«الحرب التجارية» تثير المخاوف لدى الناس العاديين ومجتمع رجال الأعمال

احتجاجات «بازار طهران» تدل على وجود صراع سلطة في إيران

صورة

أغلق المئات من التجار في الشوارع المقببة في بازار طهران الكبير متاجرهم، قبل أيام، احتجاجاً على انهيار العملة، حيث قال حلفاء للرئيس الإيراني، حسن روحاني، المعتدل، إن المتشددين في إيران وراء هذا الانهيار، في مسعى منهم للإطاحة بروحاني من الحكم. وكان شاب قد قال لأصحاب المتاجر «أغلقوا، أغلقوا متاجركم، تعاونوا معنا»، وقال أحد تجار الذهب بالجملة، رفض الكشف عن اسمه: «تم إجبارنا على إغلاق متاجرنا، وكان خصوم روحاني قد أرسلوا رجالهم إلى البازار، ويبدو أن ثمة خطة لجعل روحاني ضحية الأزمة الحالية».

أصيبت مراكز التسوق، التي تعتمد على البضائع الاستهلاكية المستوردة، بصدمة

كبيرة، عندما تم حظر الاستيراد خلال ليلة وضحاها، الأسبوع الماضي. وفي الوقت

ذاته، سحب العديد من الأشخاص مدخراتهم وقاموا بشراء الذهب والعقارات

والسيارات، في محاولة للحفاظ على قيمتها.


من غير الواضح ما

إذا كان المتشددون،

الذين يدينون بولاء

أعمى لخامنئي، يحاولون

في حقيقة الأمر

الضغط عليه

للموافقة على تغيير

مبكر للحكومة.

ولايزال القائد الأعلى

مؤيداً لروحاني حتى

الآن، وكذلك فريقه،

من خلال خطاباتهم

العامة.

وعندما بدأ بضع عشرات من المحتجين يطلقون شعارات مناهضة للحكومة، ويقولون «العدو هنا، إنه النظام، إنهم يكذبون عندما يقولون إنه الولايات المتحدة»، وقف رجال مكافحة الشغب على الحياد. وقامت وسائل الإعلام المتشددة بإجراء تغطية كاملة للإضراب.

وكان هذا البازار قد لعب دوراً حاسماً خلال الثورة الإسلامية التي اندلعت عام 1979، عندما انضم التجار إلى رجال الدين للإطاحة بالشاه، محمد رضا بهلوي. ولكن التجار لم يعد لديهم مثل هذه القوة، وإن كان البازار من الناحية الرمزية يعني الكثير بالنسبة للإيرانيين.

والغريب أن روحاني لم يفعل الكثير إزاء ما حدث، وكأن الحكومة تريد أن تُخرج هذه الأزمة عن السيطرة، الأمر الذي يجعل المتشددين يقبلون بتقديم تنازلات كبيرة. ويقول المحللون إنه في هذه المرة وصلت الأمور إلى ذروة صراع كبير على السلطة، بين دعاة الإصلاح المتحالفين مع روحاني، والمتشددين المنحازين إلى نخبة حراس الثورة والنظام القضائي. وثمة شائعات تفيد بأنه يمكن أن يتدخل الجيش من أجل السيطرة على الحكومة.

وعلى الرغم من أن كبار قادة إيران يظهرون توحدهم ضد الولايات المتحدة، التي انسحبت، الشهر الماضي، من الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه في عام 2015، كما أنها تهدد إيران بمزيد من العقوبات الجديدة، إلا أن ثمة خلافات أساسية على مستقبل النظام الديني، وأي مفاوضات مستقبلية مع «عدو إيران اللدود».

وطالب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إيران بوقف التدخل في دول الشرق الأوسط، والتخلي عن برنامج صواريخها البالستية. لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام المفاوضات طالما أن طهران توقفت عن التدخل في قضايا دول المنطقة. وتظهر إيران تحديها للعالم على الملأ، لكن المحللين تساورهم الشكوك في قدرتها على مقاومة العقوبات القاسية لفترة أطول.

وقال محلل سياسي إصلاحي: «يبدو أن المتشددين يعتقدون أنه ربما ليست لديهم خيارات سوى التفاوض مع الولايات المتحدة، ولكنهم لا يريدون أن يكون روحاني هو من يفعل ذلك»، وأضاف «إنه من الغريب أن روحاني لا يفعل شيئاً الآن، وكأن الحكومة تريد خروج الأزمة عن السيطرة، الأمر الذي يجبر المتشددين على قبول تقديم تنازلات كبيرة».

