قاتلن من أجل مستقبل بلادهن

ناشطات أفغانيات يرغبن في البقاء والعمل من أجل حقوق النساء

صورة

ما لم يتضح حتى الآن، هو كيف سيكون مصير مئات النساء الأفغانيات اللواتي دعمن الجهود الدبلوماسية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) خلال العقدين الماضيين، وآلاف ناشطات المجتمع في جميع أنحاء البلاد، اللاتي ظللن يدافعن عن المرأة. ماذا يحدث للنساء اللاتي ساعدن مسؤولين أميركيين، عملوا في السفارة الأميركية بكابول، واللاتي نفذن برامج المساعدات؟ والنساء اللواتي وقفن إلى جانب النشطاء الأجانب في بلادهن للضغط من أجل تقدم النساء والفتيات؟

في الوقت الحالي، تواجه الناشطات الأفغانيات اللواتي بلغن سن الرشد في العقدين اللذين أعقبا خروج «طالبان» من السلطة عام 2001، خيارات ملحة: هل يبقين في أفغانستان ويواصلن عملهن على الأرض؟ أم يبحثن عن الأمان في دولة مجاورة أو ملاذ خارجي مثل الولايات المتحدة، أو كندا، أو المملكة المتحدة؟ ويواجه جيل من القائدات الأفغانيات اللواتي ظللن يدافعن من أجل تقدم النساء والفتيات الأفغانيات وغيرن بلدهن في هذه العملية، معضلة كبيرة، وخيارات صعبة، وعليهن أن يقررن الآن مصيرهن، مع فرصة ضئيلة للحصول على مساعدة من حلفائهن السابقين. ويكتنف مصيرهن الآن علامة استفهام كبيرة ليس لها إجابة واضحة، ويشعرن بأن أمامهن مسؤولية عميقة وعواقب حقيقية.

كاميلا صديقي

بالنسبة للبعض، فإن الخيار الأنسب هو البقاء، على الأقل لأطول فترة ممكنة. هذه هي إجابة كاميلا صديقي عند سؤالها عن خطوتها التالية. خلال الغزو الروسي والحرب الأهلية الأفغانية وحكم «طالبان»، لم تغادر بلدها أبداً. وتحدت في الواقع الصواريخ لتواصل دراستها في مدرستها الثانوية، في الوقت الذي كانت تشهد فيه كابول عدم استقرار. ووفرّ والدها العلم لبناته التسع منذ الصغر، لكي يصبحن وطنيات يخدمن أمتهن ويحببن أرضهن. خلال التسعينات، عندما حكمت «طالبان» كابول، ظلت صديقي في المدينة وأسست مشغلاً للخياطة، وفرّ فرص عمل للنساء والفتيات في الحي الذي تعيش فيه، بما في ذلك بنات «طالبان». أمضين الكثير من الوقت معاً منذ عام 2005، يناقشن المستقبل، وظلت أكثر تصميماً وأكثر اهتماماً بالجيل القادم.

قتال من أجل البقاء

حانت لها فرصة لمغادرة أفغانستان، لكنها فضلت أن تقاتل من أجل البقاء، والمضي قدماً في مجال الاستشارات، وظفت العشرات من النساء وتدرب على يديها مئات منهن على أساسيات الأعمال. ويلقي عدم اليقين السياسي الراهن بظلاله على مستقبل الأعمال التجارية من جميع الأنواع، ومع ذلك لاتزال تشعر بأن عليها البقاء داخل البلاد وعدم مغادرتها، على الرغم من الخوف الذي تشعر به - لأول مرة على الإطلاق - في مدينتها الأم. تقول إن الأمور تبدو أكثر خطورة في أفغانستان، حتى أكثر مما كانت عليه الحال في السنوات السابقة، ومع ذلك تشعر بأن عليها البقاء مع أغلبية الناس في بلدها والاعتناء بأطفالها، وكسب أجر لائق، والكفاح من أجل مستقبل أفضل.

وتقول صديقي: «يحتاج الأشخاص الذين يعيشون في أفغانستان إلى وظائف، يحتاجون إلى العمل، ويحتاجون إلى البقاء على قيد الحياة»، وتضيف «لقد التزمت دائماً بأن أكون داخل بلدي ومن أجلها، وهذا هو الوقت الذي يجب أن أكون هنا من أجل شعبي».

المرأة الشجاعة

تضطر نساء أخريات للعمل في الخارج من أجل البقاء بأمان بينما تظل قلوبهن في أفغانستان، ويقدمن المساعدة إلى من هم في خطر. من هؤلاء الناشطة الأفغانية، واظمة فروغ، التي ظلت تعمل من أجل السلام خلال سنوات عدة مضت. انضمت للمجلس الأعلى للسلام، وعملت منذ أوائل العقد الأول من القرن الـ21 كناشطة سلام ومدافعة عن النساء والفتيات. شاركت في تأسيس «منظمة دراسات المرأة والسلام» قبل عقد من الزمن، ولعبت دوراً نشطاً في شبكة النساء الأفغانيات. منحتها وزارة الخارجية الأميركية جائزة «المرأة الشجاعة» في عام 2009. وفي عائلتها نساء كسرن جميع أنواع المحرمات في الخدمة العامة والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية.

الأمان في أميركا

تركت الآن كل أحبائها في بلدها وسافرت بحثاً عن الأمان في أميركا الشمالية. يبدأ نشاطها كل ليلة من الساعة 11:30 مساءً، تتحدث مع النساء اللواتي يواجهن الخطر في جميع المقاطعات الأفغانية ويطلبن مساعدتها. من ليلة السبت إلى صباح الأحد، تظل تعمل لمساعدة النساء من هيرات وقندهار وهلمند. والآن مع إغلاق المطارات وتعطل خطوط الهاتف في أفغانستان يعني أن وصول الناشطات إلى بر الأمان ليس أمراً شديد الخطورة فحسب، بل صعب للغاية. حتى نقل عائلة من منطقة إلى أخرى ليس بالأمر السهل الآن، ناهيك عن الانتقال من مقاطعة إلى أخرى، خصوصاً مع اتصالات الهاتف الخلوي المتقطعة.

