الحركة القومية قد تتسبب في عزلة أنقرة

تركيا بعد الانتخابات تواجه خلافات داخلية وعلاقات متوترة مع الغرب

تحالف حزب العدالة مع القوميين قد لا يدوم طويلاً. أرشيفية

تمخضت انتخابات الـ24 من يونيو في تركيا عن نظام دستوري جديد له تداعيات مهمة على الدور الدولي للبلاد. وأصبح رجب طيب اردوغان أول رئيس تنفيذي منتخب من قبل الشعب في تركيا بنسبة 53٪ من الأصوات، وسوف يتمتع بمجموعة من الصلاحيات التنفيذية ومسؤولية كاملة وحصرية عن صنع السياسة، وسوف يكون مسؤولاً عن إدارة السياسة الخارجية، أيضاً، على خلاف النظام السابق، إذ كان رئيس الوزراء يتولى السلطة التنفيذية.

أحد التحديات

الأساسية على

المدى القريب

بالنسبة للدبلوماسية

التركية، هو بناء ثقافة

مؤسسية جديدة

قادرة على إدارة

عملية «التسييس»

هذه ضمن الصف

الدبلوماسي، دون

تعريض سلامة

وأداء الخدمة

الخارجية

للخطر.


كلفة الإقصاء الكامل

من الغرب ستكون

باهظة بالنسبة

للاقتصاد التركي، الذي

يعتمد بشكل كبير على

تمويل دولي تصل

قيمته إلى 250 مليار

دولار في السنة.

هذا التحول الشامل سيكون له تأثير كبير على السياسة الخارجية، ولسنوات عدة، كانت بعثات الخارجية التركية تتألف بشكل حصري من دبلوماسيين مهنيين رسموا وأداروا تنفيذ سياسة تركيا الخارجية. وهكذا كان يُنظر إلى وزارة الخارجية باعتبارها واحدة من الركائز الثلاث الرئيسة للدولة التركية جنباً إلى جنب مع الجيش ووزارة المالية؛ وهي مؤسسات تميزت بالولاء للأمة بدلاً من الحزب الحاكم، ومنذ بداية فترة رئاسة أردوغان الأولى في عام 2014، فقدت وزارة الخارجية تدريجياً نفوذها لصالح المؤسسة التنفيذية.

اتجاه متسارع

هذا الاتجاه سوف يتسارع مع الانتقال إلى نظام رئاسي، ومن المرجح أن يتم إعادة تشكيل السلك الدبلوماسي التركي على غرار النظام الأميركي، مع مجموعة من التعيينات السياسية والمسؤولين الوظيفيين. وستحل إعادة تصميم الإدارة هذه، أيضاً، محل المنصب البيروقراطي لوكيل الوزارة الدائم في جميع الوزارات التي لديها نواب وزراء معينون سياسياً. إن أحد التحديات الأساسية على المدى القريب بالنسبة للدبلوماسية التركية هو بناء ثقافة مؤسسية جديدة قادرة على إدارة عملية «التسييس» هذه ضمن الصف الدبلوماسي دون تعريض سلامة وأداء الخدمة الخارجية للخطر.

بالإضافة إلى هذا التحول الهيكلي، ستتأثر السياسة الخارجية التركية، أيضاً، بنتيجة انتخابية أخرى: فقدان حزب العدالة والتنمية الحاكم أغلبيته البرلمانية الصريحة. وحتى مع تناقص دورها في ظل الدستور الجديد، فإن السيطرة على البرلمان أمر حاسم من أجل الأداء الفعال للنظام السياسي، وسيكون الحليف الجديد لحزب العدالة في البرلمان هو شريكه في المستقبل - حزب الحركة القومية. ولكن هذا التحالف لن يقتصر على الشؤون البرلمانية، وستستفيد الحركة من موقعها كصانع للملوك وستسعى للتأثير على صياغة جميع السياسات. هذا التحالف الضمني مع القوميين سيخلق مجموعة جديدة من الصعوبات لأردوغان في السياسة الخارجية.

القومية التركية

وتعرف الحركة القومية بتركيزها الشديد على القومية التركية. في الداخل، تقدم ضمن جدول أعمالها أولويات الأمن القومي على الحريات الشخصية، وقد عارض الحزب رفع حالة الطوارئ التي فرضت منذ الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، على الرغم من أن التقارير الأخيرة تشير إلى أن الرئيس يخطط لرفعها، كما تطالب الحركة بتبني نهج أكثر صرامة تجاه المشكلة الكردية. وبالنسبة لقيادة الحركة، يمكن التضحية بالحريات الديمقراطية بسهولة من أجل القانون والنظام، ونظرتها للعالم يتم إعلامها من خلال اعتقاد راسخ بأن تركيا ليس لديها أصدقاء على المستوى الدولي.

إن الشكوك العميقة التي تراود الحركة في ما يخص العلاقات الدولية، تعززها عقلية الحصار التي تعتبر المصالح الوطنية التركية تحت تهديد دائم من قبل جهات أجنبية. وعلى عكس حزب العدالة والتنمية، الذي تعود جذوره إلى الإسلام السياسي، وينظر أساساً إلى الغرب على أنه «الآخر» الأيديولوجي، فإن رؤية الحزب القومي أقل تمييزاً.

إن التحالف مع حزب الحركة القومية سيحد بشدة من قدرة أردوغان على المناورة حول القضية الكردية، إذ إن النظرة الأمنية ستحدد خيارات التسوية السياسية. وتريد تركيا منع ظهور منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتي ومستقلة في سورية، ويؤثر هذا الهدف الأساسي أيضاً على علاقات تركيا مع الولايات المتحدة، وسوف تصبح السياسة الخارجية التركية المتأثرة بنظرة الحركة القومية أكثر تصادمية بشأن قضية الدعم الأميركي للجماعات الكردية السورية، بما في ذلك وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي، اللذان ينظر إليهما على نحو مبرر في تركيا على أنهما مرتبطان بحزب العمال الكردستاني، المصنف لدى أنقرة ككيان إرهابي.

أكثر رجعية

سيقود تأثير الحزب القومي إلى سياسة خارجية تركية أكثر رجعية، حيث من المرجح أن تتصاعد الخلافات، وسيعزز تبنّي الحزب، الذي يقترن بمستوى حاد من العداء لأميركا، الجهود لإدارة الخلافات الثنائية القائمة، مثل حالة رجل الدين المنفي في ولاية بنسلفانيا فتح الله غولن والعقوبات الأميركية المقترحة ضد تركيا؛ ومسألة استحواذ أنقرة المخطط لأنظمة الدفاع الجوي «إس 400» من روسيا. أما إمكانية فرض غرامة صارمة ضد بنك «هالك بنك» المملوك للدولة بسبب انتهاكات سابقة للعقوبات على إيران، مع رفض أنقرة الامتثال لمجموعة العقوبات الثانوية المتجددة، فهي مجالات أخرى من المحتمل أن تتصاعد.

في المقابل، سوف تصبح علاقة تركيا مع أوروبا أكثر تعقيداً أيضاً، فالقوميون يشككون بشدة في حملة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وخلال الحملة الانتخابية الأخيرة، دعت قيادة حزب الحركة القومية إلى إنهاء هذه التطلعات. وحتى إذا لم تكن حكومة أردوغان عازمة بالضرورة على إنهاء محادثات الانضمام إلى الاتحاد، فإن ذلك سيؤدي إلى غياب التصميم والدعم لأي أجندة إصلاحية ديمقراطية واسعة النطاق من قبل الشركاء المختارين في البرلمان.

إن التقدم في مسألة الانضمام مشروط الآن بإجراء إصلاح ديمقراطي واستعادة كاملة لسيادة القانون، وقد وسع أحدث بيان للاتحاد الأوروبي بشأن تركيا، صدر في 26 يونيو، هذه الشروط إلى ما هو أبعد من إطار محادثات الانضمام، بالدعوة إلى بداية جولة جديدة من المفاوضات التجارية، وسيستمر تأجيل إلغاء التأشيرات للمواطنين الأتراك الذين يدخلون الاتحاد لأن تركيا ستواصل، على الأرجح، مقاومة إجراء أي تغيير في تشريعات مكافحة الإرهاب، التي قمعت حرية التعبير في البلاد، وستتبخر آفاق تسوية النزاع القبرصي بفضل وجود حركة القوميين في الحكم، التي تعتبر أي صفقة خيانة.

معاملات روتينية

في ظل هذه الظروف، قد تقتصر العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي على معاملات روتينية، لا تغطي سوى عدد قليل من المجالات ذات الاهتمام المشترك ـ مثل اتفاق اللاجئين ـ التي تلتزم بها تركيا، مقابل المساعدات المالية من خلال إبقاء أكثر من 3.5 ملايين لاجئ سوري على أراضيها، ومنعهم من التحرك عبر الحدود الأوروبية. إن تضييق التعاون مع الاتحاد سيقود الأتراك إلى التشكيك في هذه العلاقات، وسيتعين في نهاية الأمر التخلي عن المطالبة بالانضمام. وفي ظل غياب إطار بديل لهيكلة مستقبل تعاوني، سيكتمل التباعد السياسي التركي عن الاتحاد الأوروبي.

إن كلفة الإقصاء الكامل من الغرب ستكون باهظة بالنسبة للاقتصاد التركي الذي يعتمد بشكل كبير على تمويل دولي تصل قيمته إلى 250 مليار دولار في السنة، كما يرتبط نمو تركيا ارتباطاً وثيقاً بالوصول إلى الأسواق الغربية وتدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتكنولوجيا؛ لذا فمن نواحٍ عدة، إرث الأجيال السابقة من القادة الأتراك الذين اختاروا عن وعي دفع اندماج تركيا الاقتصادي مع الغرب، قد يثبت حتى الآن أنه العامل الأقوى الذي يبقي البلاد متصلة بالغرب، على الرغم من النظرة السياسية القاتمة.

فك الارتباط التركي مع الغرب ليس أمراً مفروغاً منه، فهذه هي النتيجة المحتملة لتزايد تأثير حزب الحركة القومية على السياسة الخارجية التركية، ولكن في نهاية المطاف سوف تعتمد علاقات تركيا المستقبلية مع الولايات المتحدة وأوروبا على ما إذا كانت قيادة الحزب القومي تفضل استخدام نفوذها السياسي لتحقيق أهداف السياسة الداخلية أو الخارجية، وسوف يعتمد أيضاً على كيفية اختيار أردوغان لإرضاء الطموحات السياسية لهذا الحزب الحليف. وفي النهاية، يمكن لحزب الحركة القومية المتشدد أن يجبر إدارة أردوغان على التخلي عن شريكها والبحث عن تحالفات جديدة في البرلمان. هذا التوازن الناجم عن الصراع الداخلي الناشئ على السلطة بين الرئيس وقيادة الحركة، سيحدد اتجاه السياسة الخارجية لتركيا.

تويتر