بعد تشريد الآلاف جراء المعارك الأهلية

أهالي النيل الأزرق في السودان يأملون بمصالحة قبلية

صورة

كغيره من عشرات الآلاف من السودانيين، أصبح أيوب هارون مقيماً في مخيم للنازحين في ولاية النيل الأزرق في السودان بعدما تعرض منزله للحرق وعدد من أفراد عائلته للقتل نتيجة اشتباكات قبلية. حيث أدى الاقتتال الذي استمر أسبوعاً بين قبيلتي الهوسا من جهة والبرتا والمتحالفين معها من جهة أخرى في 11 يوليو، إلى تشريد هؤلاء المدنيين، وتفيد الأرقام الرسمية بأن هذه المواجهات أسفرت عن سقوط 105 قتلى وعشرات الجرحى. وتبادلت القبائل المتناحرة الاتهامات ببدء العنف واتهم كل طرف منها الحكومة بمساندة الطرف الآخر. من جهتها، ذكرت الأمم المتحدة أن 31 ألف شخص نزحوا من منازلهم بولاية النيل الأزرق والمناطق المجاورة.

ومن داخل مدرسة تحولت إلى ملجأ للنازحين في مدينة الدمازين عاصمة ولاية النيل الأزرق، قال هارون المزارع الذي ينتمي إلى قبيلة الهوسا لوكالة فرانس برس «كان إطلاق النار متواصلاً لأيام عدة وبصورة مستمرة يومياً». وأضاف «قتل أخي وابن عمي وأُحرق بيتي وأغلب منازل عائلتي».

وأثارت هذه الاشتباكات القبلية غضب أفراد «الهوسا» والتابعين لها في أنحاء البلاد، وعمت بعض الولايات احتجاجات تطالب بالعدالة للذين قتلوا في الاشتباكات، بينما خرجت مسيرات أخرى تناهض القبلية وتدعو إلى الوحدة بين كل مكونات السودان.

وقال الجيلي عبدالله من قبيلة الهمج المتحالفة مع البرتا «لم يكن أمامنا خيار آخر سوى الدفاع عن أرضنا». وأضاف أن «بيوتنا أحرقت وانهارت على الأرض وانتشر الدمار في كل مكان وقتل العديد من الناس». وفي نهاية الشهر الماضي، اتفق زعماء القبيلتين على وقف الأعمال العدائية بينهما حتى التوصل إلى مصالحة كاملة.

خط أحمر

اندلعت اشتباكات الشهر الماضي بسبب توتر مستمر منذ وقت طويل بين القبائل. وعادة ما ينجم هذا التوتر عن نزاعات حول الأراضي والمياه، الموردين الرئيسين للزراعة والرعي والنشاطان الرئيسان في هذه المناطق. وفي هذا الإطار، أكد قيادي من الهوسا لفرانس برس في وقت سابق أن العنف بدأ عندما طلبت قبيلته «تشكيل سلطة محلية تشرف على استخدام الأراضي». لكن عبدالعزيز النور القيادي الآخر في القبيلة نفسها نفى أي نية لربط الإدارة الأهلية بقضية الأرض، موضحاً «نريد إدارة أهلية لشؤون القبيلة وسط المجتمعات الأخرى». وعلى جانب البرتا، قال العبيد أبوشوتال القيادي القبلي لفرانس برس إن «أراضي ولاية النيل الأزرق خط أحمر بالنسبة لنا وهي ملك فقط للسكان الأصليين للمنطقة». ولا تعتبر البرتا قبيلة الهوسا من السكان الأصليين للمنطقة.

والهوسا قبائل إفريقية مسلمة تنتشر في بلدان مثل نيجيريا والنيجر وساحل العاج والسنغال ونشاطها الرئيس هو الزراعة وتاريخ هجرة بعض أفرادها إلى السودان غير معروف. وهؤلاء يتحدثون لغة الهوسا ويقدر عددهم بنحو ثلاثة ملايين شخص وينتشرون في النيل الأزرق جنوب البلاد وإقليم دارفور غرب البلاد وفي ولايتي الجزيرة وسنار وسط البلاد وفي كسلا والقضارف في الشرق.

وأشارت مجموعة الأزمات الدولية في 2013 إلى أن هناك «تقارير تفيد ببدء وصول الهوسا إلى السودان في 1920 واستقرار العدد الأكبر منهم في النيل الأزرق في 1940 في إطار بحثهم عن مراع لأبقارهم».

وقالت باحثة من المنطقة طلبت عدم كشف هويتها «على مدى سنوات أصبح للهوسا نفوذ اقتصادي في المنطقة لمهاراتهم في الزراعة على ضفتي النيل الأزرق».

وأضافت الباحثة أنه تحت حكم الرئيس السابق عمر البشير والذي امتد لثلاثة عقود ظل الهوسا بعيدين عن التمرد المسلح الذي كان يقاتل الحكومة في النيل الأزرق.

آمال المصالحة

في 2020 وقّع المتمردون اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية التي تولت السلطة عقب الإطاحة بالبشير وسط آمال بوقف القتال بجميع أرجاء البلاد.

وبعد نشوب الاشتباكات تعالت أصوات تطالب بتجميد اتفاق جوبا للسلام.  ودفعت هذه الاشتباكات القبلية السلطات إلى فرض حظر تجول ليلي في المدن الرئيسة بالولاية. كما تنتشر قوات الدعم السريع في شوارع الدمازين.

ومازالت بعض المحال التجارية في سوق المدينة مغلقة، كما تظهر آثار الدمار جلية في المدينة بسبب الاشتباكات. وقال صاحب أحد محال البقالة لفرانس برس «في السابق كان السوق يعمل بكثافة لكن الآن تراجع العمل بصورة كبيرة».

من جهته، يقول هارون «نريد فقط أن تعود الأشياء إلى ما كانت عليه سابقاً»، معبراً بذلك عن أمل السكان في عودة الهدوء. أما سيدة إبراهيم وهي من قبيلة الفونج المتحالفة مع البرتا، فهي تأمل في تحقيق المصالحة. وقالت لفرانس برس «كنا نعيش في وئام طوال حياتنا (...) لا نعرف لماذا حدث هذا».

أثارت الاشتباكات القبلية غضب أفراد «الهوسا» والتابعين لها في أنحاء البلاد، وعمت بعض الولايات احتجاجات تطالب بالعدالة للذين قتلوا في الاشتباكات، بينما خرجت مسيرات أخرى تناهض القبلية وتدعو إلى الوحدة بين كل مكونات السودان.

أشارت مجموعة الأزمات الدولية في 2013 إلى أن هناك «تقارير تفيد ببدء وصول (الهوسا) إلى السودان في 1920، واستقرار العدد الأكبر منهم في النيل الأزرق في 1940 في إطار بحثهم عن مراعٍ لأبقارهم».

تويتر