أنقذت 30 ألف كتاب من التلف والضياع

رحيل عالية محمد يجدّد حكاية امرأة عراقية ملهمة

صورة

عن 70 عاماً رحلت، أخيراً، العراقية عالية محمد باقر، الأمينة السابقة للمكتبة المركزية بالبصرة، متأثرة بمضاعفات إصابتها بفيروس «كورونا»، لتعيد إلى الأذهان مجدداً حكاية المرأة البطلة التي استطاعت بذكائها وشجاعتها، إنقاذ ما يقارب 30 ألف عنوان تنوّع بين الكتب القيمة والمخطوطات النادرة، التي خلصتها من التلف والدمار اللذين أوشكا أن يلحقا بها خلال فترة الحرب الدامية على العراق.

من بين الكنوز المعرفية النادرة التي انتشلتها الراحلة مخطوط كتاب نادر عن سيرة النبي الكريم، يعود تاريخه إلى قرون طويلة، في الوقت الذي شكّلت قصة رباطة جأشها الاستثنائية، مصدر وحي وإلهام لكثيرين من المهتمين بالتراث الإنساني العالمي.

مخبأ آمن

في عام 2003، وبالتزامن مع اجتياح منطقة البصرة، خشيت عالية من تلف محتويات المكتبة من كتب ومجلدات ومخطوطات نادرة، فطلبت من محافظ البصرة السماح لها بنقل محتويات المكتبة إلى مكان أكثر أماناً، إلا أنها قوبلت آنذاك برفضه غير المبرر، ما دفعها إلى التعويل على نفسها واتخاذ قرار البدء بعملية نقل الكتب ليلاً، بمساعدة مجموعة من أهل الحي، إلى مطعم مجاور، لتنجح بعد 10 أيام فقط من العمل، في نقل 70% من محتويات المكتبة الثمينة، التي سرعان ما تعرضت بعد أسبوع واحد من قيام عالية بنقل كنوزها، إلى حريق غامض أدى إلى تلف ودمار آلاف المراجع، وإلى إصابتها بأزمة قلبية كادت تودي بحياتها.

لكن عالية لم تتخل عن غاياتها وعادت مباشرة بعد أزمتها، لنقل الكتب من المطعم المجاور إلى منزلها، الذي اعتبرته المخبأ الأكثر أماناً على كنوز العراق المعرفية، مؤثرة الاحتفاظ بها في غرف نوم وصالة استقبال البيت العائلي حتى حلول أكتوبر 2003، وقتها، قررت عالية إعادتها ثانية إلى مبنى المكتبة الجديد، الذي أعيد بناؤه بالكامل بمساعدات قدمتها عدد من المنظمات الثقافية العالمية، التي سمعت عن قصتها، من خلال ما نشرته مراسلة صحيفة «نيويورك تايمز» عن شجاعة هذه المرأة النادرة.

للطفل

مباشرة بعيد إعادتها إلى العمل أمينة للمكتبة المركزية في البصرة، نجحت الراحلة عالية بجهودها الشخصية في تأسيس مكتبة الطفل، كما قطعت شوطاً كبيراً في حفظ المخطوطات، إذ خصصت جناحاً منفرداً للكتب والمؤلفات التي حملت لمسات أدباء البصرة وعلمائها، في الوقت الذي كانت تنوي وقتها تأسيس مكتبة شاملة لتراث البصرة وتاريخها الأدبي والحضري، إلا أن أزمة «كورونا» قلبت موازين حياتها، إذ حالت إصابتها بالفيروس دون تحقيقها لهذا الهدف الإنساني النبيل ورحيلها في 13 أغسطس الجاري، تاركة وراءها إرثاً عظيماً بوأها مرتبة الأيقونة الملهمة للنساء في المنطقة وحول العالم.

أمينة مكتبة البصرة

في الوقت الذي أثار نبأ مبادرة عالية محمد للحفاظ على كنوز بلدها، اهتمام مؤلفي كتب الأطفال الذين لمسوا فيها قصة بطولة غير مسبوقة، إذ ألّف مارك ألان ستاماتي، كتاباً بعنوان «مهمة عالية: إنقاذ كتب العراق» في ديسمبر 2004، كما نشرت الكاتبة جانيت ونتر في يناير 2005، كتاباً بعنوان «أمينة مكتبة البصرة: قصة حقيقية من البصرة»، الذي نال شهرة عالمية واسعة بعد أن ترجم إلى لغات عدة عن قصة حقيقية تتناول مسيرة كفاح أمينة مكتبة البصرة، لإنقاذ أمهات الكتب.

• نقلت الراحلة 70% من محتويات المكتبة، قبل أن تتعرض لحريق، خلال اجتياح البصرة في 2003.

تويتر