انخرطت في خلافات جديدة.. وجمعت بين الأضداد

سياسات تركيا المرتبكة والمتناقضة صعَّدت أزماتها الخارجية

أنقرة انخرطت في خلافات.. في مقدمتها التصعيد المتواصل بين إيران والولايات المتحدة. إي.بي.إيه

ربما لم تواجه تركيا هذا الكم من الأزمات الخارجية، في أي مرحلة مضت، مثلما تبدو في المرحلة الحالية، وهو ما يعود، في قسم منه، إلى محاولاتها تبني خيارات متناقضة في وقت واحد. ورغم أنها تسعى عبر ذلك إلى توسيع هامش المناورة وحرية الحركة المتاح أمامها، للتعامل مع الأطراف الأخرى المعنية بأزمات المنطقة والمنخرطة فيها، فإنه يفرض، في بعض الأحيان، مواقف مرتبكة وسياسات متناقضة، على نحو يؤدي إلى تصعيد حدة الضغوط الخارجية، التي تواجهها في هذه المرحلة.

اعتبارات عدة

يمكن تفسير أسباب اتساع نطاق الأزمات الإقليمية والدولية، التي تواجهها تركيا حالياً في ضوء اعتبارات عدة أبرزها:

1- الجمع بين الأضداد:

وهي سياسة حاولت تركيا تبنيها في أكثر من ملف إقليمي، وكان أبرزها الملف السوري. إذ حاولت تركيا أن تواصل تفاهماتها الأمنية والسياسية مع روسيا وإيران من جهة، والولايات المتحدة والدول الغربية من جهة أخرى.

بل إنها رغم معارضتها الظاهرة للنظام السوري، ألمحت أكثر من مرة إلى إمكانية فتح قنوات مع الأخير، حيث وضعت شروطاً بدت أقل حدة، مقارنة بما كانت تتبناه في بداية تصاعد حدة الأزمة السورية في مارس 2011.

إذ بدا أن توازنات القوى في سورية تميل لصالح النظام السوري وحلفائه، على نحو انعكس في تزايد مساحة الأراضي التي يسيطر عليها الأخير إلى 60% من المساحة الإجمالية لسورية، مقابل 30% للميليشيات الكردية، و10% للفصائل التي تدعمها تركيا، وفقاً لبعض التقديرات.

2- الخيارات الصعبة:

تسعى أنقرة، في أحيان عدة، إلى تبني خيارات متناقضة للخروج بأكبر قدر من المكاسب الاستراتيجية، إلا أنها تواجه ضغوطاً مقابلة من جانب الأطراف الأخرى، المنخرطة في تفاعلات ثنائية معها حول بعض الملفات التي تحظى باهتمام مشترك من جانبها.

وقد انعكس ذلك في محاولاتها استخدام صفقتها مع روسيا لشراء منظومة صواريخ «إس 400»، وربما التهديد بشراء مقاتلات «سو 57»، لممارسة ضغوط على واشنطن في ما يتعلق بصفقة شراء مقاتلات «إف 35»، والدعم المقدم للميليشيات الكردية.

إذ بدا أن الأخيرة حرصت بدورها على توجيه رسائل مضادة، بأنها يمكن أن تفرض إجراءات عقابية في حالة ما إذا اتخذت أنقرة مزيداً من الخطوات في هذا السياق.

فبالتوازي مع انعقاد المؤتمر السنوي الـ37 للعلاقات التركية الأميركية في واشنطن، في 15 أبريل الجاري، بدأ بعض المشرعين بالكونغرس الأميركي في إعداد مشروع، يمكن أن يصل إلى حد المطالبة بوقف صفقة تسليم تركيا مقاتلات «إف 35»، ومنعها من المطالبة بالتعويض، باعتبار أنها، وفقاً لرؤية هؤلاء المشرعين، خالفت شروط عقد المشاركة في برنامج إنتاج الطائرة.

3- الانخراط في خلافات جديدة:

ويأتي في مقدمتها التصعيد المتواصل بين إيران والولايات المتحدة، والذي بدأ مع انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي، بالتوازي مع إعادة فرض عقوبات أميركية على طهران، وانتهى بقرار تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية أجنبية.

وهنا، فإن هذا التصعيد قد يضيف ملفاً جديداً إلى قائمة الملفات الخلافية العالقة بين واشنطن وأنقرة. فمع أن الطرفين حاولا في الفترة الماضية احتواء هذا الخلاف، خصوصاً بعد أن سمحت الأولى للثانية بالاستمرار في استيراد النفط الإيراني، في إطار المهلة التي منحتها لثماني دول مستوردة له، إلا أن هذا الاحتواء قد لا يستمر، وربما يبرز هذا الملف من جديد في مايو المقبل، حيث لا تبدي الإدارة الأميركية استعداداً، حتى الآن، لتمديد هذه المهلة، رغم أن كل الاحتمالات لاتزال واردة.

وقد بدأت أنقرة في توجيه إشارات، بأنها ستتبنى مواقف مغايرة في حالة ما إذا واصلت واشنطن إجراءاتها العقابية ضد طهران، على نحو انعكس في معارضتها لقرار تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية أجنبية، إلا أن إصرار واشنطن على فرض ضغوط أقوى على طهران، خلال المرحلة القادمة، قد لا يتيح هامشاً واسعاً من حرية الحركة أمام أنقرة.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن المعطيات التي تنتجها التطورات السياسية والأمنية، التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تفرض خيارات محدودة على تركيا، بشكل سيؤثر في اتجاهات سياستها الخارجية، خلال المرحلة المقبلة.


- المعطيات التي تنتجها التطورات السياسية

والأمنية، التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط،

تفرض خيارات محدودة على تركيا.

تويتر