بعضهم يرى ان «السجل الوطني للمواطنين» يحاول القضاء عليهم

اختبار المواطنة يزلزل المسلمين الناجين من مذبحة في الهند

صورة

لايزال عبدول سوبان يحاول إثبات أنه مواطن هندي، بعد انقضاء 36 سنة على فقدان والديه وشقيقته وابنة في الرابعة من العمر، في واحدة من أسوأ المذابح الطائفية في الهند.

وسوبان واحد من مئات الآلاف من المسلمين الناطقين باللغة البنغالية، المصنفين ضمن «الناخبين المشكوك فيهم» الذين لن يجدوا أسماءهم في كشوف السجل الوطني للمواطنين، الذي تنشره ولاية آسام في شمال شرق الهند اليوم.

وقال سوبان البالغ من العمل 60 عاماً: «إذا قررت الحكومة أن تصفنا بأننا أجانب، فما الذي يمكننا أن نفعله؟ السجل الوطني للمواطنين يحاول القضاء علينا، أهلنا ماتوا هنا لكننا لن نرحل عن هذا المكان».

وكان سوبان يجلس في بيته مع زوجته على بعد بضع مئات الأمتار من حقل الأرز الكبير الذي تعرض فيه العشرات للمطاردة والقتل في 1983، على أيدي حشود من الغوغاء مسلحة بالمناجل وعازمة على القضاء على المهاجرين المسلمين.

وقد نجا من الموت بالجري بأقصى سرعة والاختباء في دغل أيام عدة.

تسارعت وتيرة العمل في سجل المواطنين، في ظل حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي، بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

ويقول منتقدون إن وتيرة حملة «الهندوس أولاً» التي يشنها حزب بهاراتيا جاناتا، اشتدت مع اقتراب الانتخابات العامة في 2019، فركز على قاعدته الأساسية ببرامج حاسمة، مثل اختبار المواطنة في ولاية آسام، التي تكثر فيها التوترات العرقية والدينية.

وفي مناطق أخرى بشمال البلاد، كثرت حوادث قتل تجار الماشية المسلمين في عهد مودي، في بلد يقدس كثير من الهندوس البقر، الأمر الذي عمق الخلافات الاجتماعية.

ونفى الحزب الحاكم أي صلة بين حوادث القتل وتوليه السلطة في البلاد. وتحدث مودي علانية مرتين مبدياً معارضته للجان الشعبية التي تطارد تجار البقر.

قبر جماعي

وروى ناجون آخرون من مذبحة نيلي، التي راح ضحيتها نحو 2000 فرد من أكثر من 10 قرى، كيف دفنوا جثث القتلى في قبر جماعي أصبحت المياه تغمر جزءاً منه الآن.

وقالوا إنهم يرجون ألا يؤدي نشر السجل الوطني للمواطنين، اليوم، إلى مزيد من العنف. وشددت السلطات إجراءات الأمن في مختلف أنحاء ولاية آسام.

واختبار الجنسية هو ذروة سنوات من الثورات التي شابها العنف في كثير من الأحيان، من جانب سكان الولاية المطالبين بإبعاد الغرباء، الذين يتهمونهم بالاستحواذ على الوظائف، والضغط على الموارد في الولاية التي يبلغ عدد سكانها 33 مليون نسمة، وتشتهر بمزارع الشاي وحقول النفط.

وقال المستشار القانوني لرئيس وزراء الولاية من حزب بهاراتيا جاناتا، سانتانو بهارالي: «السجل الوطني للمواطنين في غاية الأهمية لإشعار أهل آسام بالحماية»، وأضاف: «هو انتصار معنوي، فقد أصر الآساميون العرقيون دائماً على وجود الأجانب، وهذا سيثبت ذلك».

ألاعيب سياسية طائفية

تعين على كل سكان الولاية تقديم وثائق تثبت أنهم أو أفراد أسرهم كانوا يعيشون في البلاد قبل 24 مارس 1971، وذلك لإثبات أنهم مواطنون هنود.

قال سوبان إنه ووالده من مواليد الولاية، وعرض على مراسل «رويترز» وثيقة صفراء متسخة، تبين أن اسم والده كان ضمن قوائم الناخبين في آسام عام 1965.

وامتنعت شرطة الحدود المحلية عن مناقشة حالات بعينها، لكنها قالت إن بعض الوثائق التي يقدمها الأفراد الذين يعتقد أنهم مهاجرون غير شرعيين ليست سليمة.

