2019 عام الاضطرابات والنزاعات عبر العالم.. سد النهضة في 2019.. توتّر ثم مفاوضات تمهّد للحل

شهدت المنطقة العربية والعالم في عام 2019 العديد من الأحداث الفارقة، منها عزل الرئيس السوداني، عمر البشير، ووفاة الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، وعزل الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، وتفجّر ثورتين شعبيتين في العراق ولبنان، إضافة إلى اعتراف إدارة ترامب بشرعية المستوطنات، واعترافها بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية. ومن الأحداث البارزة الأخرى تفجّر الخلاف حول سد النهضة الإثيوبي، وإجراءات عزل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وتفجر مظاهرات السترات الصفراء في فرنسا، وهونغ كونغ منذ اشهر عدة حتى الآن، والهجوم التركي على شمال سورية، وإجراء انتخابات جديدة في بريطانيا أوصلت بوريس جونسون، المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لرئاسة الوزراء، وغير ذلك من الأحداث.

وقد يواجه الإنسان صعوبة في إيجاد بعض الأحداث الإيجابية بين التقارير التي لا نهاية لها عن الحرب، والهجمات الإرهابية، وتحطم الطائرات، ومشكلات المناخ، والفيضانات والأعاصير، وثوران البراكين، إلى غير ذلك من الأحداث المروعة.

وبما أن هذه الأحداث تؤثر بشكل كبير في واقع المنطقة العربية ومستقبلها، فإننا سنحاول في هذا الملف، الممتد عبر حلقات عدة، تسليط الضوء على أهمها، بغرض التوثيق والاستفادة من الدروس.

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


• من التهديد بالاستعداد للحرب إلى طاولة الحوار

سد النهضة في 2019.. توتّر ثم مفاوضات تمهّد للحل

شهد عام 2019 تراشقاً إعلامياً بين مصر وإثيوبيا، وصل إلى حد التهديد بحشد الملايين والاستعداد للحرب من جانب إثيوبيا، على خلفية أزمة سد النهضة الإثيوبي بين القاهرة وأديس أبابا، إلا أن العام نفسه شهد خلال أسابيعه الأخيرة حلحلة في الأزمة، من خلال العديد من الاجتماعات المشتركة في أكثر من عاصمة، في محاولة أخيرة للحل، والتوصل لاتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا، خصوصاً بعد دخول الولايات المتحدة على خط الأزمة.

ومنذ سنوات تشعر مصر بقلق من احتمال أن يؤثر سد النهضة، الذي تشيده إثيوبيا قرب حدودها مع السودان، في مواردها الشحيحة بالفعل من مياه النيل، الذي تعتمد عليه بشكل شبه كامل.

وبعد سنوات من محادثات ثلاثية مع إثيوبيا والسودان، قالت مصر إنها استنفدت الجهود الرامية للتوصل إلى معاهدة على شروط تشغيل وملء خزان السد، فيما تقول إثيوبيا إن السد سيقوم بدور حاسم في تنميتها الاقتصادية، ونفت أن تكون المحادثات قد جمدت، متهمة القاهرة بأنها تحاول التهرب من المفاوضات.

وقال رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، في 22 أكتوبر الماضي، إن أديس أبابا لن تتوقف عن بناء السد.

وأثار آبي - الذي فاز بجائزة نوبل في الشهر نفسه، لدوره في صنع السلام مع إريتريا بعد عداء طويل - احتمال نشوب حرب بسبب المشروع، قائلاً: «إذا كنا سنحارب فإننا نستطيع نشر ملايين كثيرة (من المقاتلين)، لكن الحرب ليست حلاً»، وانتقدت مصر تعليقات آبي ووصفتها بأنها «غير مقبولة».

وقالت وزارة الخارجية المصرية: «عبّرت مصر عن صدمتها ومتابعتها بقلق بالغ وأسف شديد، التصريحات التي نُقلت إعلامياً ومنسوبة لرئيس الوزراء آبي أحمد أمام البرلمان الإثيوبي».

وفي وقت لاحق من الشهر نفسه أيضاً، اجتمع الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، برئيس وزراء إثيوبيا في قمة روسية - إفريقية، في جو أزال بعضاً من التوتر. واقترحت مصر الاحتكام لوسيط خارجي، قد يكون البنك الدولي أو الولايات المتحدة، لحل النزاع، وكانت إثيوبيا رفضت الوساطة في السابق.

