طهران استثمرت 30 مليار دولار فيها خلال 7 سنوات وتنوي البقاء

إسرائيل توسّع حربها السرية ضد إيران في سورية

صورة

لقد أصبح من الواضح، أخيراً، أن إسرائيل منخرطة في حرب سرية ضد إيران في سورية. وتجري الحرب بشكل رئيس عن طريق القوة الجوية، ومن المفترض أن تكون مقترنة بالأعمال الاستخباراتية الضرورية لتزويد الطيارين بالأهداف ذات الصلة، وهناك أيضاً أدلة على أن عمليات القتل المحددة هي من بين تكتيكات إسرائيل في سورية. والهدف من هذه الحملة، كما قال بوضوح كبار المسؤولين الإسرائيليين، مثل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب أفيغدور ليبرمان، هو الانسحاب الكامل للقوات الإيرانية ووكلائها من سورية.

بالنظر إلى استراتيجية الحكومة، من غير المحتمل تحقيق هذا الهدف. لكن هدفها الأقل أهمية والمتمثل في تعطيل جهود طهران لترسيخ نفسها في سورية، هو في متناول اليد. ونفذت إسرائيل ضربات دورية ضد النظام السوري وأهداف تابعة لحزب الله طوال الحرب الأهلية في البلاد. ولكن ابتداءً من هذا العام، سُجلت زيادة حادة في وتيرة هذه الهجمات، وبدء الاستهداف المباشر للمرافق الإيرانية والإيرانيين.

ومع بقاء التمرّد، كانت إسرائيل راضية بالمراقبة من على الهامش. وحافظت الحكومة الإسرائيلية على علاقة محدودة مع المتمردين في منطقة القنيطرة، للتأكد من أن الحرب لن تصل إلى الحدود مع مرتفعات الجولان، بينما تدخلت بشكل متقطّع لتعطيل إمدادات الأسلحة إلى حزب الله في لبنان. أبعد من ذلك، كانت إسرائيل مقتنعة بالسماح لنظام الرئيس بشار الأسد وإيران والمتمردين بشكل أساسي بإخضاع بعضهم بعضاً لعملية استنزاف متبادل.

لكن هذا العام، أصبح من الواضح أن التمرد، بفضل التدخل الإيراني والروسي، سوف يُهزم. ولم تعد إسرائيل قادرة على تحمّل ترف التراخي النسبي إذا رغبت في منع توطيد بنية تحتية من السلطة العسكرية والسياسية لقوات الحرس الثوري الإيراني على الأراضي السورية، على غرار قواعده الموجودة في لبنان والعراق. لقد بدأ استهداف إسرائيل المباشر لهذه البنية التحتية الوليدة بعد ذلك بوقت قصير.

وحدة نخبوية

من الصعب تتبّع الخطوط الدقيقة لهذه الحملة، في ضوء تحفّظ إسرائيل على تحمّل المسؤولية عن الهجمات. ومن مصلحة إيران والأسد، في بعض الأحيان، تجنب نشر أخبار الضربات الإسرائيلية. لكن من الواضح أن الاشتباكات الكبرى وقعت حتى الآن في 10 مايو، عندما ردت القوات الإيرانية بـ20 صاروخاً نوع «غراد» وصواريخ «فجر 5» باتجاه المواقع الإسرائيلية في هضبة الجولان، وشنت إسرائيل عملية جوية واسعة النطاق استهدفت البنية التحتية الإيرانية في كل مكان. وشملت هذه العملية 28 طائرة أطلقت 70 صاروخاً، وفقاً لأرقام وزارة الدفاع الروسية. وشملت الأهداف مجموعة متنوعة من المرافق التي يحتفظ بها الحرس الثوري الإيراني في سورية: مجمع عسكري ومجمع لوجستي يديره «فيلق القدس»، وهي وحدة عسكرية نخبوية تابعة للحرس الثوري الإيراني، ومعسكر للجيش الإيراني شمال دمشق، إضافة إلى استهداف مواقع تخزين الأسلحة التابعة لـ«فيلق القدس» في مطار دمشق الدولي، ونظم الاستخبارات والمنشآت المرتبطة به.

لكن نتنياهو أشار، أخيراً، إلى أن الحملة لم تنتهِ بعد، وقال أمام حشد من الجماهير في بلدة ديمونا بجنوب إسرائيل في أواخر أغسطس: «إن الجيش الإسرائيلي سيواصل التصرف بكل عزم وقوة ضد محاولات إيران إقامة قوات وأنظمة أسلحة متقدمة في سورية».

ويبدو أن إسرائيل أرادت أن تعرب عن تصميمها على التصرف بسلسلة من الانفجارات، في نهاية الأسبوع الماضي، في مطار «المزة» العسكري قرب دمشق. ونسب كلٌّ من موقع قناة «الميادين» المؤيد للنظام والمرصد السوري لحقوق الإنسان الموالي للمعارضة، الهجوم إلى إسرائيل، لكن الأخيرة فضلت الصمت حتى الآن. وفي وقت لاحق نفى التلفزيون السوري الرسمي، ووكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، وقوع هجوم إسرائيلي.

