يتعين على واشنطن تغيير نظرتها للأمور

أميركا لا تحتاج إلى نشر قوات لتنفيذ سياستها في الخارج

صورة

في أواخر القرن الـ19، كان هناك قول مأثور «الشمس لا تغرب أبداً على الإمبراطورية البريطانية». واليوم يمكن القول إن «الشمس لا تغرب أبداً على القوات الأميركية». هذا هو الإرث الذي حصلت عليه الولايات المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية. وكنا حينها الديمقراطية الوحيدة القادرة على الوقوف أمام تهديد الاتحاد السوفييتي. حملنا مشعل الحرية للعالم، وكانت لدينا القدرة والقوة والثروة للقيام بذلك. الاتحاد السوفييتي، بالطبع، لم يعد موجوداً، لقد تم ذلك بفضل تصميم الرئيس (الأميركي السابق) رونالد ريغان، ومرونة اقتصاد السوق لدينا، ومبدأ الحرية. ومازلنا نتحمل الأعباء التي نشأت عن دورنا كقوة عالمية واحدة مكرسة لتعزيز السلام والديمقراطية والحرية.

على أميركا معرفة كيفية إدارة التدهور الكارثي في الشرق الأوسط الناجم عن انهيار سورية وهيمنة إيران عليها.

إنها قضية جيدة، ولكن يجب إعادة النظر في كيفية ووسائل تنفيذها. ومن المفارقات أن الرئيس دونالد ترامب، كما هو الحال مع بعض دوافعه الأساسية الأخرى، قد تجول في هذه الساحة واقترح نهجاً مناسباً محتملاً. وكون الجنود الأميركيين في كل ركن من أركان الكوكب قد لا يكون أفضل طريقة لتحقيق هدفنا في الوقت الحالي، اقترح ترامب، على سبيل المثال، أن ننسحب تماماً من أفغانستان، ويبدو أن فريق الأمن القومي عدّل هذه السياسة قليلاً. إن دوافع الرئيس هنا صحيحة، وما من شك في أنه في أعقاب 11 سبتمبر 2001، كان علينا أن نذهب إلى أفغانستان وأن نبعث، بقوة كبيرة، رسالة مهمة مفادها أننا لا نسمح بأن يكون هذا البلد ملاذاً آمناً للإرهابيين.

ولكن الوقت حان للمغادرة، والجهود المبذولة لبناء أفغانستان، كما كان الحال في العراق في السابق، لم تنجح بشكل جيد. هناك أسباب كثيرة لهذا، لكنها حقيقية. يجب علينا أن نعترف ولا نصر على الفشل من خلال البقاء هناك. وفي مغادرتنا، ينبغي أن نترك وراءنا رسالة واضحة جداً. وينبغي أن تذكر هذه الرسالة بصراحة لمن يسيطر على أفغانستان بأنه إذا سمح لها بأن تصبح ملاذاً إرهابياً مرة أخرى، فإننا سنعود بقوة مدمرة، لا لبناء البلد، بل لتدمير أولئك الذين يسمحون للإرهاب أن يزدهر هناك.

الانتقام القاتل

في الواقع، يجب أن تكون هذه هي الرسالة التي نرسلها إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط. وينبغي ألا ينصب تركيزنا على بناء البلد، بل على الانتقام القاتل من القادة الذين تساعد بلدانهم الإرهابيين من أجل إيذائنا. نحن لسنا بحاجة إلى قوات متمركزة في جميع أنحاء العالم لتنفيذ هذه السياسة، إذ لدينا القدرة التقنية والتكتيكية للقيام بذلك دون مثل هذا الالتزام.

وينبغي لنا أيضاً أن نقدر حقيقة أن الصين ليست بطبيعتها قوة عسكرية توسعية، وهي ترغب في أن يكون لها مجال نفوذ، لاسيما في بحر الصين الجنوبي. والصين تريد أن تكون لديها قدرة عسكرية هائلة تجعلها قوة عظمى صاعدة. وينبغي أن نعمل معها على مستويات متنوعة، مع الاعتراف بأنها أيضاً منافسنا الأكثر قدرة في العديد من المجالات، لاسيما التجارة، وهذا لا ينبغي أن يؤدي إلى المواجهة.