واتفقت مصر والسودان وإثيوبيا، على عقد أربعة اجتماعات فنية، بحضور وزراء خارجية الدول الثلاث، يتخللها اجتماعان في الولايات المتحدة، لمتابعة وتقييم سير المفاوضات الفنية، سعياً لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث، للوصول إلى توافق بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، والخطوات اللازمة من أجل التوصل إلى اتفاق قبل 15 يناير 2020.

وتم عقد الاجتماع الأول في إثيوبيا، يومي 15 و16 نوفمبر 2019، فيما عقد الاجتماع الثاني بالقاهرة يومي الثاني والثالث من ديسمبر الجاري، بالإضافة إلى عقد اجتماع يوم التاسع من ديسمبر في واشنطن، بحضور وزراء الموارد المائية والخارجية من الدول الثلاث، ثم اجتماع الخرطوم يومي السبت والأحد الماضيين.

«تقارب» بشأن السد

وعقب انتهاء اجتماع الخرطوم الأخير، قال وزير الري والموارد المائية السوداني، ياسر عباس، إن تقارباً حدث في وجهات النظر بين مصر وإثيوبيا والسودان، حول ملء خزان سد النهضة الذي تقيمه إثيوبيا على النيل الأزرق، وتشغيل السد.

وصرح عباس للصحافيين، بعد اجتماع مع نظيريه المصري محمد عبدالعاطي، والإثيوبي سيلشي بيكيلي، في الخرطوم: «تم تقديم مقترحات من الدول الثلاث حول ملء البحيرة وتشغيل السد، وحدث تقارب».

وأضاف الوزير السوداني: «تم الاتفاق على أخذ المواقف الجديدة، كل على حدة، لمناقشتها في الاجتماعات بأديس أبابا».

ومن المنتظر أن تلتقي الأطراف الثلاثة في العاصمة الإثيوبية في التاسع 10 من يناير المقبل.

وقال عباس إن الدول الثلاث اتفقت أيضاً على تعريفات الجفاف والتشغيل في الجفاف.

وأضاف «هناك تقارب بصورة عامة، وهناك اختلاف في وجهات النظر في بعض المواقف، وتقدم السودان في الاجتماع باقتراح حدد سنوات الملء، وأضفنا تعريفات للجفاف وتعريفات للجفاف المستمر».

نقاط خلاف مهمة

ورغم تصريحات عباس، لاتزال نقاط خلاف مهمة لم تحسم بعد، وهي قواعد ملء وتخزين بحيرة السد، التي تعد محور الخلاف الرئيس في المفاوضات حتى الآن، خصوصاً أن الاجتماعات السابقة قد شهدت سجالاً بين الطرفين حول فترة ملء خزان السد، حيث شهدت توافقاً إثيوبياً وسودانياً مبدئياً على مدة سبع سنوات، على أن يكون حجم التصريف السنوي بين 31 و35 مليار متر مكعب من مياه السد سنوياً، فيما ترى مصر ألا يقل التصريف السنوي من مياه السد عن 40 مليار متر مكعب، موضحين أن هناك نقطة خلاف أخرى، هي أن مصر تطالب بألا يقل منسوب المياه في بحيرة السد العالي عن 165 متراً فوق سطح البحر، لتحقيق حد أدنى لإنتاج كهرباء السد العالي، ولتوفير مخزون استراتيجي للتعامل مع سنوات الجفاف الممتد.

في المقابل تعترض إثيوبيا، بحجة أن السد العالي على النيل الرئيس، بينما سد النهضة على النيل الأزرق فقط، وترى أيضاً أن تشغيل سد النهضة يجب ألا يرتبط بالسد العالي، وتوقع المراقبون أن يتم منح الدول الثلاث مهلة جديدة قصيرة لحسم النقاط الخلافية، بيد أن أديس أبابا ترى أن الوفد المصري يحاول فرض رغبته غير المعقولة على البلدين، وحول الطلب المصري ألا يقل منسوب مياه السد العالي عن 165 متراً، قال مسؤول إثيوبي إن هذا الطلب غير مبرر وغير علمي، معتبراً أن مصر لا تريد بهذه العملية مكاسب مربحة لجميع البلدان، وأنها تهدف إلى دفع المفاوضات نحو عملية سياسية بحثاً عن حل سياسي لمشكلة فنية يجب حلها تقنياً وعلمياً.

تويتر