شعور بالقلق

هجوم جوي على قافلة إيرانية بالقرب من منطقة التنف، جنوب شرق سورية، في الثالث من سبتمبر، مر دون أي مطالبة رسمية بالمسؤولية؛ وقتل مواطن إيراني وسبعة سوريين في الهجوم، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان. وتحتفظ قوات التحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة الولايات المتحدة، بقاعدة في منطقة التنف، لكن التحالف نفى أي علاقة له بالحادث. وبطبيعة الحال، تقع التنف إلى الشرق من معبر القنيطرة ومرتفعات الجولان. لكن مخاوف إسرائيل ليست مع منطقة الحدود. كما يبدو أن إسرائيل لا تشعر بالقلق إزاء البنية التحتية فحسب، بل أيضاً حيال مرور أفراد الميليشيات المرتبطة بإيران عبر الحدود بين العراق وسورية.

في منتصف يونيو، وقعت غارة جوية، جنوب شرق البوكمال، على الحدود السورية العراقية. وكان الهدف قاعدة لميليشيات حزب الله، وهي قوة غير نظامية تدعمها إيران. وقٌتل 22 من أعضاء الميليشيات في تلك الغارة. ولم تعلن أية دولة مسؤوليتها عن الهجوم. وقال قائد ميليشيا إيرانية لوكالة «رويترز» إن الولايات المتحدة ربما تكون مسؤولة. ومع ذلك، فإن مثل هذا الإجراء سيكون مخالفاً بشكل مباشر للنهج الأميركي الذي يمكن ملاحظته عموماً في ما يتعلق بالميليشيات الشيعية العراقية. وتسعى واشنطن إلى الهزيمة السياسية للميليشيات، لكنها تهتم أيضاً بتجنب الاشتباكات العسكرية بين العناصر السياسية في العراق. وأخيراً، فإن عمليات القتل غير المنسوبة لكل من رئيس مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية في مصياف، عزيز أسبر، وقائد فرع فلسطين في المخابرات العسكرية السورية، أحمد عيسى حبيب، في الخامس والـ18 من أغسطس الماضي، على التوالي، أدى إلى بعض التكهنات حول المسؤولية الإسرائيلية المحتملة.

هدف أقصى

إذاً، ما يحدث هو حملة مستمرة ومتواصلة تهدف إلى تعطيل محاولة إيران لتعزيز وتعميق مشروعها في سورية، فهل ستنجح الحملة الإسرائيلية؟

من الصعب رؤية كيف يمكن أن تحقق الحملة هدفها الأقصى المتمثل في الانسحاب الإيراني الكامل من سورية، فالاستثمار الإيراني هناك كبير جداً ومقرر بشكل رسمي وطويل الأمد. لقد أنفقت طهران ما يزيد على 30 مليار دولار في سورية على مدى السنوات السبع الماضية. والمشروع الإيراني متعدد الأوجه، ويشمل إنشاء هياكل داخل قوات الأمن الرسمية السورية، مثل قوات الدفاع الوطني، ونشر الميليشيات. ومن المستبعد أن تؤدي الهجمات الجوية وعمليات القتل المستهدفة إلى اتخاذ قرار استراتيجي من جانب إيران لعكس مسارها، والتخلي عن كل هذه الاستثمارات. ربما يكون من الملائم أكثر النظر إلى الحملة الإسرائيلية على أنها أحد عناصر جهد أوسع نطاقاً متعدد الأطراف لاحتواء المكاسب التي حققتها إيران، في السنوات الأخيرة، في جميع أنحاء المنطقة. وتشمل العقوبات الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة، وجهود دول إقليمية أخرى، جبهات إضافية ضمن هذه الحملة.

وبالنظر إلى عمق ونطاق الاستثمارات الإيرانية في سورية، والإجراءات الإسرائيلية المتقطعة نسبياً، يبدو من المرجح أن تكون هناك منافسة مفتوحة وطويلة الأمد. ولا تشبه الحملة الإسرائيلية شيئاً مثل توجه تل أبيب نحو المناطق المضطربة الأخرى على حدودها، مثل جنوب لبنان الخاضع لسيطرة «حزب الله»، وقطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة «حماس». وهذه هي الطريقة المألوفة «قص العشب»، على الرغم من تنفيذها على مساحة أكبر من الأراضي، واستخدام مجموعة أوسع وأكثر تعقيداً من المعدات لهذا الغرض.

جوناثان سباير: زميل وباحث في معهد القدس للدراسات الاستراتيجية ومؤلف كتاب «النار المُحوِلة»

- نتنياهو: «الجيش الإسرائيلي سيواصل التصرف بكل عزم وقوة ضد محاولات إيران إقامة قوات وأنظمة أسلحة متقدّمة في سورية».

تويتر