يصحح مسار السلسلة ويصالح الجمهور

الثنائي الكلاسيكي شوارتزينيغر - هاميلتون يشعل «ترمينيتور»

صورة

شهدنا في عقد الإفلاس السينمائي هذا، في هوليوود، إعادات وأجزاء تالية لأفلام، وإعادة إطلاق سلاسل أفلام عديدة، لكننا لم نشهد سلسلة تصحح مسارها، وتقدم فيلماً محدثاً وبشكل يبدو اعتذارياً لجماهيرها.

لا يمكن الحديث عن Terminator: Dark Fate، الفيلم السادس في سلسلة ترمينيتور، دون ذكر بداية انطلاق السلسلة. عام 1984، وقبل إصدار الجزء الثاني بسبعة أعوام، الذي أطلق سلسلة ترمينيتور بشكل رسمي، وتحول إلى تحفة أكشن /‏ خيال علمي كلاسيكية، من المهم أن نذكر أن الفيلم الأول لم يكن سوى مشروع درجة ثانية تدور أحداثه بعد نهاية العالم، ويتناول صراعاً بين البشر والآلات.

أخذ الفيلم عنوانه من شخصيته الرئيسة والشريرة /‏ الطيبة، وعلينا الاعتراف بأن جزءاً من براعة الفيلم كان تحويل بطل كمال الأجسام السابق، النمساوي آرنولد شوارتزينيغر، من رجل بلا تعابير إلى ممثل، وكانت تلك الحقيقة من أجمل نكات الثمانينات.

فيلم «ترمينيتور: دارك فيت» صُنع بغرض الإبهار، وهو يعود إلى أجواء الفيلمين الأول والثاني، ويوظف بعضاً من العناصر التي جعلت تحفة جيمس كاميرون كلاسيكية لا تنسى. يلغي دارك فيت الأفلام الثلاثة الماضية، ويعلن نفسه الجزء ثالث في السلسلة وتالياً لـ«ترمينيتور: يوم الحساب» 1991.

أخرج الفيلم تيم ميلر (مخرج ديدبول) ويشهد عودة جيمس كاميرون، مؤلف السلسلة، في مقعد المنتج للمرة الأولى منذ عام 1991. وكأن الفيلم يقول لجماهيره: «نعترف بأننا أخطأنا في الأفلام الثلاثة الماضية، التي كانت أفلام أكشن جافة غير مقنعة، نرجو منكم نسيانها، وهذا الفيلم هو الجزء الثالث الذي طال انتظاره».

العام 2020 داني (ناتالي ريز) فتاة تعمل مع شقيقها بمصنع في المكسيك، وبحاجة إلى حماية، كما كانت سارة كونور (ليندا هامليتون) في الفيلم الأول، لأنها ستلد افتراضاً قائد المقاومة البشرية ضد الآلات في المستقبل.

الشخصية الجديدة غريس (ماكينزي ديفيس) المرسلة من المستقبل عام 2042 لحماية داني، كما كان كايل ريز في الفيلم الأول، عندما جاء لحماية سارة. لكن الفرق أن غريس ليست ترمينيتور، بل آدمية محسنة بآلات زرعت في داخلها وحولتها إلى مخلوق مقاتل.

ولدينا شرير الفيلم ترمينيتور (غابرييل لونا)، وهو مثل الدور الأيقوني الذي أداه شوارتزينيغر في الفيلم الأول والمرعب روبرت باتريك في الفيلم الثاني. يؤدي لونا الدور بابتسامة خفية كأن ترمينيتور مستمتع بطبيعة مهمته التدميرية. ترمينيتور الشرير هنا ليس مجرد استنساخ من الفيلم الثاني، لكنه تحديث جديد، فلديه القدرة على تغيير شكله كما يريد. وكلما تقطّع فإنه يتعافى تلقائياً بشكل مختلف عما شاهدنا في الأفلام السابقة، بالإضافة إلى قدرته الجديدة على فصل نفسه من الجسم البشري، الذي يتخفى به كلما علق ذلك الجسم في مأزق.

«ترمينيتور: دارك فيت» فيلم مسيس قلباً وقالباً، ويحدّث فكرة الفيلم بشكل يتناسب مع أفكار اليوم، وبالتماشي مع موجات التصحيح السياسي التي قلبت هوليوود رأساً على عقب. الفيلم عن نظام ذكاء اصطناعي يتحول إلى قوة فاشية تهدف إلى تدمير الحضارة البشرية التي صنعته. في الوقت نفسه يحوي مشهداً على الحدود الأميركية - المكسيكية عن ضابط يعتقل سارة كونور (هاميلتون)، رغم كونها أميركية بيضاء، ويقول لها: «سأضعك في قفص»، وهذه إشارة واضحة إلى السياسة الانغلاقية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب.

