5 دقائق

بوعراب وهستيريا الجوكر 2

عبدالله القمزي

إليكم بعضاً من تغريدات «تويتر»، التي تناولت فيلم الجوكر، والتي تعكس سطحية وجهلاً مخيفين:

«تركيب الشخصيات بشكل معقد، وفي نفس الوقت تخلق سطحية وسذاجة».

هل فهمتم شيئاً من الجملة؟ تشبه هذيان متعاطي مخدرات.

«المفروض أن يكون جوكر من إخراج دي سي لأنهم أدرى به».

هذا يظن أن دي سي، وهي الشركة التي تنتج القصص المصورة الخاصة بباتمان وأفلامها، آدمياً!

وثالث يتحدث عن «عمق مرعب وأن القصة مرتبطة بأي موضوع اجتماعي ونفسي عقلي».

هل فهمتم شيئاً؟

ورابع يتكلم عن «العقلنة القوية للتحول الإجرامي».

ما الفرق بين هذه العبارة و«كيميائية الفيزياء» مثلاً؟ هل فهمتم أياً من العبارتين؟ الأخيرة من تأليفي على الأقل!

ولدينا العبارات الكلاسيكية: «السيناريو مدرسة»، و«سيناريو قوي».

الحقيقة: حتماً ليس بمدرسة لأنه استعار من مدارس، وليس قوياً لأنه لا يضيف جديداً.

مغرد يقول إنه «لا يشعر برغبة في مشاهدة أفلام عادية بعد جوكر».

والحقيقة أن جوكر فيلم عادي جداً، لو نظرنا إليه خارج سياق أفلام القصص المصورة.

مغرد يبدي استغرابه «أن مخرج جوكر صنع أفلاماً كوميدية».

حقيقة: كل صناع الأفلام في العالم متأثرون بطريقة أو بأخرى بالأسطورة ألفريد هيتشكوك.

إضافة إلى ما ذكرته، الأسبوع الماضي، فإن إعلان شركة وورنر إخلاء مسؤوليتها عن تصرفات جوكر في الفيلم، والنأي بنفسها عن عنف الفيلم، ساعدا بشكل كبير في ترويجه، فضلاً عن ما ذكر عن حالة الترقب الأمني المصاحبة لعرضه، وكلها مبالغات وظفت لترويجه.

من حق الجميع إبداء آرائهم في أي فيلم والرأي ليس نقداً، فالأول لا يحمل وزناً ولا معلومة مفيدة، أما الثاني فيتم وفق علم ودراية كاملة وإلمام شامل.

المشكلة عندما يتحدث أصحاب الآراء بلغة النقاد في تقمص غير مبرر لشخصية الناقد، وهنا يتم تشويه كل شيء، ويتحول إلى الهراء في التغريدات أعلاه.

أحدث فيلم «جوكر» انقساماً، وأثار الجدل وهذا لا يعنينا، لكنه تسبب في انبهار شريحة واسعة جداً من الجمهور غير الخبير الموجود بكثرة على «تويتر». جاء الفيلم برؤية جديدة غير معهودة في سياق أفلام القصص المصورة (كوميكس)، لكنها ليست جديدة بالنسبة لأفلام سلوك الشخصية أو أفلام الجريمة. بكلمات أخرى: جوكر لا يقدم أكثر من مجرد أداء.

شاهد عشاق القصص المصورة الفيلم، ولأن نطاق خبرتهم ضيق وغير ملمين بأفلام الجريمة، ظنوا أنهم شاهدوا شيئاً جديداً لم يحدث من قبل. فنسبة الـ5% هذه من الجمهور جرت خلفها الـ95% المتبقية من رواد السينما، وهنا بالضبط ما قصدناه بعقلية القطيع. ما ساعد هذه الآراء في الانتشار، هو وجود «تويتر» بضغطة إبهام.

لدينا فراغ فكري وضحالة ثقافية وجهل بالتاريخ السينمائي لدى الجماهير، ولدينا أزمة نقد عربي، لأن الناقد غائب عن الساحة، وتركها لأشخاص غير مؤهلين لأسباب كثيرة معقدة، لا يتسع لها هذا المقال.

بالعربي: يكتب المغردون آراء لإثبات حضورهم على المنصة، ولزيادة عدد المتابعين، وكل ما قيل عن الفيلم في التغريدات لا تصل نسبة صحته إلى 1%. جالست أميركيين وإنجليزيين وفرنسيين، وغيرهم ممن يكتبون في السينما، وجالست بوعراب لكني لم أجد أجهل منهم. باختصار: بوعراب لم يشاهدوا أفلاماً في حياتهم، فانبهروا بالجوكر!

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .


لدينا فراغ فكري وضحالة ثقافية وجهل بالتاريخ السينمائي لدى الجماهير، ولدينا أزمة نقد عربي.

 

تويتر