قدم 50 مليار دولار إلى مقديشو منذ عام 1991

سياسات المجتمع الدولي تدفع الصومال نحو الحرب الأهلية

صورة

تواصل الصور المستمدة من فيلمَيْ: «سقوط الصقور السود» و«الكابتن فيليبس»، اللذين يصوران أعمال القرصنة في الصومال، تشكيل الصورة الأميركية للصومال. ولسنين عدة، ظلت هذه الصور تنطوي على الكثير من الظلم. وفي الفترة بين 2010 و2014، وقع أكثر من 350 هجوم قرصنة، أو محاولات هجوم مماثلة، وخلال السنوات التي تلت هذه المرحلة كانت هناك ثماني هجمات. وتحدث معظم هجمات القرصنة في خليج غينيا، حيث يقع 90% من عمليات الاختطاف في بحار العالم. وتعتبر مدينة غارو، عاصمة ولاية بنط لاند أو أرض البنط، التي زرتها الشهر الماضي، آمنة. وتزدهر فيها الأعمال، وأعمال البناء مستمرة دائماً. ويتجول بها السكان المحليون والزوار على السواء، أو يستمتعون بالدخول إلى مقاهيها ومتاجرها، ومطاعمها دون حراسة. وفي ظل رئاسة شيخ أحمد مادوبي لولاية جوبا لاند، التي عاصمتها التجارية كيسمايو، ظلت الولاية في حالة ازدهار أيضاً، حتى لو كانت أقل أماناً من بنط لاند.

فوضى عارمة

لكن العاصمة الوطنية مقديشو، لاتزال في حالة فوضى عارمة. وبالطبع فإن الصوماليين يتحملون المسؤولية النهائية عن تدهور الوضع الأمني في العاصمة مقديشو، ومعظم اللوم في الواقع يقع على المجتمع الدولي، والمقصود هنا واشنطن والأمم المتحدة. ومنذ عام 1991، وحتى الآن، قدم المجتمع الدولي نحو 50 مليار دولار إلى الصومال. وتم تبذير معظم هذه الأموال بلا طائل. وهذا يجب ألا يثير دهشة المؤرخ البريطاني، جون دريسديل، الذي أمضى معظم حياته المهنية في الصومال، وكان يتكلم لغة أهل الصومال بطلاقة، ويقدم المشورة والنصح للعديد من رؤساء حكومات الصومال. وحذر في كتابه، الذي يحمل عنوان «الصومال»، والذي ذكر فيه أن «الانتهازية، وهي الوسيلة الأساسية القديمة المستخدمة من أجل البقاء في ظروف الغابات والأحراش، حولتها الأجيال الجديدة التي تعيش في المدن، إلى استغلال أموال الغرباء»، وكانت هذه النظرية التي أطلقها دريسديل حقيقة.

ولطالما صنفت منظمة الشفافية الدولية الصومال بأنها أكثر دول العالم فساداً. وعلى الرغم من أن السفير الأميركي، دونالد ياماموتو، والدبلوماسي الأميركي السابق جيمس سوان، الذي يترأس بعثة الأمم المتحدة المحلية في مقديشو، قد مارسا ضغوطاً كبيرة من أجل جلب المساعدات لمقديشو وتخفيف الديون عنها، من أجل رعاية وتمكين الحكومة المركزية في مقديشو، إلا أن هذه الاستراتيجية لم تنجح في الصومال. واستخدم الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو الأموال التي قُدمت لحكومته من أجل معاقبة خصومه السياسيين، بدلاً من محاربة الإرهابيين أو بناء الدولة.

تقويض النزاهة

وانتهت فترة حكم فرماجو منذ أسبوعين، بعد أن قام بتقويض نزاهة الانتخابات لأشهر عدة، والتي كان سيتم من خلالها انتخاب خلف له. وعلى الرغم من أن الرئيس الصومالي أكد حقه في التمديد، كما فعل العديد من أسلافه لتنظيم وإدارة الانتخابات الجديدة، فإن فرماجو تصرف من جانب واحد، بدلاً من بناء إجماع واسع لهذه الخطوة. لكن المعارضة رفضت ما قام به الرئيس، ودعت إلى تظاهرات سلمية في وسط مقديشو، فردت قوات فرماجو بإطلاق النار على المتظاهرين، الذين كان من ضمنهم منافسوه الرئيسون.

