ظاهرة أفرزها الازدهار الاقتصادي وسياسة الطفل الواحد

200 مليون أعزب في الصــين يبحثون عن شريكة الحــياة

صورة

في يومهم الأول من الدورة التدريبية، تدفّق الرجال في اتجاهات مختلفة، داخل مركز تسوّق راقٍ، وهم يرتدون قمصاناً أنيقة، في محاولة لإقناع الفتيات بأنهم الأزواج المناسبون. هكذا أصبح الحال بالنسبة للكثير من الشباب الصيني الذي احتار في أمر الزواج وبات ضحية اليأس والإحباط، ويجد الملايين من الشباب صعوبة بالغة في العثور على زوجة.

أحد الرجال، يدعى ليو يو تشيانغ، يعمل في محل «سوبرماركت» تجوّل في الممرات البراقة، في مركز تسوّق وسط زيانوغ، وهو يرتدي نظارات وسترة وملابس ناعمة، بهدف إخفاء حقيقة أنه يأتي من قرية صغيرة تضم 80 عائلة فقط، لأن القادمين من المناطق الريفية لا يجدون قبولاً لدى نساء المناطق الحضرية الجذابة في الصين، وهذا ما يعرفه ليو جيداً، بالإضافة إلى أنه يبلغ من العمر 27 عاماً، وهذا لا يؤهله لأن يكون زوجاً مثالياً، هناك.

يمشي ليو بخجل وينظر إلى النساء الشابات وهن يحملن حقائب التسوق. إنه يحاول أن يجد زوجة تناسبه وتقبل بوضعه. لقد انضم الشاب إلى الدورة التدريبية التي تشرف عليها أكاديمية متخصصة لهذا الغرض.

أصبحت الصين موطناً لنحو 200 مليون أعزب، وكنتيجة لسياسة الطفل الواحد التي وضعتها الحكومة، وتفضيل الأولاد، فقد تطوّر الأمر إلى خلل في التوازن بين الجنسين. وبات لكل 114 رجلاً في الصين، 100 امرأة. وبوجه عام، هناك نحو 30 مليون رجل أكثر من النساء. ولا يريد أي صيني أن ينتهي به المطاف من دون أطفال. وأولئك الذين يبقون من دون زواج يواجهون موتاً اجتماعياً سريعاً.

خبراء الحب

لقد أصبح الحب مسألة معقدة في الصين، فالازدهار الاقتصادي للبلاد ينفر الناس عن بعضهم بعضاً، ويأخذهم بعيداً عن قُراهم ومُدنهم الصغيرة. وعلى مدى قرون، ارتبط الصينيون بشركاء لهم الخلفية الاجتماعية والاقتصادية نفسها، لكن الطفرة غيرت مفهوم «حياة الحب» بشكل كبير، والبلاد تتطور بشكل أسرع مما يستطيع الكثير من الناس التعامل معه. وأصبح الجمع بين حرية الاختيار والضغط الاجتماعي عبثياً بالنسبة للكثيرين. الآلاف من المدربين المتخصصين وسماسرة الزواج و«معلّمي الحب» يعملون الآن على تحقيق السعادة لشريحة واسعة من الشباب الصيني.

تعتبر «بايهي» أكبر منصة عبر الإنترنت للأشخاص الذين يبحثون عن شخص ما للزواج، ولديها أكثر من 300 مليون عضو و3000 موظف افتراضي. ويقدم «خبراء الحب» باقات من الزهور إلى المحبوب، ويتقربون منه، ويتحركون مثل المحققين ضد الأشخاص المشتبه في غشهم. ويستعرضون الوضع المالي للمرشحين للزواج، ويرتّبون قروضاً للرجال الذين لا يستطيعون تحمّل نفقات المنزل. وحققت شركات الزواج في الصين عائدات بمئات الملايين من الدولارات سنوياً. إذاً، لماذا يواجه الملايين من الشباب صعوبة في العثور على شريكة؟

نجح أحد المشاركين في الدورة التدريبية، من أصل ثمانية، في كسب ود إحدى الفتيات في مركز التسوق، لكن الآخرين عادوا إلى منازلهم بخيبة أمل. ويسعى ليو ليصبح أباً في أقرب وقت، فوالداه يضغطان عليه في كل مرة يزورانه، وفي ذلك يقول: «لقد عملوا بجد، والآن يجب أن أجعلهما سعيدين، وسيكون من العار ألا نحترم رغباتهما». وفي النهاية، ليو هو طفلهم الوحيد.

