٥ دقائق

الاستطاعة في الحج 

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

من لطف الله تعالى بعباده أن تكاليفه التعبدية مقيدة بالوسع والطاقة، ممتزجة بها كامتزاج الماء بالعود الأخضر، فلا تنفك عن اليسر في الأداء، مع بقاء كمال أجرها، وهذه هي السماحة التي هي منهج هذه الشريعة الغراء في جميع تشريعاتها. 

والحج، وهو خامس أركان الإسلام، قائم على هذا الأساس الواسع، فإن مقتضى كونه ركناً لا يُعفى منه أحد من المسلمين، لأن الركن هو ما لا يتم الواجب إلا به، إلا أن الركنية فيه تحصل بالإيمان، أما الأداء فشرطه الاستطاعة، ولولا ذلك لكانت الأمة الإسلامية في حرج عظيم، حيث سيكون جُل الأمة آثماً لعدم إمكانية الأداء، فوسَّع الله تعالى على عباده فجعله في العمر مرة، مشروطاً بالاستطاعة، والشرط هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، أي إذا عُدم الشرط، وهو الاستطاعة، انعدم الوجوب، ووجود الاستطاعة لا يلزم منه الوجوب، فقد يكون غير مكلف لصغر أو جنون. 

والاستطاعة المشروطة لوجوب الحج تعني أموراً كثيرة: 

أولها: الاستطاعة البدنية، بحيث يكون قادراً على الذهاب إلى مكة، وعلى أداء المناسك من غير احتياج لغيره، فإن كان لا يقدر إلا بوجود قائد أو محمل فهو غير مستطيع حتى يجد قائداً أو محملاً مناسباً، ولا يلزمه قبول المتبرع، بل أن يكون قادراً بنفسه على أجرته ونفقته، حتى لا يتحمل مِنَّته، إلا أن يكون الباذل ولداً.

وثانيها: أن يكون واجداً للنفقة التي تبلّغه ذهاباً وإياباً، مع بقاء نفقة أهله ومن تلزمه نفقته حتى يعود، ويشمل ذلك أجرة الحملة كاملة، والنفقة الخاصة التي يحتاجها لغذائه ودوائه ولباسه ونحو ذلك، وشرطها أن تكون من حُر ماله غير مستدين لها، ولا يلزمه قبول الصدقة، دفعاً لتحمل المِنَّة إن كان يتوقع حصولها، فإن لم توجد، كحملات الشيوخ، وبعض المحسنين، الذين يريدون التقرب بها إلى الله تعالى، والإحسان إلى عباده، فالظاهر لزوم قبولها إن عرضت عليه، إن أبقى نفقة أهله، وسلم من دين حالٍّ، لعدم توقع المِنَّة في هذا العطاء.

ثالثها: الحصول على التصاريح اللازمة نظاماً التي لا يُمكَّن من أداء النسك إلا بها، ويشمل ذلك وثائق السفر الرسمية، وتصريح الحملة، والتطعيم اللازم، ولا يعفيه من ذلك قدرته على التهرب أو التحايل على النظام، فإن هذه مخالفة لولاة الأمر الذين وضعوا لوائح وقوانين منظمة لمصلحة الحجاج، فالتحايل على ذلك فيه مخالفة لواجب الطاعة، وتعريض النفس لخطر المعاقبة، وكل ذلك محظور شرعاً، يكون المرء آثماً غير مبرور الحج، وإن صح أداؤه شرعاً. 

رابعها: أمن الطريق، فإن كان الطريق مخوفاً، لتوقع المكروه من فتنة أو عدو أو نحو ذلك، فليس بمستطيع، لأن المرء منهيٌّ أن يلحق بنفسه الضرر، أياً كان نوعه وقدره، فإن كان آمناً ابتداءً وحصل المكروه منعاً أو حبساً أو مرضاً، فإن له أن يتحلل تحلل المُحصر، بذبح شاة حيث أحصر، ويعود إلى بلده سالماً، فإن كان قد شرط التحلل عند إحرامه بحصول حابس يحبسه، تحلل من غير شيء، وهذا الشرط سنة يغفل عنها كثير من الناس، فيقعون في حرج وجوب الهدي إن أُحصِروا.  

خامسها: إمكان السير، بأن يكون الوقت كافياً لوصوله قبل يوم عرفة، أو في يومه إن أمكنه الوصول إلى عرفة قبل طلوع فجر يوم العيد، فإن لم تحصل له الاستطاعة إلا بعد إغلاق المنافذ في الوقت المحدد نظاماً فليس بمستطيع، وعليه الحج من القابل إن بقيت الاستطاعة.

فهذه هي الاستطاعة التي علّق عليها المولى وجوب الحج، فعلى كل مريد للحج أن يعرضها على نفسها، فإن وجدها متحققة بادر، وإلا فهو في عفو الله وعافيته حتى يستطيع.

* «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر