ولاية رئيسي ستكون الاختبار الحاسم

إيران وصلت إلى نقطة اللاعودة من أجل استعادة شرعيتها الشعبية

صورة

سيتقلد الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي مسؤوليات منصبه في الثالث من أغسطس المقبل، وسط أزمات كبيرة تعانيها إيران. ويعاني اقتصاد الدولة العقوبات الأميركية وجائحة «كورونا»، والفساد وسوء الإدارة، وربما الأمر الأكثر سوءاً أن أجزاء كبيرة من المجتمع تعاني الإحباط جراء العملية السياسية التي رفض نحو نصف الناخبين المشاركة فيها خلال الأسبوع الماضي لانتخاب رئيس الجمهورية. ويبدو أن قدرة رئيسي على معالجة كل هذه الأزمات والقيام بتحسين ملموس في الحكومة وحياة المواطنين الإيرانيين ستحدد ما إذا كان النظام الإيراني يستطيع الحفاظ على شرعيته بعد الإقبال المنخفض جداً على الانتخابات.

وينحدر رئيسي من المعسكر المبدئي للسياسة الإيرانية، الذي يسعى إلى حماية أيديولوجية الثورة الإسلامية التي اندلعت عام 1979. ويتبنى أنصار المعسكر المبدئي معايير اجتماعية ثقافية إسلامية محافظة، ويعتقدون أنه لا مفر من التصادم بين مصالح الغرب وإيران المستقلة. وسيكون التحدي الجوهري الذي سيواجه رئيسي هو تخفيف المخاوف من قاعدته المبدئية، وفي الوقت ذاته تلبية الحاجات لجزء أكبر من المجتمع الذي تخلص من الحماسة الثورية، وتعب من الوضع الاقتصادي والسياسي المرعب والقوانين المتطفلة التي تنظم أسلوب حياتهم.

الواقعية

وسيحتاج الرئيس الجديد إلى أن يكون واقعياً في السياسة الداخلية والخارجية، لمعالجة المظالم الواسعة الانتشار للإيرانيين العاديين بنجاح، وتحسين الوضع الاقتصادي. وهو نفسه ليس لديه خلفية لإدارة الحكومة، فهو نتاج النظام القضائي الإيراني التعسفي. وبناء عليه فإن الأشخاص الذين سيوظفهم في إدارته سيكونون هم أوضح دلالة على التوجه الذي ستتبناه رئاسته في حكم إيران.

وإذا انسحب حصرياً من صفوف الأيديولوجيين المبدئيين التقليديين، فإنه على الأرجح لن يتغلب على العديد من المشكلات التي تواجه إيران. ويفتقر هؤلاء الأيديولوجيون إلى وصفات سياسية واقعية، وينزعون إلى لعب دور المعارضة السياسية، وإعادة طرح أفكار مثالية. ومن أمثلة ذلك كان البرلمان الذي يهيمن عليه المبدئيون، الذي دفع إدارة الرئيس، حسن روحاني، إلى تقديم زيادات هائلة في دعم الميزانية الوطنية العام الماضي، وسط نقص حاد في العائدات الحكومية.

وكان الخيار قبل رئيسي، بين حكم أكثر اقصائية أو بقبضة من حديد، أو حكم مدفوع بإجماع أكبر، ويستند إلى تجربة التكنوقراط ويشمل المعتدلين والإصلاحيين. ويبدو أن سجل رئيسي في النظام القضائي، وفريق انتخابه يوحيان بأنه سيختار الخيار الأول، أي الإقصاء والقبضة الحديدية. فقد أشرف على انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، بما فيها لعب دور مهم في حالات إعدام جماعية لخصوم إيران عام 1988. وكان الفريق الذي أشرف على حملته الانتخابية مؤلفاً من متشددين معروفين يسعون إلى إبعاد المعتدلين والإصلاحيين من النظام السياسي الإيراني. وأحد كبار المسؤولين في حملته الانتخابية هو مجتبي أميني، الذي كان في الواقع مدير برنامج تلفزيوني مثير للجدل، والذي وصف اتفاقية إيران النووية التي تم التوقيع عليها عام 2015 بأنها مؤامرة «لتغيير النظام»، كما أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد خُدع من قبل الجواسيس الغربيين الذين تسللوا إلى فريقه.

فريق مختلف

ولكن رئيسي قال إن تشكيل حكومته سيكون مختلفاً عن فريق حملته. وقال إنه ليس «مديناً» لأي فصيل سياسي، وسيقوم بتشكيل حكومته استناداً إلى الجدارة والمصالح الوطنية لإيران. وتعتبر مواقفه في السياسة الخارجية التي اتخذها حتى الآن امتداداً إلى حد كبير لمواقف روحاني، حيث أعلن رئيسي في مؤتمره الصحافي الأول الذي عقده بعد انتخابه عن دعمه العودة إلى الاتفاقية النووية وتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، والسعي من أجل الحصول على استثمارات أجنبية. وأعلن أنه سيلتقي مع ظريف في غضون أيام من انتخابه.