وكان مئات الآلاف قد فروا من بنغلاديش إلى الهند، خلال حرب الاستقلال عن باكستان التي ساندتها الهند في أوائل السبعينات. واستقر معظمهم في ولاية آسام التي يبلغ طول حدودها مع بنغلاديش نحو 270 كيلومتراً. وكان كثير من المهاجرين من الهندوس، غير أن مودي أصدر أوامر تنص على عدم اعتبار أي هندوسي أو فرد من الأقليات الأخرى في باكستان أو بنغلاديش مهاجراً غير شرعي، حتى إذا دخل البلاد دون وثائق سليمة قبل عام 2014.

وقال عضو مجلس النواب عن حزب «المؤتمر»، ريبون بورا: «الهدف الوحيد لحزب بهاراتيا جاناتا هو تنفيذ الألاعيب السياسية الطائفية، بما في ذلك السجل الوطني للمواطنين».

وقال حزب بهاراتيا جاناتا إن السجل الوطني للمواطنين يخضع لرقابة أرفع محاكم البلاد، وإن التمييز على أساس الدين غير وارد.

وفي أعقاب انتقادات من جانب جماعات حقوقية عن استهداف المسلمين في آسام، قال وزير الداخلية، راجناث سينغ، إن العمل يجري بأسلوب حيادي وشفاف في السجل الوطني للمواطنين.

كما أكد سينغ من جديد أن من لا يجدون أسماءهم في القائمة يمكنهم تقديم اعتراضات وطعون، وقال إن السلطات لن تزج بهم في مراكز اعتقال.

ويقول معارضون إن حكومة مودي، التي تواجه استياء لعدم تحقيق وعودها في ما يتعلق بالوظائف والرخاء، ستعمد إلى تصعيد التعبئة الدينية في مختلف أنحاء البلاد.

الخوف في الريف

أكدت المسودة الأولى للسجل الوطني، التي نشرت في 31 ديسمبر الماضي، أن عدد المواطنين يبلغ 19 مليوناً، الأمر الذي أبهج البعض وأثار الحسرة في نفوس البعض الآخر.

غير أن مكتب السجل الوطني أبلغ المحكمة العليا، هذا الشهر، أن 150 ألفاً ممن وردت أسماؤهم في القائمة الأولى، ثلثهم من النساء المتزوجات، سيسقطون من النسخة التالية وذلك لأسباب على رأسها أنهم قدموا معلومات زائفة أو وثائق غير مقبولة.

ويقول ناشطون سياسيون في آسام إن أغلب هؤلاء من المسلمين الناطقين باللغة البنغالية. وامتنع رئيس السجل الوطني، براتيك هاجيلا، الذي تحققت إدارته من 66 مليون وثيقة، وأنفقت ما يقرب من 180 مليون دولار على المشروع، عن التعليق على ديانة من تم استبعادهم من السجل.

وقال هاجيلا، الذي تتولى فرقة من الشرطة حراسته على مدار الساعة: «نحن نؤدي مهمة غير مسبوقة، وبالطبع إذا كان الأمر يتطلب تصحيحات فسيتعين علينا أن نفعل ذلك».

وأضاف أن أغلب الناخبين المشكوك بهم في آسام، وعددهم 126 ألفاً ونحو 150 ألفاً من نسلهم، سيستبعدون من السجل الوطني تنفيذاً لأمر قضائي.

وأحد هؤلاء هو نابي حسين (28 عاماً) ابن سوبان، المزارع في نيلي، الذي قال إنه أدلى بصوته في الانتخابات الهندية مرتين وأصبح الآن يخشى اعتقاله.

قال حسين، بينما كانت زوجته تطل من بيتهما المبني بالخيزران المغطى بالطين، وهي تحمل ابنتهما ذات التسعة أشهر بين ذراعيها: «نحن خائفون، حدثت لأسرتنا فظائع مُرّة ولا نريدها أن تتكرر».


اختبار الجنسية هو ذروة سنوات من الثورات التي شابها العنف في كثير من الأحيان من جانب سكان الولاية المطالبين بإبعاد الغرباء، الذين يتهمونهم بالاستحواذ على الوظائف، والضغط على الموارد في الولاية/ التي يبلغ عدد سكانها 33 مليون نسمة، وتشتهر بمزارع الشاي وحقول النفط.

يقول معارضون إن حكومة مودي، التي تواجه استياء لعدم تحقيق وعودها في ما يتعلق بالوظائف والرخاء، ستعمد إلى تصعيد التعبئة الدينية في مختلف أنحاء البلاد.

تويتر