ردة فعل ترامب على الإرهاب تعيد أميركا إلى نفق الخوف

صورة

إذا قاد أحدهم شاحنة في أحد شوارع نيويورك وصدم كثيرين فإنه «شخص مجنون ومختل»، لكن إذا كان يقود السيارة وصدم المشاة في الشارع وهو يهتف فإنه إرهابي متطرف، وخبر دولي و تهديد لأمن الدول، ويدفع الرئيس الأميركي إلى اتخاذ إجراءات متشددة ضد جميع المسلمين الذين يجرؤون على زيارة الولايات المتحدة.

حادثة نيويورك دفعت الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى اتخاذ إجراءات متشددة ضد جميع المسلمين الذين يجرؤون على زيارة الولايات المتحدة.

وعندما سارع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى نشر تغريداته، يوم الثلاثاء الماضي، حول حادث القتل في نيويورك، افترض بدايةً نظرية «الشخص المجنون»، وأسلوبه في التفاعل مع الأخبار يجعله يبالغ في تضخيم الأخبار عندما تتعلق بالمدن الأجنبية، كما حدث في الحوادث الإرهابية الأخيرة في لندن، لكنه يحجم عن ذلك عندما تتعلق الأخبار ببلده. وعندما علم أن الرجل كان يهتف تغير ترامب، واتخذ موقف الرجل صاحب السلطة المدافع عن الأمة.

واتضح أن المجرم شخص آخر من «الذئاب المنفردة»، ووصفه الذين يعرفونه بأنه هادئ ويعمل بجد، وهو سائق تاكسي «أوبر»، ويمر من جميع الحواجز الأمنية، وكانت له زوجة وعائلة. ودخل إلى الولايات المتحدة من أوزباكستان، وهي ليست على قائمة ترامب من «الأماكن الإسلامية الخطرة»، ومع ذلك لايزال ترامب يطالب بتشديد السيطرة على الهجرة جزءاً من «حربه على الإرهاب».

وتتميز الولايات المتحدة بأنها الدولة الأولى، وهي تفتخر بأنها تبعد نفسها عن شبكات الأمان والرعاية الاجتماعية الموجودة في أوروبا، ومثال ذلك موقفها من امتلاك الأسلحة، والبطالة، والرعاية الصحية.

وهذا ما ظهر، الشهر الماضي، من خلال ردة فعل ترامب على المجزرة التي نجم عنها مقتل 58 شخصاً بالرصاص وجرح 500 آخرين، في لاس فيغاس. ولم يكن هناك أي ذكر لإجراءات متطرفة على مالكي الأسلحة، على الرغم من أنهم يشكلون خطراً على الأميركيين يفوق بآلاف المرات ما يشكله الإرهابيون. ولم يكن هناك أي تلميح إلى تغيير قانون الإرهاب، وتعتبر الأسلحة الماركة الأميركية من الإرهاب.

ومع ذلك، وفي ظل هذه القوة المعروفة عن المجتمع الأميركي، يكمن الجبن المرضي نحو العالم الخارجي. وهذه الدولة التي تعتبر الأكثر قوة وأمناً على وجه الأرض، كانت آخر مرة تعرضت أراضيها للتهديد من قبل البريطانيين عام 1815. وتئن ميزانية أميركا تحت عبء «الدفاع عن الوطن» ويسيطر على سياستها «الحرب على الإرهاب». وفي حقيقة الأمر فإنه ليس هناك أي منطقة جغرافية في أميركا مهددة أمنياً، ناهيك عن تهديد وجودها أصلاً.

وهذا يقودنا إلى متلازمة أظهرها ترامب وسلفه من الرؤساء الأميركيين. ومنذ دخول ترامب إلى البيت الأبيض كان يبحث عن أعداء كي يلقي خطباً نارية ضدهم ويجيش الشعب الأميركي ضدهم، ولهذا فإن القيود التي فرضها ترامب على المهاجرين كانت عشوائية وظالمة وغير مناسبة.

وتكون سياسة الخوف بمثابة السم للجسم السياسي. واتضح الشهر الماضي أن بريطانيا ليست بأقل هشاشة من أميركا في هذا المجال، عندما أعلن رئيس الأمن الداخلي (إم آي 5)، أندرو باركر، أن البلاد «معرضة للتهديد أكثر من أي وقت مضى»، وكلي ثقة بأن باركر محق في القلق من مسلحي تنظيم «داعش» الذين يعودون إلى المملكة المتحدة وما يمكن أن يفعلوه فيها، لكن من غير المرجح أن يقوموا بالقتل عن بُعد.

ويعتبر القتلة الانتحاريون، المعروفون بالذئاب المنفردة، الأشد خطراً على الأمن، إذ إنه بغض النظر عن مدى التشديد الأمني المفروض والرقابة، سيظل من المستحيل منع شخص مصمم على الانتحار أن ينفذ مبتغاه. ويمكن أن تتحول إجراءات المنع إلى فوضى سخيفة كما حدث في منطقة ويست اند في لندن، حيث ظهرت الحواجز البشعة والأقماع والبوابات، وهي تشير إلى أنه ليس هناك ما يمكن أن يخفف من مخاوف مدينة ابتليت بالإرهاب الانتحاري، مهما كان محافظ هذه المدينة شجاعاً.

وتظل الحقيقة أن سكان أي مدينة حديثة معرضون لخطر حوادث المرور، وسكاكين رجال العصابات، والتلوث البيئي، والإصابة بالعدوى من المشافي، أكثر من تعرضهم لخطر الإرهاب. وليس هناك مجتمع منفتح يمكن أن يعمل من دون وجود نقاط ضعف معينة فيه.

والإرهاب يستخدم وسيلة لتحقيق هدف، وهوما يعرف بالدعاية القسرية. وهي تحدث خصوصاً في الأماكن التي تجري فيها اضطرابات لأسباب دينية وعرقية في شتى أنحاء العالم. وتحدث عندما يعجز الضعفاء عن اللجوء إلى الجيوش أو المدافع أو الطيران لكسب القوة اللازمة لفرض أفكارهم حول كيفية إدارة المجتمع.

وتبقى القوة الوحيدة التي يمكن استخدامها ضد هذه الآفة الاجتماعية، هي قوة قراءة المستقبل لمعالجة حالة الإرهاب كوسيلة إجرامية لتوضيح وجهات النظر.وفي حقيقة الأمر فإن هذه المخاطر تعتبر سخيفة مقارنة بما كان يواجهه أجدادنا وأسلافهم، وتعتبر حياتنا أكثر أمناً بما لا يقاس، مقارنة بما كانت عليه البشرية من قبل.

كاتب في «الغارديان» سايمون جنكينز

تويتر