ومن المتوقع تدهور وضع الاقتصاد الإيراني كثيراً، وستقوم الولايات المتحدة بفرض عوائق جديدة على قدرة إيران لشراء الدولار الأميركي، إضافة إلى أي تجارة دولية بالذهب، والفحم، والحديد، والسيارات، والعملة، والديون الإيرانية. وفي وقت لاحق من العام الجاري ستفرض واشنطن عقوبات على تصدير الطاقة، والنفط الإيراني وعلى السفن التي تشحنه، وكذلك الموانئ التي تستقبله، والمصارف المركزية التي تتعامل معها.

وأثارت هذه الحرب «التجارية»، كما يحلو للمسؤولين الإيرانيين تسميتها، المخاوف لدى الناس العاديين، ومجتمع رجال الأعمال. ويتوقع كثيرون مزيداً من الآلام والمصاعب خلال الأشهر المقبلة، عندما ستصبح العقوبات الجديدة سارية المفعول. وهبطت قيمة العملة الإيرانية، وهي الريال، بنسبة 50% مقابل الدولار في الأسواق المفتوحة هذا العام.

إجراءات طارئة

وأصدرت الحكومة إجراءات طارئة تقضي بتخصيص القطع الأجنبي فقط لواردات السلع الأساسية، وفرضت حظراً على استيراد مئات السلع، بما فيها السيارات، حيث أدت هذه الإجراءات إلى ارتفاع أسعار العديد من المنتجات. وأصيبت مراكز التسوق التي تعتمد على البضائع الاستهلاكية المستوردة بصدمة كبيرة، عندما تم حظر الاستيراد خلال ليلة وضحاها الأسبوع الماضي. وفي الوقت ذاته سحب العديد من الأشخاص مدخراتهم وقاموا بشراء الذهب والعقارات والسيارات، في محاولة للحفاظ على قيمتها.

وقال أحد أصحاب المتاجر، الذي يبيع ماكينات صناعة القهوة الفرنسية في البازار: «أصبح الإيرانيون يشترون السلع الأساسية هذه الأيام، أو يحولون مدخراتهم إلى ليرات ذهبية»، وأضاف «ليس هناك أي سبب يدعونا إلى فتح متاجرنا، لأننا لا نستطيع شراء بضائع جديدة، حيث سنبيعها بأسعار مرتفعة لأن سعر الدولار مرتفع جداً، كما أنه ليس هناك زبائن لها».

مسؤولية الرئيس

واستغل المتشددون سخط الشعب على هذا الوضع الاقتصادي، ليلقوا باللائمة على الرئيس، وقال القائد السابق للحرس الثوري، رحيم صفوي، نهاية الأسبوع الماضي: «تبدو الأمور أحياناً وكأن الدولة يمكن أن تدار بصورة أفضل بدون الحكومة أو روحاني»، وتلا تعليقات صفوي، الذي يعمل أيضاً مستشاراً للقائد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، دعوات من قبل أعضاء البرلمان المتشددين لمحاكمة روحاني.

وقال عضو البرلمان الإيراني، أمير خوجسته، يوم الاثنين الماضي: «منحنا الحكومة 10 أو 15 يوماً، كي تقدم خطتها المتعلقة بتحدي مؤامرات العدو في الحرب الاقتصادية، وإلا فإننا سنعتبر الرئيس فاقداً للأهلية ونقدمه للمحاكمة، ونهدف من ذلك التعامل مع مطالب العامة، ونحن لن نتراجع قيد أنملة».

ومن غير الواضح ما إذا كان المتشددون، الذين يدينون بولاء أعمى لخامنئي، يحاولون في حقيقة الأمر الضغط عليه للموافقة على تغيير مبكر للحكومة. ولايزال القائد الأعلى مؤيداً لروحاني حتى الآن، وكذلك فريقه، من خلال خطاباتهم العامة.

وقال أحد أعضاء النظام الإيراني، وهو من أقرباء خامنئي: «آية الله خامنئي لايزال يعارض الإطاحة بروحاني»، وقال محلل إصلاحي سابق: «روحاني سيكون محظوظاً إذا بقي في منصبه حتى الخريف المقبل، إذ إن الأزمة الحالية، قبل دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ، أدت إلى كل هذه المشكلات، ناهيك عما سيحدث عندما تبدأ بتجويع الإيرانيين».

تويتر