قصص فصل أطفال المهاجرين في أميركا تصدم العالم

العنصرية ضد المهاجرين كانت دائماً جزءاً من الهوية الأميركية

صورة

عندما ظهرت أخبار تفيد بأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعمل على إبعاد أطفال المهاجرين عن عائلاتهم وتضعهم في أقفاص حسب وصف محطة فوكس نيوز، كان رد الأميركيين على ذلك «أنه عمل لا يمثل قيمنا ونحن لسنا كذلك».

• باستثناء عدد قليل من الذين لايزالون على قيد الحياة من سكان أميركا الأصليين، فإن جميع من يعيشون في أميركا أصبحوا أميركيين لأن أحد الأشخاص من عائلاتهم هاجر إلى هناك.

• لقد تمكنت هذه الإدارة وبنجاح من شيطنة جميع المهاجرين من غير البيض، اذ إنه لا ينظر إليهم كعائلات بشرية وإنما كحيوانات من «دول قذرة» حسب وصف ترامب.

ولكن القصص التي تظهر الآن من الولايات المتحدة تبدو صادمة جداً للضمير الإنساني، ويمكن وصفها بأنها وصمة عار وطنية، حيث يقاد أطفال في الخامسة من العمر من قبل عدد من أفراد الشرطة، الذين يقولون إنهم يريدون أخذهم إلى الحمام، ولكن بعد ذلك يتم إبلاغ آبائهم بأنهم لن يرونهم بعد الآن، ومن ثم يتم طرد الأمهات ويجبرن على ترك أطفالهن، دون أي طريقة للاتصال بهم، وتم حبس المئات من الأطفال المرعوبين داخل سجن محاط بسياج قوي شبيه بالقفص، في حين يصف المسؤولون الأميركيون ساخرين، صرخات هؤلاء الأطفال بأنها مثل «الأوركسترا».

ازدواجية

ويرد أعضاء إدارة ترامب على هذه القصص تارة بإنكار وجودها وتارة أخرى بالدفاع عن فعاليتها، وأما في حالة وزيرة الأمن الوطني الأميركية كريستان نيلسن، فإنها تقوم بالأمرين معاً. وتحدث مثل هذه القصص في أميركا، لأن العنصرية ضد المهاجرين لطالما كانت جزءاً من الهوية الأميركية. وأقوم أنا الآن بتأليف كتاب عن الهجرة في أميركا في بداية القرن الـ20، وعندها لن يجد القارئ صعوبة تذكر للوقوف على مدى اضطهاد المهاجرين في حينه.

ونشأت أميركا على العنصرية، إلا أنها نشأت على الهجرة أيضاً. وهاتان الفكرتان ليستا وجهين لعملة واحدة، وإنما عبارة عن حية تأكل ذيلها. وكان يتم التعامل مع المهاجرين بعنصرية من قبل السياسيين، لدرجة أن من يتكلمون بفخر الآن عن أنه يمكنهم التعرف إلى شجرة العائلة حتى أول سفينة بريطانية حملت مهاجرين إلى أميركا، ينظرون بقلق الى الهجرة غير الشرعية وكأن ركاب تلك السفينة، كانوا يحملون تأشيرات دخول إلى العالم الجديد.

وذهبت جدتي إلى أميركا هرباً من النظام النازي، وهذا هو السبب الوحيد الذي جعلني أولد أميركياً، وتمكنت من الدخول إلى هذا البلد لأنها وافقت على الزواج من رجل لم تعرفه كان يعيش في جزيرة لونغ ايلند، ولم تتمكن من أخذ أمها ولا أشقائها، الأمر الذي جعل العديد من هؤلاء يلقون حتفهم.

لا فائدة من المقارنة

وفي حقيقة الأمر فإن المقارنة هنا لن تقدم أي فائدة، ولكن من المستحيل بالنسبة لنا نحن أبناء الناجين من المحرقة النازية، أن نسمع تسجيلات صراخ الأطفال المبعدين عن عائلاتهم، دون أن نفكر بأطفال اليهود الذين تم فصلهم قسراً عن آبائهم. وعندما سئل وزير العدل الأميركي جيف سيشنز عن المقارنة بين مراكز اعتقال الأطفال ومعسكرات الاعتقال النازية، اعتبر أنها تنطوي على كثير من «المبالغة»، وقال «النازيون كانوا يمنعون اليهود من مغادرة البلاد» أي أن ما يفعله مختلف عن العمل النازي، وهذا هو المهم بغض النظر عن مدى وحشيته.

ولقد شعرنا بالصدمة إزاء ما تفعله إدارة ترامب، ولكن هل ينبغي أن نشعر بالدهشة؟ تحدث ترامب مراراً وتكراراً خلال حملته الانتخابية عن أنه سيضع نهاية لسياسة أوباما التي كانت تترك المهاجرين غير الشرعيين يعيشون حياة عادية في انتظار محاكمتهم، والتي أحياناً استبعدت فعلياً المهاجرين غير الشرعيين مع الأطفال، حتى لا تضطر إلى تقسيم العائلات. وكان ترامب قد وعد بأنه سيطرد «الأشخاص السيئين» واعتبر كثيرون أن ذلك مجرد تلاعب بالألفاظ، ولكن كان هناك شخص واحد هو الذي أخذ الموضوع على محمل الجد، وهي منافسة ترامب على منصب الرئاسة هيلاري كلينتون، التي قالت في إحدى مناظراتها «لا أريد تمزيق العائلات. ولا أريد رؤية سياسة الطرد كالتي تحدث عنها ترامب».

وباستثناء عدد قليل من الذين لايزالون على قيد الحياة من سكان أميركا الأصليين، فإن جميع من يعيشون في أميركا أصبحوا أميركيين لأن أحد الأشخاص من عائلاتهم هاجر إلى هناك، وعلى الرغم من أن معظمنا اعتاد الكثير من نفاق السياسيين الذي يتعلق بهذا الموضوع، إلا أن صور الأطفال، وموظفي الهجرة وهم يبعدونهم عن عائلاتهم، كشفت عن مدى القسوة المهولة التي تميز هذا السلوك، ويمكن رؤية هؤلاء السياسيين وهم يصرخون بشدة في دفاعهم عن الأطفال الذين لم يولدوا بعد، إلا أن رمي الأطفال في أقفاص يبدو أمراً طبيعياً بالنسبة لهم.

شيطنة المهاجرين

لقد تمكنت هذه الإدارة وبنجاح من شيطنة جميع المهاجرين من غير البيض، إذ إنه لا ينظر إليهم كعائلات بشرية وإنما كحيوانات من «دول قذرة» حسب وصف ترامب. ويقوم جمهوريون أمثال ابنة الرئيس ايفانكا، ورئيس مجلس النواب الأميركي بول ريان بنشر صور أطفالهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما يكون هؤلاء من نسل أوروبيين شرقيين أو مهاجرين إيرلنديين، ولكنهم لا يربطون عائلاتهم بأي حال من الأحوال بعائلات يتم تمزيقها وإبعاد أفرادها عن بعضهم بعضاً.

وأميركا هي مثالية أو واقعية، وأحياناً الاثنان معاً، إلا أنها في أحيان أخرى لا تكون كذلك مطلقاً، وقام ترامب بحملة عنصرية مستغلاً عقوداً من شيطنة المهاجرين، وميل الكثير من أفراد الشعب إلى الإعجاب بذلك، وكانت هذه النتيجة التي وصلنا إليها، وهذه السياسة وبكل قسوتها المنهجية ضد الأطفال هي من صنع ترامب.

هادلي فريمان كاتب زاوية في «الغارديان»

تويتر