والصين هي القوة الوحيدة التي يمكن أن تحل قضية كوريا الشمالية بطريقة لا تنطوي على القوة، لذا يتعين توجيه سياساتنا إلى تشجيع بكين على أن تفعل ذلك من أجلها. وينبغي ألا نسمح لانشغالاتنا بشأن الصين، التي تربط علاقاتنا التجارية، بصياغة علاقتنا بطريقة تقلل من فرص حل قضية كوريا الشمالية.

وإذا أخفقت الصين في التحرك إزاء المشكلة الكورية، فإننا سنتجه إلى اليابان طلباً للمساعدة، وهذا من شأنه أن يشجع اليابان على تغيير دستورها - الذي كتبه إلى حد كبير الجنرال دوغلاس مكارثر عندما قاد الاحتلال - والسماح بإعادة التسلح. ويبدو من المحتمل أنه إذا احتاجت الصين إلى الاختيار بين وجود دولة يابانية قوية أو كوريا الشمالية منزوعة السلاح، فإنها ستختار الأخيرة، وتتخذ إجراءات لتحقيق ذلك.

تدهور كارثي

وهناك أيضاً قضية رئيسة تتمثل في كيفية إدارة التدهور الكارثي في الشرق الأوسط الناجم عن انهيار سورية وهيمنة إيران عليها. وإذا كان هناك درس من مشاركتنا في العراق، فإن الاستخدام المكثف للقوات الأميركية على الأرض لا يؤدي بالضرورة إلى تحسين الأمور في المنطقة. لقد تغير اهتمامنا الاستراتيجي هناك بشكل كبير، الآن، حيث إننا ننتج ما يكفي من النفط والغاز محلياً لتلبية احتياجاتنا.

فالصراعات الدينية التي لا نهاية لها بين السنة والشيعة، والإسرائيليين والفلسطينيين، والعديد من المجموعات الفرعية الأخرى، لم تتأثر إلا بشكل هامشي بالمشاركة الأميركية، وينبغي أن نعيد النظر في أهدافنا هناك. إن الحاجة إلى خنق نمو الإرهابيين الذين يهددوننا يجب أن يكون هدفنا الرئيس. إن عمليات الانتقام من قبل دول مثل العراق وسورية وإيران ليست أمراً يتطلب مشاركتنا المباشرة.

والخوف من أن تحل روسيا محلنا كقوة في المنطقة لا يمكن أن يكون الحافز الذي يحدد مسارنا. وعلينا أن نرسل تعازينا إلى موسكو ونكمل طريقنا. ولاتزال الحقيقة أننا لسنا في وضع يسمح لنا بمعالجة أسباب هذه الصراعات أو التأثير فيها تأثيراً كبيراً. لقد تغيرت الأمور، ونحن بحاجة إلى تغيير دورنا في العالم.

نحن بحاجة، أيضاً، إلى الاعتراف بالواقع الجديد للصين التنافسية والشرق الأوسط العنيد، الذي لم يعد حاسماً لإمدادات الطاقة بالنسبة للولايات المتحدة. نحن بحاجة إلى أن نفهم أن هناك حدوداً لقدرتنا على جذب الناس من ثقافات مختلفة جداً، وخوض تجارب حكم لا يقبلون بها. قد يكون ترامب على صواب عندما يعتقد أنه يجب علينا أن نحمل عصا كبيرة لإنفاذ حقوقنا في حماية أنفسنا. وقد يكون أيضاً على حق عندما يقول إنه يجب أن نتوقف عند هذا الحد.

جاد غريغ حاكم نيوهمشاير السابق رئيس لجنة الميزانية في مجلس النواب الأميركي

تويتر