سياسة مصيرية

تم تحديد مصير ليو في عام 1979، قبل وقت طويل من ولادته. ففي ذلك الوقت، بدأ الحزب الشيوعي الصيني سياسة الطفل الواحد، وهي تجربة استمرت 35 سنة. حتى الستينات، كان الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ يشجع مواطنيه على إنجاب أكبر عدد ممكن من الأطفال. ولكن خلفه دنغ شياو بينغ أعلن أن صعود الصين قد ينجح فقط بعدد أقل من الولادات. وتعرضت النساء لعمليات التعقيم القسري وأُجهضت أجنة الإناث. وكانت نتيجة الاستراتيجية الصينية الخاطئة هي عدد أكثر من الذكور وخلل في التركيبة السكانية، تسبب في مشكلة اجتماعية وعاطفية.

بالنسبة للعديد من الرجال، فإن التفوق «الذكوري» لا يكفي وحده. ويقول ليو: «إذا كنت رجلاً، فإنك بالتأكيد لا تريد أن تكون من جيانغشي»، مشيراً إلى حقيقة أنه يأتي من هذه المنطقة الفقيرة نسبياً، في الجنوب الشرقي، وذلك يقلل إلى حد كبير احتمالات العثور على شريكة الحياة، لأن أصل الزوج مهم للغاية بالنسبة للنساء الصينيات المثقفات، اللاتي يقدّرن المكانة والوضع الاجتماعي، بما في ذلك امتلاك شقة وسيارة. الصين بلد في صعود، ولا أحد يريد أن ينظر إليه على أنه تراجع إلى الوراء.

عقبات

وهذا يجعل الحياة صعبة، خصوصاً بالنسبة لملايين العمال المهاجرين غير المتزوجين. ويقول ليو: «يفصل بين العمال المهاجرين والحب ثلاثة جبال شاهقة: نقص المال والوقت والعلاقات».

هاجر والدا ليو أيضاً في جميع أنحاء البلاد، ومثل العديد من الأطفال الآخرين، نشأ مع جدته. عندما جاء جده إلى البيت، كانت جدته تضع طبق الأرز على المائدة، لكنها لم تظهر أبداً مودة حسية لزوجها. وفي ذلك، يقول ليو: «الناس الذين نجوا من المجاعة الكبرى في الصين ليس لديهم الكثير من الوقت للرومانسية»، مضيفاً أنه لم يكن لديه أي نموذج يحتذى به عندما يتعلق الأمر بالعلاقة مع الجنس الآخر.

لم يشجع المعلمون والآباء على المغازلة في سن المراهقة، فهم لا يريدون شيئاً يصرف أطفالهم، الذين يشكلون أغلى ما يملكون، عن التعلم. وهكذا كان ليو مجبراً على الاستعانة بمكاتب الزواج، إذ ليست لديه خبرة مع النساء على الإطلاق.

من التجارب المحزنة، قصة رين، وهو رجل يبلغ من العمر 47 عاماً، ويسمّيه البعض «السيد ثري». لقد دفع مليون يوان، أي ما يعادل نحو 130 ألف يورو، للعثور على الشريكة المناسبة. وعلى الهاتف، يسأل بحماسة عندما تكون هناك «مرشحات جديدات». وكان يعتقد أن جميع الفتيات الـ50 اللواتي عرضن عليه من قبل مكتب الزواج، شخصيات مملة. ويراسل رين المكتب قائلاً: «أنتم تقترحون عليّ النساء الخطأ!»، ويتكرر ذلك بعد كل عشاء ينظمه المكتب في فندق ريتز كارلتون.

موظفون للبحث عن عرائس في الشوارع

يقع مقر وكالة «دياموند لوف» في شانغهاي، عاصمة الأعمال في الصين، على بعد 200 كيلومتر من الشاب الأعزب، ليو يو تشيانغ.

ولدى الوكالة خمسة ملايين عضو، منهم الأثرياء الذين يدفعون ما يصل إلى 15 ألف دولار شهرياً مقابل «خدمات مخصصة» تعدهم بزوجة أحلامهم.

ويوجد بها 200 من الخبراء الاستشاريين، ومثلهم من المتعاونين، في ستة مواقع عبر الصين.

وتقول مديرة الوكالة، رن زويمي، لموظفين يستكشفان النساء من أجلها في الشوارع: «نحن بحاجة إلى أربع نساء تراوح قاماتهن بين 1.62 و1.67 متراً، ولديهن درجة علمية من جامعة، وبشرة بيضاء جداً، وميسورات الحال».

زويمي امرأة أنيقة وخاطبة محترفة، درست علم النفس. إنها تعرف المشكلات الرومانسية للطبقة الثرية ومشكلاتها الأخرى.

• هناك نحو 30 مليون رجل أكثر من النساء، ولا يريد أي صيني أن ينتهي به المطاف من دون أطفال.

تويتر