في ردّ على فرض أميركا تعرفة جمركية كبيرة على استيراد الحديد والألمنيوم

انتقام حلفاء ترامب يدفع باتجاه تدمير التجارة العالمية

صورة

إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد حرباً تجارية، فإن حلفاء الولايات المتحدة حذروا من أنه سيحصل على مثل هذه الحرب، وفي الرد على قرار الرئيس الأميركي فرض تعرفة جمركية كبيرة على استيراد الحديد والألمنيوم من أوروبا والمكسيك، وكندا، أعرب قادة هذه الدول عن تهديدهم لهذه التعرفة في منظمة التجارة العالمية، وأعلنوا أيضاً عن ضريبة انتقامية على البضائع الأميركية، فيما أكد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، أن كندا لن تحصل على الأوامر بشأن تجارتها من الأميركيين.

ترامب يهدّد شركاءه التجاريين بمزيد من الرسوم

يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يبالي بوجهة نطر شركائه التجاريين، إذ إن قمة الدول السبع الكبرى التي انعقدت في مدينة مالبي في كندا، انتهت بقيام الرئيس الأميركي بنكث تعهداته في البيان المشترك الذي دعا إلى «التجارة الحرة، والعادلة التي تدر فائدة على الجميع»، وتعهد أيضاً بأنه سيواصل فرض التعرفة على الحديد والألمنيوم، كما أنه وصف مضيفه رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بأنه «ضعيف وخائن»، لأنه انتقد التعرفة في بداية الاجتماع. وقال ترامب في تغريدة أطلقها غداة انتهاء الاجتماع «عذراً، نحن لا نستطيع أن ندع أصدقاءنا ولا أعداءنا يستفيدون من التجارة معنا مطلقاً. علينا أن نضع مصلحة العالم الأميركي أولاً».

ومن غير الواضح ما إذا كان ترامب يعتبر حلفاء الولايات المتحدة أصدقاء أو أعداء، عندما يتعلق الأمر بالتجارة. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي وكندا، والمكسيك، فإن ذلك لم يعد قضية مهمة بالنسبة لهم.

وقال المستشار السابق لرئيس المفوضية الأوروبية وعضو منظمة «بريجل» الفكرية، أندريه سابير «عليهم أن يقرروا بين عدم فهم النظام وبين التعامل مع ترامب. والأولى تسير في اتجاه والثانية في الاتجاه الآخر».

ولم يأتِ هذا القرار مفاجئاً، وفي الواقع فإن الاتحاد الأوروبي والمكسيك، وكندا، حذروا سلفاً، بأنهم سيواجهون الولايات المتحدة في منظمة التجارة العالمية إذا تم فرض تعرفة جمركية على الحديد والألمنيوم، حيث شككوا في مبررات واشنطن للأمن القومي لفرض رسوم على حلفائها. ويبدو أن رئيس الوزراء الكندي أخذ المسألة بصورة شخصية، إذ أشار إلى أن بلاده حاربت إلى جانب أميركا في حروب عدة، واعتبر أنه ليس من المعقول أن تشكل كندا تهديداً على الأمن القومي لجارتها أميركا.

وقالت المفوضة التجارية في الاتحاد الأوروبي سيسيليا مالمستروم إن الاتحاد الأوروبي باعتباره صديقاً وحليفاً لأميركا فإنه «شعر بالإهانة الشديدة جراء ذلك».

ولكن توقيت انتقام هذه الدول من أميركا غير محدد، إذ إن نظام التجارة العالمي الحالي جرى تصميم جزء كبير منه بحيث أنه يعمل على إبطاء مثل هذه الخلافات. وبصورة نموذجية، إذا شعرت دولة بأنها تتعرض لظلم تجاري غير عادل، فإنها يمكن أن ترفع تظلماً في منظمة التجارة العالمية، التي تعمل كوسيط دولي، للتوصل إلى قرار ما إذا كان هذا العمل يمثل انتهاكاً لقوانين منظمة التجارة العالمية، وما إذا كان يمكنها بحسب هذه القوانين اللجوء إلى ردود انتقامية، ويهدف ذلك إلى ضمان عملية منظمة لفرض القوانين في التجارة العالمية.

ولكن في الوضع الحالي، يبدو أن الاتحاد الأوروبي، والمكسيك، وكندا، سيتجاوزون هذه الخطوة وسينتقمون دون الرجوع إلى منظمة التجارة العالمية، إذ سينفذون العدل التجاري بأيديهم. وكانت التعرفة الجمركية المكسيكية التي تستهدف 1% فقط من الصادرات الأميركية اليها وضعت موضع التنفيذ في الأسبوع الماضي، وأما التعرفة الجمركية التي ستصدر عن الاتحاد الأوروبي وكندا فمن المتوقع أن تستهدف بضائع مماثلة ومن المتوقع أن تفرض الشهر المقبل.

