يجريها الآن المحقق الخاص روبرت مولر في علاقة الرئيس مع روسيا يمكن أن تؤدي إلى عزله. وسيبذل الديمقراطيون جهوداً كبيرة لمنع مشروع قانون الاعتمادات المتعلقة بالإنفاقات العسكرية الكبيرة، وقضايا أخرى مثل الجدار الذي اقترحه ترامب على الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة.

ومن المتوقع أن يترأس أعضاء ديمقراطيون كبار في الكونغرس لجاناً مهمة من بينهم آدم سميث، وإليوت إنجل العضو المهم في لجنة القضايا الخارجية، وآدم شيف الذي سيتسلم السيطرة على لجنة الامن والمخابرات، ويتوقع أن يدعم وبقوة تحقيقات مولر. وأما جيرولد نادلر الذي يتوقع أن يتسلم لجنة القضاء، فقد وعد بإجراء تحقيقات حول ما إذا انتهك ترامب قانون مكافحة الفساد من خلال تجارة عائلته وعرقلة عمل مكتب التحقيقات الفدرالية ووزارة العدل.

خيبة أمل

ربما شعر بعض أعداء أميركا مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والصيني تشي جين بينغ، بخيبة الأمل جراء نتيجة انتخابات يوم الثلاثاء، لأنها ستسفر عن إبطاء في تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين. وسيشعر آخرون أمثال إيران بالاطمئنان إلى أنه يمكن إنقاذ الاتفاق النووي لعام 2015 الذي رفضه ترامب، حتى وإن لم يقولوا ذلك بصوت عالٍ. وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف: «لا نعقد أية آمال على الانتخابات النصفية».

ومعظم الحكومات الصديقة لأميركا كانت تأمل في فوز الديمقراطيين لأنهم كانوا يريدون رؤية بعض الضوابط لهذا الرئيس الذي تميزت كل خطاباته بالعدوانية. وترى معظم هذه الحكومات أن فوز الديمقراطيين في هذه الانتخابات سيكون بمثابة الفرملة لهذا الرئيس المندفع نحو تحطيم القواعد والنظم التي يقوم عيها النظام الدولي.

وخلال أقل من عامين انسحب ترامب من العديد من الاتفاقيات، حيث أعلن انسحابه من معظم الاتفاقيات المهمة للحد من التسلح النووي التي جرت خلال أربعة عقود، وأبدى عداءه لحلف الناتو ولمجموعة الدول السبع الغنية، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة التجارة العالمية.

ومع ذلك، لن يغير فوز الديمقراطيين في مجلس النواب من سياسات ترامب على نحو كبير. وأعرب العديد من الديمقراطيين البارزين في ولايات الوسط والغرب التي جلبت النصر لترامب في عام 2016، على سبيل المثال، عن موافقتهم المشروطة لفرض الرئيس للتعرفة الجمركية، مؤكدين أنه قام بالشيء الصحيح. وقال زعيم الأقلية في الكونغرس الديمقراطي عن ولاية نيويورك تشاك شومر في حينه: «أريد أن أربت على كتف ترامب». وأضاف: «دعوت للقيام بما فعله ترامب منذ سنوات عدة، لكني لم ألق آذانا صاغية من الرئيسين جورج بوش الابن وباراك أوباما».

وليس هناك ما يمكن أن يفعله الديمقراطيون الذين يسيطرون على مجلس النواب في ما يتعلق بموضوع التعرفة الجمركية التي فرضها ترامب، وفي الواقع يملك مجلس النواب سلطات أقل بكثير على السياسة الخارجية من الكونغرس، الذي يمكن أن يوافق على الاتفاقيات وعلى تعيين كبار المسؤولين، وبناء عليه وعلى الرغم من نتائج انتخابات يوم الثلاثاء، فإن بعض المراقبين الأجانب يرون أن التغييرات في الولايات المتحدة لن تكون أكثر من استمرار الشلل السياسي الحالي فيها وستظل منقسمة بصورة صارخة، إضافة إلى استمرار انتشار السياسة الترامبية حول العالم. وقال دبلوماسي أوروبي آخر: «على المدى القصير أنا متشائم من حدوث أي شيء إيجابي».

وكما الحال مع إيران كانت معظم حكومات الدول ما وراء البحار تفضل عدم الاكتراث بنتيجة انتخابات يوم الثلاثاء، لأنها لم تكن تريد أن تتهم بالتدخل في الانتخابات كما حدث في انتخابات عام 2016 واتهام روسيا بالتدخل فيها، لكن ظريف الذي أمضى سنوات عدة في التفاوض على الاتفاقية النووية عام 2015 والتي انسحب منها ترامب هذا العام، ولايزال يأمل بإنقاذها، كان يراقب النتائج عن كثب، وإذا كان هناك أي احتمال لخروج ترامب من السلطة بحلول عام 2021 فإن ذلك سيقلل من إمكانية خسارة ظريف للاتفاقية المتعددة الأطراف، حتى لو في مواجهة العقوبات الأميركية المتجددة.

وعلى النقيض من ذلك فإن زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون ربما سيشعر بالرعب من انتصار الحزب الديمقراطي عام 2020، ولهذا فإنه سيبذل كل ما بوسعه لعقد اتفاقية مع ترامب يضمن من خلالها شيئاً يستخدمه وقت الحاجة، وهي استراتيجية يمكن أن تتضح عندما يلتقي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مع نظيره الكوري الشمالي هذا الأسبوع. ويتعين على كيم الذي يُعتقد أنه درس الانتخابات الأميركية عن كثب، أن يدرك أن الديمقراطيين وإن كانوا يفضلون الحل الدبلوماسي، فإنهم سيصرون على جلسات الاستماع لتفاصيل المفاوضات. وقال الدبلوماسي الاميركي جيمس ستاينبرغ الذي عمل نائباً لوزير الخارجية في إدارة ترامب: «إذا أراد أحد عقد صفقات مع ترامب فليقم بها الآن».

- على الرغم من أن الجمهوريين احتفظوا

بالسيطرة على الكونغرس، وحصلوا

على المزيد من المقاعد فيه، فإن ما سيحدث

الآن هو سلسلة لا هوادة فيها من المحاسبة

والتحقيقات في إدارة ترامب من قبل

الديمقراطيين، الذين سيكونون متسلحين بسلطة

الاستدعاء والسيطرة على اللجان البرلمانية

الأساسية.

- كما الحال مع إيران كانت معظم حكومات دول ما

وراء البحار تفضل عدم الاكتراث بنتيجة انتخابات يوم الثلاثاء،

لأنها لم تكن تريد أن تتهم بالتدخل في الانتخابات كما حدث

في انتخابات عام 2016.

مايكل هيرش مراسل لـ«فورين بوليسي ماغازين»

 

تويتر