لا مستقبل أمامهم وسط أجواء الخوف

مراهقون في هندوراس ضحية العنـف ببلادهم.. ورفض أميركا استقبالهم

صورة

يتعلم إدوين فاسكيز، البالغ من العمر 16 سنة، كيف يعيش مع الخوف. وعندما كان يلعب كرة القدم في حقل بالقرب من منزله في لا ريفيرا هيرنانديز بسان بيدرو سولا، في هندوراس، سمع دويَّ إطلاق النار، وتمكن بالكاد من الهروب من الرصاص الموجه إليه. وكان يوجد في المكان أعضاء بمجموعة «أولانتشانوس»، وهي واحدة من ست عصابات في لا ريفيرا. وعلى الرغم من أن إدوين ليس عضواً في جماعة «إم إس 13»، التي تنافس «أولانشانوس»، فإن تلك المجموعة تسيطر على الشارع الذي يعيش فيه. وهذه الحقيقة وحدها تجعله مصنفاً ضمن أعداء الأخيرة.

فتحة هروب

بدأ رجل الدين دانيال باتشيكو بالعمل مع مجموعة من رواد الكنيسة، عام 2014، من أجل استعادة منزل قام فيه أفراد العصابة بقتل فتاة تبلغ من العمر 13 عاماً، ودفنها في الفناء. إذ حولوه إلى مكان يمكن للأطفال أن يستريحوا فيه، ويستطيع الكبار أن يبحثوا فيه عن أصدقاء. وتحول المنزل إلى ركن للقاء وتنظيم الأنشطة الرياضية، مع عدم استبعاد أعضاء العصابة.

وفي وقت لاحق، قام باتشيكو ومتطوعون معه بقطع الأخشاب السميكة، وجهزوا قطعة أرض، كانت مكاناً لدفن قتلى العنف، وتحولت إلى ملعب رياضي في فبراير 2018، وأقاموا مهرجاناً هناك بدأ بمباراة لكرة القدم، واجه فيها ضباط من الشرطة المجتمعية أعضاءً من العصابات الحاليين والسابقين.

أنشطة رياضية مثل لعبة كرة القدم تخلق «فتحة هروب صغيرة جداً». وفقاً لمسؤول في الشرطة المحلية يدعى ديلفين كاسترو، وأن هناك هدفاً آخر يتمثل في مساعدة لا ريفيرا «على التغلب على الخوف من الشرطة».

وانضم العديد من المتطوعين ليركزوا طاقاتهم في مساعدة الأطفال والمراهقين. وتم تشكيل مجموعة من الشباب تضم نحو 30 شخصاً، بما في ذلك ثلاثة أعضاء سابقون في العصابات، هدفها مساعدة الأطفال على الخروج من منازلهم. وقامت المجموعة بتنظيم أيام ترفيهية شهدت ألعاباً جماعية وحملات تنظيف، وليالي لمشاهدة الأفلام. يقول أحد أعضائها: «عندما يرى الآخرون الأطفال الذين يعملون في الحي، يصبح لديهم الدافع للقيام بالمثل».


إعادة الثقة

فجأة، سمع الأولاد صوت تحطم الحصى تحت إطارات السيارات. وظل وجه إدوين باهتاً عندما توقفت شاحنة الشرطة، وعلى متنها ثلاثة ضباط يحملون بنادق نصف آلية. فتحوا الأبواب وساروا إلى البوابة الأمامية لمنزل بابلو. في صمت، راقبوا مجموعة الأولاد أمام المنزل، ولاحظوا أن اثنين منهم ليسوا من الحي. قام عناصر الشرطة باقتياد الولدين الغريبين إلى الشاحنة، وانطلقوا بعيداً.

بدأ الأولاد يتحدثون دفعة واحدة ولم تلاحظ والدة بابلو، وهي تجلس في الداخل، ما كان يحدث، لكنها خرجت عندما هرع الأولاد ليخبروها بالقصة. وحاولت الأم أن تطمئن الأطفال الباقين، وتقنعهم بأنه لا خطر يتهددهم لو حافظوا على هدوئهم أمام الشرطة، ولم يرتبكوا.

