إضافة إلى الضرر الاقتصادي والمناخي

«حرب الغاز» الروسية تهدّد الاستقرار السياسي في الاتحاد الأوروبي

صورة

يزيد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الضغوط على الاتحاد الأوروبي بقطع شحنات الغاز المتجهة إلى بعض أفضل العملاء لروسيا، في ظل غضب شديد من العقوبات المفروضة على بلاده بعد غزو أوكرانيا. وتمارس موسكو ضغوطاً سياسية هائلة على الحكومات، وتهدد بترك الأوروبيين في حالة تجمد إذا كان الشتاء المقبل بارداً، ومن المحتمل أن يقوّض أهداف الكتلة المناخية، إذ تستبدل البلدان الطاقة التي تعمل بالغاز بالفحم. وحتى أنه يمكن أن يدفع القارة إلى الركود.

ويصف المحلل في مؤسسة «بروغل» للأبحاث، سيمون تاجليابيترا، سياسات روسيا بأنها «ابتزاز الطاقة». ويتدفق 40% من الغاز على طول خط أنابيب «نورد ستريم»، الممتد من روسيا إلى ألمانيا تحت البحر، ما يؤثر في عمليات التسليم إلى فرنسا وإيطاليا والنمسا، وكذلك ألمانيا. وأوقفت شركة «غازبروم» الروسية، التي تحتكر تصدير الغاز جميع عمليات التسليم إلى بولندا وبلغاريا وهولندا، وفنلندا والدنمارك، بعد أن رفضت شركات الطاقة في تلك البلدان الانصياع لمطالب الكرملين بدفع تكاليف التسليم بالروبل.

ورداً على ذلك، تخطط بعض الدول لإطلاق محطات طاقة تعمل بالفحم. وقال وزير الاقتصاد والمناخ الألماني، روبرت هابيك، في مقابلة تلفزيونية، الأسبوع الماضي: «يجب الاعتراف بأن بوتين يخفض إمدادات الغاز إلى أوروبا شيئاً فشيئاً، وأيضاً لرفع الأسعار، ويجب أن نرد على ذلك باتخاذ إجراءات»، مضيفاً «هذا وضع متوتر وخطير».

حرق الفحم

وفي غضون ذلك، تخطط النمسا لاستئناف عمل محطة توليد الكهرباء لحرق الفحم مرة أخرى. وتخطط بولندا لدعم الفحم المستخدم في تدفئة المنازل. بينما قررت هولندا، الأسبوع الماضي، إلغاء خطط سابقة للحد من الإنتاج في أربع محطات طاقة تعمل بالفحم. وقال وزير المناخ، روب جيتين: «لو لم تكن هذه أوقاتاً استثنائية، لما فعلنا ذلك أبداً».

وعقدت الحكومة الإيطالية اجتماع أزمة، وأمر رئيس الوزراء، ماريو دراغي، بتشغيل وحدتين لإعادة تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز طبيعي، كما تحدث مع دول، من بينها قطر وأنغولا والجزائر، لتوقيع اتفاقات لتوريد الغاز؛ في محاولة يائسة لتأمين الإمدادات في حالة حدوث انقطاع من الجانب الروسي.

إظهار الثقة

إلى ذلك، تبدو بروكسل حريصة على إظهار الثقة، ولكن القلق واضح. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلايين، في اجتماع مع الصحافيين، الأسبوع الماضي: «نحن ننظر إلى الوضع الذي نحن فيه الآن، بأنه خطير للغاية؛ ونحن مستعدون»، متابعةً «نحن في أوقات عصيبة، والأمور ليست في تحسن».

ويعد الاندفاع إلى حرق الفحم لتأمين إمدادات الطاقة أمراً محرجاً بالنسبة للأوروبيين المهتمين بالمناخ. ولكن قلة من الناس يتوقعون أن يؤدي ذلك إلى إبعاد الاتحاد الأوروبي أو الدول الأعضاء، بعيداً عن المسار في جهودهم لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وفي ألمانيا، يُصر المسؤولون على أن العودة إلى الفحم ستكون قصيرة الأجل ولن يعرّض ذلك للخطر مسار البلاد نحو التخلص من طاقة الفحم بحلول عام 2030. وسيعمل الفحم كإمداد احتياطي لقطاع الطاقة، ما يسمح للبلاد بتأمين احتياجاتها قبل الشتاء. وفي غضون ذلك، تخطط الحكومة لزيادة الطاقة النظيفة، بسرعة.