واتخذ رئيسي مواقف أكثر ليبرالية من الاقتصاد خلال حملته الانتخابية، والتي تناقض الخطابات الشعبوية لبعض زملائه من المحافظين في المنافسة على الرئاسة. والتقى مع غرفة التجارة الإيرانية قبل انتخابه وأخبر أعضاءها أن الاقتصاد لا يمكن إدارته عن طريق التدخل الحكومي. ودعا إلى زيادة الخصخصة، وقال إن الاقتصاد يجب أن تحركه قوى السوق وليس القرارات التي تتخذ في «الغرف المغلقة»، ويُشاع أنه اختار لمنصب وزير الاقتصاد فرهاد رهبار وهو يحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة طهران المرموقة، كما أنه عمل لخمس سنوات في حكومة الرئيس الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني، وعمل في مناصب أخرى في حكومة روحاني، والرئيس السابق محمد أحمدي نجاد.

لا تغييرات جذرية

وبالنسبة للسياسة الخارجية فعلى الأرجح أن رئيسي لن يعمل على إحداث تغييرات جذرية. إذ إن الرئاسة في إيران لا تقرر كل التوجهات الاستراتيجية في السياسة الخارجية لطهران، وإنما تلعب دوراً مهماً في تشكيل من سيجلس على الطاولات التي يتم من خلالها صنع مختلف قرارات الأمن القومي، وتشكيل توافق وإجماع على قرارات الأمن القومي الأساسية، وتؤثر في المرشد الإيراني علي خامنئي. وبالطبع فإن الانقسام الذي كان حاصلاً بين روحاني وظريف والحرس الثوري في ما يتعلق بالسياسة الخارجية سينتهي في ظل رئاسة رئيسي، بالنظر إلى أن الرئيس المنتظر مقرب للغاية من المؤسسة العسكرية. وعلى الرغم من أن ذلك يمكن أن يؤثر في مدى تجاوب رئيسي مع المفاوضات الدائرة مع الغرب، إلا أنه من غير المرجح أن يؤدي إلى تغيير في سياسات إيران الإقليمية.

وثمة تكهنات كثيرة في إيران حول من سيختار رئيسي للمناصب المهمة المتعلقة بالأمن القومي مثل وزير الخارجية، أو وزير المجلس الأعلى للأمن القومي. ويعتقد كثيرون أن سعيد جليلي رئيس المفاوضين النوويين خلال رئاسة أحمدي نجاد، والمعروف في الغرب بعناده وقسوته، هو مرشح أساسي. ولكن جليلي، الذي كان مرشحاً للرئاسة قبل أن ينسحب لصالح رئيسي، كان بينه وبين رئيسي خلافات كبيرة في المناظرات الرئاسية، وهي تتضمن تلك التشريعات النائمة في إيران لإصلاح قطاعها المصرفي انسجاماً مع الإرشادات الصادرة عن قوة العمل المالية الخاصة التي مقرها باريس. ويعتبر جليلي خصماً شرساً للتشريعات، التي تنظم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في الوقت الذي قال فيه رئيسي إنه سيقرر أمرها استناداً إلى مصالح إيران الوطنية.

ويُشاع أيضاً أن علي باغيري يمكن أن يكون منافساً محتملاً على وزارة الخارجية. وكان باغيري عضواً في فريق المفاوضات النووي تحت قيادة جليلي وكان مسؤولاً عن الشؤون الدولية في القضاء الإيراني خلال فترة رئاسة رئيسي لهذا القطاع. وثمة اسم آخر غالباً ما يتم ذكره وهو حسين أمير عبد اللهيان، وهو دبلوماسي مخضرم عمل نائباً لوزير الخارجية للشؤون العربية خلال حكم روحاني وخلال السنوات الأخيرة كان مستشاراً لرئيس البرلمان الإيراني المحافظ محمد باقر قاليباف.

وسيتولى رئيسي الرئاسة الإيرانية في منعطف حاسم بالنسبة لإيران. وتشير مواقفه المعلنة إلى أنه ربما يكون رئيساً براغماتياً بخلاف ما يعتقد الكثيرون، ولكن ماضيه المظلم وقاعدته المبدئية ربما تجعله رئيساً ضعيفاً لا يقوى على القيام بالإصلاحات التي تحتاجها إيران بشدة. وربما أن إيران قد وصلت إلى نقطة اللاعودة من أجل استعادة شرعيتها الشعبية، ولكن رئاسة رئيسي ستكون الاختبار الحاسم الذي سيظهر ما إذا المبدئيون سيتمكنون من إنجاز تحسينات ملموسة لحياة 85 مليوناً من المدنيين الإيرانيين.

سينا توسي ■ باحث ومحلل في المجلس الوطني الإيراني الأميركي

سيحتاج الرئيس الجديد لأن يكون واقعياً في السياسة الداخلية والخارجية، لمعالجة المظالم الواسعة الانتشار للإيرانيين العاديين بنجاح، وتحسين الوضع الاقتصادي. وهو نفسه ليس لديه خلفية لإدارة الحكومة، فهو نتاج النظام القضائي الإيراني التعسفي. وبناء عليه فإن الأشخاص الذين سيوظفهم في إدارته سيكونون هم أوضح دلالة على التوجه الذي ستتبناه رئاسته في حكم إيران.

اتخذ رئيسي مواقف أكثر ليبرالية من الاقتصاد خلال حملته الانتخابية، والتي تناقض الخطابات الشعبوية لبعض زملائه من المحافظين في المنافسة على الرئاسة. والتقى مع غرفة التجارة الإيرانية قبل انتخابه وأخبر أعضاءها أن الاقتصاد لا يمكن إدارته عن طريق التدخل الحكومي.

تويتر