حسب الفيلم فإن «سكاينيت»، الكمبيوتر المجرم، هُزم في المستقبل، لكن شخصيات الفيلم تواجه خطراً جديداً يتمثل في «ليجن»، وهو نظام ذكاء اصطناعي شرير حلّ محل السابق، يعني الشيء نفسه!

أما النسخة الجديدة فتحولت إلى نسوية بالكامل، إذ لدينا ثلاثي نسائي: غريس تتعاون مع سارة كونور، بطلة أول فيلمين، لحماية فتاة مكسيكية، وينضم إليهما لاحقا كارل أو ترمينيتور «تي 800» السابق (شوارتزينيغر).

تقود ديفيس المعركة في الربع الأول من الفيلم ضد المرعب لونا. تؤدي ديفيس الدور الذي أدته هاميلتون في الفيلم الثاني، وتلبس مثل ملابسها. بدخول الربع الثاني تظهر هاميلتون وتخطف الأضواء من ديفيس بسبب دورها الكلاسيكي وخبرتها فيه تحديداً.

دور هاميلتون محدّث بشكل جيد في سياق عالم ترمينيتور، إذ نراها خارجة عن القانون وتطارد «تي 800»، الذي قتل ابنها في بداية الفيلم عام 1998. أشعل دخول هاميلتون في مشهد استعراضي جميل شرارة الفيلم، وأثبت أن عناصر الفيلم الكلاسيكية فقط هي محرك الفيلم وليست الجديدة.

لكن العربة لا تسير بلا خيول، والسيارة لا تتحرك بلا عجلات، وترمينيتور يعرج رغم وجود ثلاثي نسائي ضد المرعب لونا، ويبعث على النوم إلى حد ما. لكن عندما يظهر وجه الأيقونة شوارتزينيغر على الشاشة يشتعل الفيلم بشكل كامل، ويصبح أجمل وأجمل بتفجر مشاهد الأكشن التي يقودها الثنائي الكلاسيكي شوارتزينيغر/‏هاميلتون، في إشارة واضحة وتحية إجلال إلى السلسلة التي أطلقت نجوميتهما.

رغم محاولة ميلر أن يوازن بين الثلاثي وشوارتزينيغر إلا أن ديفيس تضيع تماماً بين خبرة هاميلتون ونجومية العملاق الحاكم رقم 38 لكاليفورنيا، وبطل العضلات العجوز ذي اللهجة الألمانية الظريفة. يخطف الثنائي الكلاسيكي الأضواء بشكل كامل بعد الدقيقة 80 إلى آخر الفيلم، ويقود ميلر مشاهد أكشن جميلة من خلف الكواليس، اختتمها بالمعركة النهائية ضد لونا.

يعرف المشاهد من سينتصر، لكن نقول لعشاق السلسلة إن عبارة الفيلم الشهيرة I’ll be back «سوف أعود»، التي يقولها شوارتزينيغر، ستقال بشكل آخر. هاميلتون الحزينة على مقتل ابنها في الفيلم وشوارتزينيغر تيرمنيتور السابق النادم على أفعال الماضي، والتائه في حضارة البشر بعد هزيمة سكاينيت، هما بمثابة البركان العاطفي للفيلم ومحركاه. قد يتساءل البعض: ما الذي يميز ترمينيتور عن أفلام مارفل وذا ترانزفورمرز، وكلها عن روبوتات أو آلات حديدية تتقاتل ضد الشخصيات؟ ولماذا همشت مارفل شريحة لا يستهان بها من الجمهور أصبحت لا تجد ما تشاهده، بينما هذه الشريحة لا تمانع مشاهدة وحوش ترمينيتور؟ السبب الأول صعود أفلام القصص المصورة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ السينما، وهي التي لم تكن موجودة منذ 28 عاماً. واليوم تحتل هذه الأفلام تسعة إلى 10 شواغر سنوياً في صالات السينما. السبب الثاني أن السوبرهيرو لا يصنع كلاسيكيات إلا في ما ندر. أما ترمينيتور فينتج مرة إلى مرتين في كل عقد، و ظهر منه فيلمان (الأول والثاني) موجودان على قوائم كلاسيكيات السينما.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


يلغي دارك فيت الأفلام الثلاثة الماضية، ويعلن نفسه الجزء الثالث في السلسلة وتالياً لـ«ترمينيتور: يوم الحساب».

عندما يظهر وجه الأيقونة «شوارتزينيغر» على الشاشة، يشتعل الفيلم بشكل كامل ويصبح أجمل.

كأن الفيلم يقول لجماهيره: «نعترف بأننا أخطأنا في الأفلام الثلاثة الماضية، التي كانت أفلام أكشن جافة غير مقنعة، نرجو منكم نسيانها، وهذا الفيلم هو الجزء الثالث الذي طال انتظاره».

تويتر