من جهته، قال مدير مركز أبحاث «أغودا إنرجيفندي»، سايمون مولر، إن الغزو الروسي عزز الدعم السياسي لمصادر الطاقة المتجددة في ألمانيا «تساعد هذه الطبقة الإضافية من الإلحاح التي نتمتع بها الآن في مواجهة هذا الوضع، في توفير الزخم السياسي الذي نحتاجه لبعض الجهود المهمة جداً، في بناء الطاقة المتجددة».

ويدرس البرلمان الألماني 10 تدابير لكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، وقال مولر إن الائتلاف المكون من ثلاثة أحزاب كان متماسكاً على نطاق واسع، بشأن أهمية إزالة الحواجز أمام الطاقة الخضراء.

وكانت المجموعات الخضراء، أيضاً، متفائلة. وقال مدير السياسات في منظمة «جيرمن ووتش» غير الحكومية، كريستوف بالز: «لا توجد خطة على الإطلاق، في ألمانيا، حالياً، لوضع تاريخ انتهاء استخدام الفحم». ولكن الحاجة إلى التغيير السريع في مسار التخلص من الفحم تزيد من حدة التوترات السياسية.

وفي برلين، انتقدت المعارضة المحافظة هابيك والمستشار أولاف شولتس لسماحه بزيادة استخدام الفحم، بينما استبعد إبقاء محطات الطاقة النووية الثلاث المتبقية في ألمانيا قيد التشغيل، بعد نهاية هذا العام.

وقال نائب رئيس حزب الديمقراطيين المسيحيين في البرلمان، ينس سبان، للتلفزيون الألماني، الأسبوع الماضي: «لا أفهم كيف تسمح الحكومة لمزيد من محطات الفحم بالعمل لفترة أطول، بدلاً من محطات الطاقة النووية المحايدة كربونياً». وكانت سياسة «التخلي عن الطاقة النووية»، إحدى السياسات التي تبنتها الزعيمة السابقة لحزبه، أنغيلا ميركل. كما تُسبب هذه السياسة ضغوطاً داخل الائتلاف الحاكم.

ترشيد الاستهلاك

وقال الأمين العام للديمقراطيين الأحرار الليبراليين، بيجان جير سراي: «الشيء الضروري الآن، هو الحفاظ على تشغيل محطات الطاقة النووية الثلاث المتبقية لفترة أطول»، موضحاً «هذه حقيقة لا يمكن لوزير الاقتصاد تجاهلها ببساطة».

وقال هابيك إن الاعتراف بالخطوة كان «كسراً للمحرمات»، مضيفاً أن الفحم لايزال أفضل من إحياء الطاقة النووية، مؤكداً أن التغيير في السياسة النووية سيكون له تأثير، فقط، في نهاية العام المقبل؛ أي بعد فوات الأوان للمساعدة هذا الشتاء. وقد أيده المستشار أولاف شولتس، الذي قال في مقابلة نشرت أخيراً، إن «الطاقة النووية لن تساعدنا، الآن، وليس في العامين المقبلين، وهو ما يهم».

 


تقنين الغاز

يدعو القادة السياسيون شعوبهم إلى ترشيد استهلاك الطاقة، وخفض استخدام الغاز، بينما تعمل الحكومات على زيادة مستويات التخزين للسماح للقارة بالتغلب على انقطاع الغاز الروسي الشتوي. وكملاذ أخير، فإنهم يفكرون في تقنين الغاز.

ومن شبه المؤكد أن توقّف إمدادات الغاز من شأنه أن يدفع الكتلة الأوروبية إلى الركود. وحذر البنك المركزي الأوروبي من أن منطقة اليورو ستنكمش بنسبة 1.7%، العام المقبل، إذا أغلقت روسيا الصنبور بالكامل.

وقال البنك: «من المرجح أن تتطلب اضطرابات إمدادات الطاقة والاحتمالات المنخفضة لإحلال فوري لإمدادات الغاز من روسيا بعض التقنين وإعادة تخصيص الموارد، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج في منطقة اليورو، لاسيما في القطاعات ذات الاستهلاك الكبير للطاقة». وتوقع البنك أنه إذا حدث ذلك، فإن اقتصاد الكتلة سيتعافى العام المقبل.

ولكن البنك المركزي الأوروبي حذر، أيضاً، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «في ما يتعلق بالاقتصاد الروسي يتميز السيناريو بركود حاد مع انكماش في الإنتاج، على غرار الانكماش الذي حدث عندما انهار الاتحاد السوفييتي».

يُعد الاندفاع إلى حرق الفحم لتأمين إمدادات الطاقة أمراً محرجاً بالنسبة للأوروبيين المهتمين بالمناخ.

1.7%

نسبة انكماش منطقة اليورو، العام المقبل، إذا أوقفت روسيا الإمدادات بالكامل.

تويتر