وفي 21 فبراير، تحدث رئيس ولاية بنط لاند، سعيد عبدالله دني، عن الوضع في الصومال. ويتميز دني باعتباره أكثر السياسيين تأثيراً ونضجاً في الصومال. وحذر بشدة من أن سلوك فرماجو، الذي يبدي المجتمع الدولي قبولاً له حتى الآن، يمكن أن يحول الصومال إلى الفوضى التي كانت سائدة في تسعينات القرن الماضي. وقدمت الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، جميعها، دعماً من أجل التوصل إلى صيغة اتحادية للصومال، والتي من شأنها أن توازن بين الولايات والحكومة المركزية.

تحذير

وبصراحة، فقد كان دني على صواب، فقد عمد ياماموتو وسوان إلى تمكين الفرد على حساب النظام برمته. وحذر رئيس ولاية بنط لاند من أن فرماجو هدد باستخدام قوات خاصة مدربة في القاعدة العسكرية التركية بمقديشو، ضد خصومه السياسيين، وقال دني إنه لن يرضخ، وإن لديه قوات يمكن أن تحمي حكومته المحلية. وفي الواقع، أشار دني إلى أنه منذ وصول فرماجو إلى منصب الرئيس، تقوم القوات الخاصة الصومالية بافتعال المعارك مع أعدائه السياسيين، وليس مع مجموعة إرهابيي تنظيم الشباب، والتي تم إنشاء هذه القوات من أجل محاربتها.

وقال دني إن صدقية المجتمع الدولي أصبحت على المحك، مضيفاً أنه عندما قام مع القادة المحليين الآخرين بتحذير ياماموتو، وسوان، والسفراء الآخرين بشأن قلقهم من تصرفات فرماجو، أو الحصول على المساعدة لوقف انتهاكاته للاتفاقات السابقة، وكان المجتمع الدولي يشير ببساطة إلى قدسية اتفاق 17 سبتمبر، الذي وافق بموجبه فرماجو، وقادة الولايات الخمس، على نموذج غير مباشر للانتخابات المقبلة. لكن دني أشار إلى أن فرماجو رفض قبول نهايته، كما هي في الاتفاق. وفشلت الوساطات، دائماً، عندما كان أحد الأطراف ينتهك الاتفاقيات دون مساءلة. وقال دني إنه مع ذلك فإن القضية لم تعد تتوقف على اتفاق 17 سبتمبر، وإنما على الاتفاق الذي تم التوصل إليه، خلال قمة دوسمبريب، خلال الفترة 1-6 فبراير 2021، واستخدم فرماجو القوة ضد المعارضة.

إن قيام المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة، بتمويل القوات التي يستخدمها فرماجو الآن ضد أعدائه السياسيين، يجعل واشنطن في موقف قوي من أجل التدخل دبلوماسياً، وطرح الأسئلة بشأن الإدارة في ظل ياماموتو، وكل من إدارتي الرئيسين السابقين: باراك أوباما ودونالد ترامب، حول ملفات مكافحة الإرهاب. ولقد أصبح الوضع، الآن، سيئاً جداً، لدرجة أنه لا دني ولا مادوبي يمكنهما السفر إلى مقديشو، خوفاً من أن يقوم فرماجو المتقلب سريعاً بقتلهما.

وفي الحقيقة، إن تصريحات دني لم تكن تنطوي على المبالغة، وإنما كانت تحذيرات فجة. وقد فشل فرماجو، وهو يسعى الآن إلى تقويض الانتخابات، خوفاً من خسارتها. وفشل ياماموتو وسوان أيضاً. ويتصرفان كحاكمين استعماريين، يسعيان إلى دعم زبون لهما، وهما غير مستعدين الآن للاعتراف بالخطأ، ويمكن أن يُقتل الآن عشرات الآلاف من البشر نتيجة غرورهما. ولم يبق لدى المجتمع الدولي ودولة الصومال سوى خيارين: إما الحرب الأهلية أو إرسال فرماجو إلى المنفى. وليس هناك حل وسط بينهما.

مايكل روبن : باحث وكاتب أميركي في «ناشيونال إنترست»


قيام المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة، بتمويل القوات التي يستخدمها فرماجو الآن ضد أعدائه السياسيين، يجعل واشنطن في موقف قوي من أجل التدخل دبلوماسياً.

على الرغم من أن الرئيس الصومالي أكد حقه في التمديد، كما فعل العديد من أسلافه لتنظيم وإدارة الانتخابات الجديدة، فإن فرماجو تصرف من جانب واحد، بدلاً من بناء إجماع واسع لهذه الخطوة.

تويتر