5 دقائق

التظاهر الاجتماعي والمجتمع الفاضل!

عبدالله القمزي

هذه المواقف حدثت أمامي وتحدث كل يوم:

موقف 1: فتيات أو شبان يجلسون في مطعم، وبمجرد وصول الطعام يعلنون حالة استنفار من أجل عملية تصوير أطباق الطعام.

موقف 2: فتاة تصور كعكة مع فنجان قهوتها، وتطلب من زميلتها الجالسة بجانبها إعطاءها نقرة إعجاب «Like».

موقف 3: شاب يصور نفسه مع أصدقائه، ويتحدثون إلى أصدقائهم في مكان آخر، ثم يصلهم فيديو من الجهة الأخرى فيحتج أحدهم لا تعطوه «لايك» مع ضحكة ساخرة.

موقف 4: فتاة تقول لصديقتها لا تعطي فلانة «لايك» حتى لا تفضحينا! يعني أن الفتاتين كانتا تتجسسان على حساب تلك الفلانة، رغم أن كلمة تجسس ليست دقيقة مادام الحساب مفتوحاً.

موقف 5: لقطات سيلفي حتى في السيارة سببها نرجسية زائدة.

ما يحدث في مجتمعنا هو ذاته يحدث في العالم، أي أننا ننقل سلوكيات الآخرين التافهة ونتبناها بكل حماس وسرور. كل حسابات التظاهر الاجتماعي (نستثني منها بعض الحسابات التي توثق لحظات مهمة بالفعل، وتسهم في بناء علاقات عمل بصورة احترافية، وتلك التي توثق لحظات عائلية، وتلك المتخصصة في عرض صور فوتوغرافية ملتقطة باحترافية شديدة)، عبارة عن استعراض. صور أطباق طعام وكعك ومفتاح سيارة فخمة وتذاكر طيران أو صورة مواليد من دون إظهار رؤوسهم!

معادلة التظاهر أو الاستعراض الاجتماعي تقسم إلى عنصرين: الصورة أو المنتج ونقرة الإعجاب، والاثنان يكملان بعضهما بعضاً. معظم أصحاب تلك الحسابات التافهة نجدهم حريصين جداً على إظهار ما يستعرضون به فقط، سواء كان طعامهم أو أغراضهم أو أنفسهم. دائماً هم سعداء جداً، دائماً فخورون وحالمون ومتأملون وواعظون ومتحلون بكل الصفات المثالية، وهم بالتأكيد ليسوا كذلك.

هذا يعكس أنهم رسموا لأنفسهم صورة مجتمع فاضل على تلك الوسائل، ما يشير إلى حقيقة أنهم يفعلون ذلك لتغطية النقص الذي يعانونه ومدى تفاهة حياتهم الواقعية والكثير من العيوب الأخرى. هؤلاء ينصبّ كل اهتمامهم على زيادة عدد المتابعين، بل يصبح هوساً، وزيادة نقرات الإعجاب التي تعطيهم الثقة بالنفس التي يحتاجون إليها والتي تشرعن لهم أفعالهم!

إقبال المتابعين على مشاهدة التفاهات يوهم هؤلاء بالاستمرار، بينما نقص المتابعين يشير إلى خلل ما، حسب مفهومهم، فيحاولون تدارك الأمر لاستعادة المتابعين المفقودين، أو التعويض بالحصول على جدد، أو حتى اللجوء لحيل مثل شراء متابعين، بينما في عالمنا الواقعي يكون تناقص متابعي التفاهات علامة إيجابية للوعي الذاتي للفرد. أصبحت لحظة التظاهر الاجتماعي عند هؤلاء المتظاهرين أجمل بكثير وأشد متعة من الواقع، وأصبح القناع وتجميل الذات والتزييف أهم من الحقيقة، وبالتالي أصبح هؤلاء يعيشون كذبة يومياً، وانفصلوا عن الواقع وفقدوا الإحساس بجمالية الحياة.

مسك الختام: قبل ظهور وسائل التظاهر الاجتماعي لم نكن نشاهد أفراداً تافهين أو نرجسيين في مجتمعنا، لا ننكر وجودهم لكن لا نراهم لعدم بروزهم. اليوم التقنية جعلت الأمر ممكناً بإعطائهم منبراً للوجود، ما أعطاهم أهمية هم أنفسهم يعلمون أنها غير مستحقة. اليوم ولى زمن كانت الناس تتهافت فيه لكسب الثواب وفعل الخيرات لمصلحة التنافس على فعل ما تافه لزيادة المتابعين.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر