حصل على الجنسية في 1999 وأصبح من نخبة الضبّاط

إدوارد لين.. جاسوس صيني في البحرية الأميركية

صورة

أصيب الكثيرون في الولايات المتحدة بالصدمة عند سماع خبر توقيف ضابط في البحرية الأميركية، قبل أسابيع، بتهمة التجسس. الأمر يتعلق بالنقيب إدوارد لين الذي يعتبره زملاؤه وقادته مثالاً للانضباط والمسؤولية؛ والأهم من ذلك أنه مثال للاندماج. فقد هاجر ادوارد مع عائلته إلى أميركا قادمين من تايوان، قبل نحو 14 عاماً، وحقق نجاحاً كبيراً وتفوق خلال فترة دراسته الثانوية الجامعية، وبات معروفاً في ولاية كاليفورنيا، فقد نبغ الشاب الأميركي في علم الحاسوب. التحق بالبحرية الأميركية في 1999 برتبة بحار، لكن بعد حصوله على الجنسية الأميركية في العام التالي، انضم إلى كلية الضباط في البحرية. وفي 2008، وقف ادوارد بزيه العسكري، متحدثاً أمام عشرات الأشخاص الذين حصلوا للتو على الجنسية الأميركية، في هاواي، وقدم حينها كونه «قدوة» يحتذى به، ونموذج للمهاجر الذي اندمج بشكل جيد في المجتمع الأميركي.


المبالَغة في الاعتماد على التكنولوجيا

حذّر خبراء من اعتماد الولايات المتحدة المبالَغ فيه على التقنية الحديثة، وتزويد الوحدات المقاتلة بالمعدات الالكترونية فائقة الدقة، قد يُستغل من قبل أعدائها إلى نقطة ضعف قاتلة، فبإمكان خصوم واشنطن تطوير أنظمة تعطل عمل الأقمار الاصطناعية التي يعتمد عليها الجيش الأميركي كلياً. ماذا سيحصل لو تمكن الصينيون من التدخل في عمل البرامج التي تدير الطائرة «إف 35» وتتحكم فيها؟ ينتقد خبراء عسكريون واستراتيجيون سياسة البناء العسكري الأميركي، في مرحلة تعتبر فيها الولايات المتحدة نفسها «الإمبراطورية الوحيدة» في العالم. ويوجد اليوم عدد كبير من المتابعين المختصين الذين يصرون على أن مشروعات الأسلحة القائمة ترمي الى تحقيق أرباح لشركات السلاح، لا لخوض حروب واقعية؛ وأن طائرات الشبح هي كارثة مالية وعسكرية؛ وأن ترهل المؤسسة العسكرية الأميركية، وخضوعها لمصالح الصناعيين والسياسيين، ستدفع أميركا ثمنه مع أول مواجهة جدية ضد عدو مكافئ.

قال ادوارد، 31 عاماً، خلال حفل التجنيس في هاواي: «لقد حلمت دائماً بالمجيء إلى الولايات المتحدة.. الأرض الموعودة»، مضيفاً، «لقد عشت سنواتي الأولى في تايوان، وكنت أعتقد دائماً أن كل الطرق تؤدي إلى ديزني لاند». إلا أن الضابط الطموح اكتشف أن حلمه قد انتهى بكابوس، في الـ11 من سبتمبر 2015، عندما أوقفته الشرطة العسكرية بينما كان يتأهب للسفر إلى الصين. وظل خبر توقيفه طي الكتمان طوال أشهر، وبات زملاؤه في قاعدة هاواي البحرية يتساءلون عن سبب غيابه.

خضع الضابط البحري لمراقبة مستمرة، لأشهر عدة، من قبل وكالة مكافحة التجسس التابعة للبحرية، ومكتب التحقيقات الفدرالي إلى أن وقع في الشباك. ووجهت له التهمة رسمياً بالتجسس، وسعيه لنقل معلومات إلى «قوى أجنبية»، دون تحديد البلد. وقد أثار سلوك ادوارد شكوك قادته وزملائه، إذ كان يطلب إجازات بشكل متكرر، كما أنه دأب على التمويه من خلال التكتم على وجهات سفره خارج البلاد. وبعد أن بدأت الشكوك تحوم حوله، تمكن عميل من مكتب التحقيقات يتقن اللغة الصينية، من الإيقاع بالضابط الذي أبدى استعداداً لـ«خيانة» بلده الجديد. وقالت مصادر عسكرية إنه متهم بالتعاطف مع بكين.

تهم خطيرة

هل تمكّن إدوارد من تسريب معلومات حساسة إلى الصين، وهل كان يشغل منصباً حساساً يتيح له الاطلاع على مثل هذه المعلومات؟ وهل تدخلت الجهات الأمنية في الوقت المناسب؟ مهما يكن فإن التهم خطيرة للغاية، لأنها تمس بالأمن القومي للولايات المتحدة. وفي ذلك يقول المتخصص في الشؤون الأمنية، ويليام تاكر: «هناك حجج دامغة، وكونه احتجز ثمانية أشهر دون أن يعلم بذلك أحد، فهذا يدل على أن المحققين يعتقدون أن الضابط لم يكن ينشط بمفرده، أو كانوا يرصدون الأشخاص الذين اتصل بهم في الخارج»، مضيفاً «توخي السرية في قضية ادوارد، يعني أن المحققين ربحوا بعض الوقت، لتتبع المتهمين الآخرين من دون الكشف عن القضية».

هل نجحوا في هذه المهمة؟ لن تفصح العدالة الأميركية أو البحرية أو حتى مكتب التحقيقات الفدرالي عن شيء، سوى أن الضابط المتهم بالتخابر مع جهات أجنبية سيحاكم وفقاً للقوانين العسكرية. وعلى الرغم من أن عائلته تؤكد أنه بريء، عبر موقع الكتروني أطلق خصيصاً لتأييد المتهم، إلا انه من المستبعد أن يرى الأخير النور قبل فترة طويلة يقضيها في السجن. التجسس في الولايات المتحدة تهمة يعاقب عليها بالسجن مدى الحياة. كما حدث مع الخبير المدني جوناثان بولارد، الذي اتهم بالتجسس لصالح إسرائيل وسجن في 1985 ليتم إطلاق سراحه العام الماضي. وأيضاً قضية الخبير في الاتصالات جون أنتوني وولكر، الذي أفشى أسراراً عسكرية للاتحاد السوفييتي (سابقاً) في الفترة ما بين 1967 و1985، بينها جميع شيفرات البحرية الأميركية، ومواقع الغواصات في البحار والمحيطات. وقد اعتبرت هذه القضية أكبر فضيحة خلال الحرب الباردة.

«المشاريع الخاصة»

ولأن المعلومات في هذه القضية شحيحة، فمن المحتمل أن يكون ادوارد قد أفسد، إلى حد ما، ميزان القوى في المحيط الهادي. فمنذ 2014، نقل الضابط إلى وحدة خاصة وسرية للغاية في البحرية، يطلق عليها اسم «الوحدة في بي يو 2» التي أوكلت لها مهمة تنفيذ «المشاريع الخاصة». ووفقاً لضابط في الجيش الأميركي، فضل عدم الكشف عن هويته، فإن هذه الوحدة الخاصة «هي نخبة من أفضل الضباط في البحرية تم فحصهم بدقة». ومن مهام هذه الوحدة تتبع الاتصالات العسكرية الصينية في المحيط الهادي، مستخدمة أحدث التقنيات التي جهزت بها طائرات الاستطلاع والتجسس التابعة لسلاح البحرية. وبإمكان أجهزة الاستشعار والاستقبال على هذه الطائرات، التنصت على محادثات تجرى على بعد مئات الكيلومترات. في حين تنقل الكاميرات صوراً ومقاطع فيديو فائقة الجودة في اللحظة نفسها، إلى مراكز المتابعة في قيادة الجيش الأميركي.

وفقاً لمعلومات حصلت عليها مراكز أمنية متخصصة، فإن ادوارد كان يشغل رادراً في هذه الوحدة الخاصة. ويقوم الرادار بجمع الإشارات الالكترونية في المحيط الهادي. ويبدو أن هذه القدرات هي التي جعلت ضباط الاستخبارات في بكين يركزون على الضابط المتميز. وفي ذلك يقول العميل السابق في مكافحة التجسس بوكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه»، مايك سوليك، إن حصول إدوارد على تدريب خاص، أهّله للوصول إلى ملفات ومعلومات سرية للغاية وحساسة، كما أنه تعامل مع مسؤولين في الكونغرس ووزارة الدفاع، إضافة إلى اطلاعه على «المهمات السرية» للبحرية الأميركية. ويضيف سوليك، قائلاً: «الضابط المعني قد يكون على علم بأنظمة السونار (الموجودة على السفن الحربية) التي يتم تطويرها من قبل الخبراء العسكريين والمدنيين». ويشير العميل السابق إلى معرفة ادوارد بالتقنيات التي جهز بها الجيل الجديد من الغواصات النووية.

على صفحة إدوارد بموقع «لينكد إن» المهني، انتبه صحافي أميركي إلى وجود عدد من الخبراء العسكريين الأجانب على قائمة أصدقائه. ومن بين هؤلاء، ملحق تايوان العسكري (السابق) في واشنطن والمتخصص في الاستعلامات، إضافة إلى خبير آسيوي في شركة «أبل» عمل في وزارة الدفاع التايوانية ومنصة توظيف في بكين.
 

تويتر