بسبب سمعتها الجيدة في المنطقة

اليابان.. اللاعب الأكثر صدقية في الشرق الأوسط

صورة

خلال الشهر الماضي زار وزير الخارجية الياباني، توشيميتسو موتيجي، مصر، وفلسطين، وإسرائيل، والأردن، وتركيا، والعراق، وإيران، وقطر، والتقى مع قادة تلك الدول، ومن ضمنهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، كجزء من جولة إقليمية ركز فيها على قضايا أمن الشرق الأوسط ومحاربة جائحة كورونا. وتزامنت الزيارة مع خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، إضافة إلى حالة الشكوك التي تحيط بالتزام واشنطن الذي استمر لعقود عدة بأمن الخليج العربي وانخراطها في جيوسياسية المنطقة ككل.

وفي طوكيو، وبعد نحو أقل من سنة من تسلمه السلطة، ينضم رئيس الحكومة اليابانية يوشهيدي سوغا إلى مجموعة رؤساء الوزراء اليابانيين المستقيلين. ولكن على الرغم من أن فترة سوغا في السلطة كانت قصيرة ومليئة بالمتاعب، إلا أن إدارته واصلت إرساء الأساس الاستراتيجي الذي وضعه سلفه شينزو آبي، الذي شهدت سنواته الثماني في الحكم تحول اليابان إلى قيّم مهم للنظام الدولي الليبرالي.

وكقوة منخرطة في المناطق الرئيسة المتعلقة بالشرق الأوسط، تمتلك طوكيو الفرصة لفتح حوار استراتيجي مع المنطقة التي تركز على القضايا المهمة للعقود المقبلة، خصوصاً التحول الرقمي والتنافس التكنولوجي. وسيساعد مثل هذا الحوار الشرق الأوسط على التكيف مع مرحلة ما بعد خروج واشنطن من أفغانستان، ويخفف مخاطر حدوث عدم الاستقرار الإقليمي، ويساعد على توازن المصالح المتنافسة في المنطقة بين الولايات المتحدة والصين.

ولعب وزير الشؤون الخارجية الياباني والدفاع السابق، تارو كونو، المرشح لخلافة سوغا، دوراً مهماً في الجهود اليابانية لتخفيف التوتر بين الولايات المتحدة وإيران إثر مقتل الجنرال قاسم سليماني. وهناك شخص آخر محتمل لخلافة سوغا هو وزير الخارجية لفترة طويلة لدى آبي، فوميو كيشيدا، وهو أيضاً شخص كفوء للتعامل في قضايا الشرق الأوسط. وقام كيشيدا الذي عمل أخيراً في منصب رئيس مجلس الأبحاث للحزب الديمقراطي الحاكم، بلعب دور مهم لدفع جهود طوكيو وراء الكواليس لحماية الاتفاقية النووية خلال سنوات حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وحتى آبي نفسه فقد فضل أن يحل مكان سوغا، وزير الشؤون الدولية الياباني السابق سانين تاكيشا، الذي لا يملك الكثير من التجربة في مجال السياسة الخارجية، ولكنه يمكن أن يمثل بصدق مبدأ آبي الأمني المعروف بـ«الاستباقية السلمية» في الشرق الأوسط.

وتحمل اليابان ميزة مهمة كصانعة للجسور بين الأطراف في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أنها تمتلك علاقات جيدة مع حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وأنها كانت تمثل حجر الأساس في الحروب التي كانت تقودها الولايات المتحدة في كوريا وفيتنام، إلا أن اليابان لعبت دوراً محدوداً في احتلال كل من العراق وأفغانستان. وبناءً عليه فإن اليابان هي أحد القلة من حلفاء الولايات المتحدة الذين خرجوا من العقود الأخيرة من التدخلات في المنطقة بسمعة نظيفة. وأصبحت شعبية اليابان معتمدة في العالم نتيجة نهج السلم الذي نهجته بعد الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي أثبت حسن النية لديها بأنها ستكون وسيطاً نزيهاً، الأمر الذي ميزها عن الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

ولطالما اعتمدت اليابان على النفط من الشرق الأوسط. ومنذ إدارة الرئيس الأميركي جيمي كارتر التزمت واشنطن بتدفق النفط من الخليج العربي إلى الغرب وحلفائه، وأهمهم طوكيو. ولكن في هذه الأيام يجب على صانعي السياسة اليابانيين الاستعداد من أجل تقاعس واشنطن عن حماية ممرات نقل النفط عبر البحار، والتي تبلغ نحو 3200 ميل من مضيق هرمز إلى مضيق ملاقا قرب ماليزيا. وعلى الرغم من أن البحرية الأميركية تضمن الحركة في المحيطين الهندي والهادي إلا أنها لن تستطيع القيام بذلك في مناطق أخرى.

وخلال السنوات الأخيرة، واجهت دول المنطقة من عمان في الخليج العربي إلى الرباط على المحيط الأطلسي الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة والصين. وتظل الولايات المتحدة الضامن الرئيس لدول الخليج العربي، إضافة إلى أنها شريك عسكري مهم لدول شمال افريقيا مثل مصر والمغرب. ولكن الصين ظهرت ليس كوجهة مهمة لتصدير النفط فقط، وانما الشريك التجاري الرئيس لمعظم دول الشرق الأوسط. وأدت الأحداث التي وقعت في أفغانستان، أخيراً، إلى تجديد طرح الأسئلة بشأن تخفيض الانفاق في الولايات المتحدة على المدى البعيد. ولكنه لايزال من غير الواضح ما إذا كانت الصين مستعدة للتدخل وتحمّل مسؤولية أكبر من أجل أمن الشرق الأوسط كالدور الذي كانت واشنطن تلعبه في الخليج العربي منذ ثمانينات القرن الماضي، بما يتناسب مع حصة بكين الاقتصادية في المنطقة.