هذه التجارب هي ما يحاول تغييره دانييل باتشيكو، رجل الدين البالغ من العمر 39 عاماً. وهو يريد إعادة بناء الثقة التي تجمع المجتمعات في العادة، لكنها غائبة في حي لا ريفيرا، وهو المكان الذي تنتهك فيه الشرطة القوانين، وتمارس العصابات سلطات شبيهة بالدولة، وينتهك السياسيون وعودهم للناس الذين ينتخبونهم. ويعتقد القس أنه يمكن استبدال كل هؤلاء الممثلين من خلال الانضمام إلى الحل. ويقول باتشيكو «العدو ليس هو الشخص، لكن ما يفعله الشخص». وهو يعمل مع الأطفال والآباء والشرطة والمشرعين المحليين والقوميين، وجميع القوى السياسية الكبرى في هندوراس، لبناء علاقات بينهم، على أمل أن يؤدي ذلك إلى السلام ولو ببطء. ومن بين أسلحته السرية جملة «أنا بحاجة إليك».


الخطوة التي سيكون لها الأثر الأكبر في طالبي

اللجوء بأميركا الوسطى، جاءت في 11 يونيو،

عندما شكك وزير العدل الأميركي، جيف ساشنز،

في مدى شرعية العنف المنزلي، وتهديد العصابات

للحصول على الحماية في الولايات المتحدة.

بعد إطلاق النار، فكر المراهق في الانضمام إلى «إم إس 13» للحماية، لكنه اشتبه في أن التهديد كان وشيكاً، لدرجة أنه لم يكن لديه وقت للهرب. فالتحدي الأكبر هناك هو البقاء على قيد الحياة. لذلك عند شروق الشمس في اليوم التالي لإطلاق النار، غادر إدوين وأخوه غير الشقيق إلى الولايات المتحدة. ومرّا عبر المكسيك، بواسطة القطار الذي غالباً يركبه المهاجرون لجزء من رحلتهم، وهو وسيلة نقل مشهورة بالسرقة والاعتداءات. وقال إدوين إنه شاهد رجلاً يلقى حتفه، بينما كان يصد رجلين يحاولان اغتصاب ابنته المراهقة.

وحتى إذا نجا المهاجرون من أميركا الوسطى من أهوال العنف والجريمة، فعليهم أن يتعاملوا مع «حاجز الحدود العملاق»، وهو نتيجة استثمار 86 مليون دولار من قبل الحكومة الأميركية، في المكسيك، عام 2014، لمساعدتها في تعزيز قوتها الأمنية لاحتجاز المهاجرين. وفي غضون عام واحد، خفض البرنامج عدد مهاجري أميركا الوسطى، الذين تمكنوا من الوصول إلى حدود الولايات المتحدة الجنوبية مع مضاعفة عمليات الترحيل من المكسيك، ما يقرب من 170 ألف شخص بحلول يوليو 2015. وكل عام منذ ذلك الحين، تجاوزت السلطات المكسيكية الولايات المتحدة بكثير، في ترحيل رعايا دول أميركا الوسطى. وفي 2017، ضبطت السلطات المكسيكية نحو 95 ألف شخص، بما في ذلك المراهق من هندوراس، إدوين، ورحلوهم إلى لا ريفيرا قبيل عيد الميلاد.

عقبات أكثر

لكن حتى لو حالفه الحظ ودخل المكسيك ووصل إلى الحدود الأميركية، وطلب اللجوء، فإن المراهق سيواجه عقبات أكثر من إدارة الرئيس دونالد ترامب. وبعد فترة وجيزة من توليه السلطة في يناير 2017، بدأت إدارته في التركيز على أن نظام اللجوء مليء بالاحتيال، ويهدد الأمن القومي. واستهدفت الإدارة - في وقت لاحق - المهاجرين من أميركا الوسطى على وجه التحديد، بسياسة أدت إلى الانفصال القسري للعائلة، ووقع ترامب على أمر تنفيذي، يوم الأربعاء، للسماح للعائلات بالبقاء معاً.

لكن الخطوة التي سيكون لها الأثر الأكبر في طالبي اللجوء بأميركا الوسطى مثل إدوين، جاءت في 11 يونيو، عندما شكك وزير العدل الأميركي، جيف ساشنز، في مدى شرعية العنف المنزلي، وتهديد العصابات للحصول على الحماية في الولايات المتحدة. وقال المسؤول إن هؤلاء الأشخاص لا يفرون من فئات الخطر الوشيك المدونة في قوانين اللجوء، التي صيغت بعد الحرب العالمية الثانية لحماية أولئك الذين يواجهون الاضطهاد الديني أو السياسي. وكتب ساشنز يقول «قد يتعرض أجنبي للتهديد والعنف في بلد أجنبي، لعدد من الأسباب المتعلقة بظروفه الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو العائلية أو غيرها من الظروف الشخصية»، متابعاً «مع ذلك، لا يفتح قانون اللجوء الباب أمام جميع الحالات».