وعندما تحدثت مع المستشار السابق لرئيس المفوضية الأوروبية وعضو منظمة «بريجل» الفكرية، أندريه سابير، في شهر مارس الماضي، أبلغني أن لجوء الدول إلى طرق مختصرة كهذه أمر غير عادي. وعندما حاولت الولايات المتحدة فرض تعرفة على الحديد عام 2002 في ظل إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن، لم يتحرك الاتحاد الأوروبي لفرض تعرفة انتقامية حتى أصدرت منظمة التجارة العالمية حكماً لمصلتحه في عام 2003. وقال سابير إن تفويض منظمة التجارة العالمية «أعطى الضوء الأخضر للاتحاد الأوروبي والأطراف الأخرى كي تتخذ إجراءات مضادة»، ولكن في هذه المرة لن ينتظر الاتحاد الأوروبي وشركاؤه مطلقاً، وأضاف سابير في الأسبوع الماضي أن تلك الدول «تتحرك نتيجة شعورها بالإحباط»، وقال «هم لم يواجهوا وضعاً مشابهاً، وبناء عليه فإنهم يردون بصورة غير عادية على ظروف غير عادية».

وقال الباحث حول العلاقات الاقتصادية بين طرفي الأطلسي في معهد «تشاتهام هاوس» في لندن ماتيو أوكسنفورد، إن شركاء الولايات المتحدة التجاريين ربما لا يلجأون إلى القوانين لأنهم لا يعتقدون أن ترامب سيلجأ إليها أيضاً.

وأضاف «الفرق بين الآن والمرة الأخيرة، أنه تعين عليهم القيام بذلك في عام 2002 خلال إدارة بوش الابن، حيث لجأوا إلى قوانين منظمة التجارة العالمية التي أصدرت حكماً لمصلحتهم ما دفع بوش الابن إلى التراجع». وقال «إذا تلقى ترامب حكماً من منظمة التجارة العالمية لا يعجبه، فإن ذلك لن يشكل ضغطاً عليه للتراجع عن التعرفة التي فرضها، كما يمكن أن تفعل التعرفة الانتقامية التي يمكن أن يفرضوها عليه».

وترامب أصلاً لم يخفِ احتقاره لقوانين منظمة التجارة العالمية، إذ إنه اتهم المنظمة بأنها منحازة ضد الولايات المتحدة، وقال إن اللجوء إليها مضيعة للوقت. وكانت إدارته مارست ضغوطاً كبيرة لمنع تعيين قضاة مكان سبعة قضاة في هيئة الاستئناف، التي تحل الخلافات التي تحدث بين الدول، ولا يوجد فيها الآن سوى أربعة قضاة أحدهم ستنتهي مدة عمله في سبتمبر المقبل. وكان ترامب هدد أيضاً بانسحاب الولايات المتحدة من المنظمة بشكل كلي، ولكن استناد قرار الاتحاد الأوروبي وأطراف أخرى في أن ردة فعلهم قائمة على حقيقة تجاهل ترامب لنظام التجارة العالمي، يمكن أن يزيد من الضرر للمنظمة وليس العكس، وعن طريق اللجوء إلى التعرفة الانتقامية قبل استشارة المنظمة، فإنهم يسهمون على نحو لا إرادي في تقويض النظام الذين يحاولون حمايته.

وقال أوكسنفورد إن «منظمة التجارة العالمية لاتزال تعمل لأن جميع الدول تدرك أن قيام حرب تجارية واسعة لن يكون لمصلحة أحد»، وأضاف أنهم «يريدون التأكد من وجود مجموعة من القوانين التي يلتزم بها الجميع، وأنه يجب فرض هذه القوانين بصورة متناسبة بحيث ان منتهك هذه القوانين يتلقى نوعاً من العقوبات على فعلته، ولكن هذه التركيبة من القوانين لن يكون لها أي معنى عندما يكون هناك من هو مستعد لتجاهلها خصوصاً دولة بحجم الولايات المتحدة».

وعلى الرغم من أن حرباً تجارية شاملة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لم تحدث حتى الآن، إلا أنه لا يمكن تخيلها أيضاً، وقالت المفوضة التجارية في الاتحاد الأوروبي مالمستروم لمراسلة محطة «سي إن إن» كريستين امانبور الأسبوع الماضي «علينا أن نثبت أنه إذا كان هناك من ينتهك قوانين التجارة الدولية فيجب أن يتحمل العواقب». وأضافت «أنا لا أقول إننا الآن نعيش حرباً تجارية، ولكننا أصبحنا في ظروف صعبة جداً يمكن أن تتصاعد، ولن يكون هناك فائز في كل هذا، ولذلك فإننا نتمنى ألا تحدث مثل هذه الحرب».

ياسمين سرحان : مساعد رئيس التحرير المقيم في لندن لـ«ذي أتلانتك»

تويتر