وتقول إن «الأمر في غاية التعقيد، أشعر بالذنب لأنه أتيحت لي الفرصة لإنقاذ حياتي بينما لم تتوافر مثل هذه الفرصة لعشرات أو مئات، أو آلاف النساء الأخريات»، ولكنها تستدرك «ولكن في الوقت نفسه أشعر بأن أمامي فرصة لإيصال أصواتهن، وهذا يعني شيئاً ما بالنسبة لي». دخلت فروغ في صراع مع قرارها بالرحيل عن أفغانستان، لكنها في النهاية شعرت بأنه يتعين عليها مواصلة التحدث نيابة عن الآخرين، ولكي توفر المساعدة لأولئك الذين يعتمدون عليها، كان عليها أن توفر الحماية لنفسها.

جعل الحياة ممكنة للنساء

توازن نرجس نيهان عن كثب بين الحاجة إلى الحفاظ على حياتها وواجب حماية الآخرين. تقود هذه الناجية من سرطان الثدي منظمة غير حكومية تركز على المرأة وبناء السلام، تفعل كل ما في وسعها لتجنب المخاطرة، أخبرت والدتها، التي ظلت قريبة منها، أنها تريد أن تتصالح مع كل ما يأتي.

وتقول نيهان: «لقد كرّست حياتي لهذا العمل، وأحب أن أرفع صوت أولئك الذين لا صوت لهم»، وتسترسل «إذا ساعدت شخصاً ما، فهذا يعني بالنسبة لي أكثر من طمأنينة يوم كامل، ولهذا السبب فضلت البقاء في بلادي، وأعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لنجعل الحياة ممكنة للنساء والفتيات».

ومثل فروغ، أمضت نيهان معظم الفترة القصيرة الماضية تتحدث إلى نساء ورجال في قندهار وهلمند وهيرات الذين اضطروا للفرار من منازلهم، وتركوا ممتلكاتهم وراءهم نتيجة القتال، وتكافح الآن للحصول على المزيد من الدعم من الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاء الـ«ناتو» الآخرين للنساء اللاتي ليس لديهن الآن مكان يذهبن إليه ولا ملجأ آمن يهربن إليه. وتقول «ليس لدينا خيار سوى العودة إلى كفاحنا». وتضيف «يجب أن نتحدث عن السلام في أفغانستان، ولا ينبغي أن نتخلى عن هذه المسؤولية مهما ساء الوضع، لا ينبغي للعالم أن ينظر إلينا كضحايا يتوسلون من أجل الدعم، لقد ظلت المرأة الأفغانية شريكاً ثابتاً ومخلصاً للمجتمع الدولي على مدار الـ20 عاماً الماضية. لم نغير موقفنا أبداً بغض النظر عن مدى صعوبة الوضع، وسنواصل كفاحنا».

ماذا ينتظر نساء أفغانستان؟

خلال فترة حكم «طالبان» الأولى، أسست النساء الأفغانيات أعمالاً تجارية في منازلهن، وعملن مدرسات بالمدارس، وعملن طبيبات، وشغلن وظائف في المنظمات غير الحكومية ذات الصلة بالصحة، ودرَّسن مايكروسوفت أوفيس، وقدمن الدعم لعائلاتهن واستفدن إلى أقصى حد من المساحة الضيقة المتاحة لمجتمعاتهن. لقد عملن من أجل مسار أكثر إشراقاً للجيل القادم. وهذه المرة لن تكون مختلفة.

ستدفع المرأة الأفغانية إلى الأمام مهما حدث. والسؤال الوحيد هو ما مدى الظلم والقمع الذي ستواجهه المرأة في ظل حكم «طالبان»: هل ستضرب «طالبان» مرة أخرى بالعصي وكوابل التلفزيون النساء اللائي يتحدين الوضع الراهن؟ هل ستسجن «طالبان» النساء اللواتي يخالفن قواعدها، وهل ستمنع الحركة النساء من الذهاب إلى العمل أو الجامعة؟ هل سيضطر الآباء لتسليم بناتهم - أحياناً فتيات في سن المراهقة فقط - للزواج من مقاتلي الحركة؟ هل هناك فرصة لكي يقدم العالم دعماً دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً للنساء في الخطوط الأمامية حيث يقاتلن من أجل مستقبلهن ومستقبل بلادهن؟ في الوقت الحالي يبدو أن الإجابة عن ذلك هي لا. وإذا كان الأمر كذلك فهذه خسارة لنا جميعاً.

• خلال فترة حكم «طالبان» الأولى، أسست النساء الأفغانيات أعمالاً تجارية في منازلهن، وعملن مدرسات بالمدارس، وعملن طبيبات، وشغلن وظائف في المنظمات غير الحكومية ذات الصلة بالصحة، ودرَّسن مايكروسوفت أوفيس، وقدمن الدعم لعائلاتهن واستفدن إلى أقصى حد من المساحة الضيقة المتاحة لمجتمعاتهن.

• يواجه جيل من القائدات الأفغانيات اللواتي ظللن يدافعن من أجل تقدم النساء والفتيات الأفغانيات وغيرن بلدهن في هذه العملية، خيارات صعبة، وعليهن أن يقررن الآن مصيرهن، مع فرصة ضئيلة للحصول على مساعدة من حلفائهن السابقين.

تويتر