تجربة مريرة

قصة إدوين وحي لا ريفيرا هي نسخة مكررة لما يحدث لأولئك الذين يجبرون على العودة إلى مواطنهم. وشعرت والدة إدوين أورورا، بالتناقض، إلا أنها لم تتمالك نفسها من الفرحة لاستعادة ابنها، لكنها لم تستطع الاحتفاظ به في أمان «أنا أعلم أن الرحلة (إلى أميركا) كانت خطيرة، لكنني وافقت على قراره بالذهاب»، متابعة «كنا خائفين للغاية». وعلى مدى السنوات التسع الماضية، شهدت أورورا قصص صديقاتها في مصنع النسيج، إذ كانت تحزن لمقتل أطفالهن. ولو حدث ذلك لها يوماً ما، فإنها سوف تمر بالتجربة المريرة نفسها. ومثل غيرها من أولياء الأمور في الأحياء الفقيرة بجميع أنحاء أميركا الوسطى، فقد طلب منها وجوب أن يلتزم إدوين السلوك الجيد، وأن يداوم على «الصلاة، والقيام بعمل جيد في المدرسة».

بالنسبة لإدوين، فـ«أن يكون جيداً» تعني أيضاً عدم الخروج من منزله، الذي تحول إلى مكان إقامة جبرية من نوع ما. وقد أكمل تقريباً برنامجاً دراسياً في مدرسة ثانوية بديلة، يرتادها يوماً واحداً في الأسبوع. وبعد نهاية الدراسة، سوف يبحث عن وظيفة. وهذا يعني في كثير من الأحيان التعرض لخطر التنقلات إلى العالم الخارجي.

وتسمح له والدته بالذهاب إلى منزل صديقه المفضل القريب. ويتذكر بابلو أنه قال «وداعاً إلى الأبد» عندما ذهب إدوين شمالاً، للهجرة إلى الولايات المتحدة، وكان سعيداً بعودته. لكن إدوين الذي عاد كان مختلفاً؛ حذراً وغامضاً إلى حد ما. لقد بدا فجأة أكبر من سنه (16 عاماً). وبعد أن سمع بابلو قصصه عن الهجرة، بدا الأمر منطقياً. ولا يريد إدوين أن يعود إلى الماضي المروع، ويشارك تجربته مع معظم الناس، لذا يحرص بابلو على ذكريات صديقه بكل ثقة. والآن، عندما يكونان مع الآخرين، يتحدث بابلو عن إدوين أولاً. وعندما يكونان بمفردهما، فإنهما يتحدثان بحرية.

في أحد أيام فبراير، ذهب إدوين إلى منزل بابلو ليخرجا مع الأصدقاء في نزهة. لقد كان متوتراً، لأنه ترك شهادة ميلاده في المنزل، ولسوء حظه أن صادفتهم دورية للشرطة في الشارع. في نظر العديد من رجال الشرطة في لا ريفيرا، جميع المراهقين هم مجرمون محتملون. ويدرك إدوين ورفاقه جيداً أن أطفالاً آخرين تم اعتقالهم، بسبب عدم وجود أوراقهم بحوزتهم، رغم حقيقة أن هذا غير قانوني في هندوراس.

رقابة تحت الخوف

ارتعد إدوين، وهو يترقب ما يمكن أن يحدث له، إذا تبعه رجال الشرطة إلى منزل بابلو. وبمجرد القبض عليه، سيكون في أيديهم، ما يعني «أن ذلك بمثابة عقوبة الإعدام تقريباً»، كما يقول المراهق. كان يخشى أنهم سيعذبونه أو يقتلونه. وهي ممارسات تم تسليط الضوء عليها من قبل المنظمات الاجتماعية والصحافيين، في جميع أنحاء أميركا الوسطى. ومع ذلك، تلقت هندوراس ما يقرب من 114 مليون دولار، كمساعدات أمنية من الولايات المتحدة منذ عام 2009، وفقاً لمسؤولين في هذا البلد. وقضى إدوين حياته القصيرة في حالة فرار: من أفراد العصابات تارة، ومن الشرطة المدعومة من الولايات المتحدة في المكسيك تارة أخرى، وأحياناً من الشرطة في هندوراس. لقد كان يخشى أن فرصه قد نفدت «إنهم ملثمون. إنهم هنا للقتل».

تويتر