وبناءً عليه ثمة حاجة ضاغطة إلى هيكلية جديدة متعددة الأطراف، تحظى بدعم خارجي عند الضرورة. ولذلك عندما زار موتيجي الشرق الأوسط الشهر الماضي، حث وزير الخارجية الياباني إيران على تخفيف التوترات الجيوسياسية، وأكد دعم اليابان لجهود مكافحة الإرهاب. ومثلت قمة بغداد، في نهاية أغسطس، جهوداً مبكرة من قبل العديد من اللاعبين الإقليميين المتعددين، بمن فيهم فرنسا، التي حضر رئيسها القمة، للتحضير لشرق أوسط ما بعد واشنطن. وتعهدت إدارة بايدن الخروج من العراق في نهاية عام 2021، فاتحة الباب لقوة جديدة كي تسد الفراغ.

ويمكن أن يوفر الحوار الأمني الرباعي بين اليابان وأستراليا والهند والولايات المتحدة الذي بدأ في عام 2017، نموذجاً للتجمعات الدولية الاستراتيجية. ولتجنب الأخطاء التي ارتكبت خلال بداية تشكل هذا التجمع الدولي، الذي انتهى به المطاف إلى تشكيل منظمة «كواد2»، تم تشكيل ثلاث مجموعات عمل مخصصة لتوزيع اللقاحات، ولتخفيف حالة تغير المناخ، والتركيز على التقنيات الحديثة.

وربما أن طوكيو تسهم بصورة خاصة في نزع التوترات من الشرق الأوسط عن طريق وجودها في مجموعة الدول الخمس الغنية. ولكن دول الشرق الأوسط تبدو محتارة أحياناً بين اتباع الولايات المتحدة أو الصين، على الرغم من أن هذه الأخيرة تظل هي الشريك التجاري والاستثماري الأكبر. وهنا يبرز دور اليابان كداعم كبير، حيث تقدم طوكيو بصناعتها المتطورة الحلول التي تريد الحصول عليها هذه الدول. وكانت خمس شركات تشغيل الهواتف النقالة في الشرق الأوسط قد طلبت دعم اليابان، التي اعتبرت ذلك بمثابة تحفيز لها كي تقدم المساعدة.

وخلال المرحلة المقبلة من الانخراط في الشرق الأوسط، يبدو أن اليابان لها مصلحة مباشرة لمساعدة المنطقة للتكيف مع التغيرات في المشهد الجيوسياسي. ويمكن لمجموعات العمل المتعددة الأطراف، كالتي تركز على تقنيات الاتصال والهواتف النقالة، أن تسهل قيام حوار استراتيجي واسع عبر المنطقة، والذي يسخر وصول الشرق الأوسط إلى رأس المال، اضافة إلى الإمكانات الإبداعية في المحيطين الهندي والهادي، ما يبشر بمرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار في المنطقة.

محمد سليمان ■ مستشار في السياسة الدولية في معهد الشرق الأوسط.

إيليوت سيلفربيرغ ■ خبير في برنامج تعليم الأمن القومي الذي تشرف عليه الحكومة الأميركية.

اليابان هي أحد القلة من حلفاء الولايات المتحدة الذين خرجوا من العقود الأخيرة من التدخلات في المنطقة بسمعة نظيفة.

 

تارو كونو

 

عمل تارو كونو، وهو سياسي ياباني مولود في يناير عام 1963، في مناصب وزارية عدة، أهمها وزير سابق للخارجية. وكان ممثلاً في البرلمان عن الحزب الليبرالي الديمقراطي لست فترات. ويمثل مقاطعة كاناغوا. وتم انتخابه للمرة الأولى في البرلمان عضواً عن الحزب الليبرالي الديمقراطي في أكتوبر 1996، وكان لايزال في الثالثة والثلاثين من العمر، وتكرر انتخابه بعد ذلك لست فترات. ويعتبر من أوفر المرشحين حظاً لخلافة رئيس الحكومة السابق.

وفي عام 2002 تم تعيينه أميناً برلمانياً للإدارة العامة مع مسؤوليات تتضمن الإصلاح الإداري، وشؤون الحكومة المحلية، والحكومة الإلكترونية. وعمل في آخر حكومة لرئيس الحكومة السابق جانشيرو كويزومي نائباً لوزير العدل. وفي عام 2004 شارك في إصدار تعديلات العقوبات الاقتصادية لقانون صرف العملات الأجنبية وقانون «بورت كلوز» الذي يسمح للحكومة برفض دخول سفن كوريا الشمالية إلى الموانئ اليابانية.

وبعد أن تبرّع بجزء من كبده لوالده المريض أدخل كونو تعديلات كبيرة على قانون زراعة الأعضاء وأمن إقراره في عام 2009. ويعتبر مدافعاً كبيراً عن بروتوكول كيوتو لمحاربة تغير المناخ. ولعب دوراً رئيساً في تمرير العديد من قوانين الحكومة المتعلقة بالقضايا المناخية. وأعرب عن قلقه الشديد من السياسات النووية منذ عام 1997. ويعتبر ناقداً شديداً لما يسمى «دورة الوقود النووي».

تويتر