تعتبرها ضرورية لأمنها والحفاظ على التوازن بين بلدانها

أوروبا لا تستطيع الخروج من تحت العباءة الأميركية

صورة

استجابت أوروبا بسرعة وبغضب كبير لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، بالانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران. المشكلة ليست ببساطة أن إدارة ترامب قوضت أحد إنجازات السياسة الخارجية الأوروبية، والأهم من ذلك عدم التزامه بالتحالف عبر الأطلسي، يعني أن أي عمل ناجم عن الاضطراب الأميركي ممكن الآن. هناك توقعات حول موت التحالف عبر الأطلسي تكثر؛ لكن الرثاء والسخط لا يضيفان شيئاً إلى الاستراتيجية.

صفقة جديدة

من غير المرجح أن تسعى أوروبا إلى اتخاذ إجراءات صعبة، ولا تريد الشركات الأوروبية الحماية، خصوصاً البنوك، فهم لا يثقون بالحكومات الأوروبية لحمايتهم، ولا يريدون المخاطرة بالتورط مع السلطات الأميركية في سوق صغيرة نسبياً مثل إيران.

علاوة على ذلك، وبمجرد أن يتلاشى الغضب الأخلاقي، يصعب تخيل الإجماع الأوروبي في مواجهة معارضة الولايات المتحدة المخططة. بولندا، بإحساسها العميق بالاعتماد على الضمانة الأمنية الأميركية، والمملكة المتحدة مع العزلة الناجمة عن خروجها من الاتحاد الأوروبي، تبدوان مرشحين واضحين للانشقاق. ولكن هناك العديد من الدول الأخرى - معظمها دول الاتحاد ـ مازالت بحاجة إليها وتريد الضمان الأمني الأميركي.

على المدى البعيد يحتاج التحالف عبر الأطلسي إلى التوصل إلى صفقة أكثر توازناً إذا كان يريد أن يخدم احتياجات جانبي الأطلسي، ويسهم في ازدهارها، وإلا فإن الإحباط الأوروبي وعدم اكتراث الولايات المتحدة سيؤديان في النهاية إلى تآكل الشراكة من الداخل. وعلى الرغم من الدعوة المستمرة لزيادة ميزانيات الدفاع الأوروبية على جانبي المحيط الأطلسي، فإن المزيد من الإنفاق ليس سوى جزء صغير من هذه الصفقة الجديدة.

العنصر الأكثر أهمية هو اعتراف الجانب الأوروبي بأنه في ما يتعلق بقضايا مثل إيران، فإن لدى الأوروبيين مصالح متميزة عن مصالح الأميركيين، وأنهم يستطيعون حمايتها فقط من خلال التماسك في ما بينهم، والدفع نحو صفقة صعبة مع واشنطن. هذا لا يعني الانحياز إلى روسيا أو الصين، لكنه يعني رؤية التحالف في السياق الجيوسياسي نفسه الذي تراه واشنطن.

ومع ذلك، هناك علامة ضئيلة جداً على هذا التحول. إن تقلب ترامب المخيف، وتهديده للتحالف، وميله لتدمير الاتفاقيات الدولية، كل ذلك كان له تأثير كبير في الجمع بين الأوروبيين، لكن الأمر سيحتاج إلى بذل المزيد من الجهد قبل أن تجد أوروبا الإرادة السياسية لكي تنسحب.


كانت خطة أوروبا الأولية تعتمد على ما يسمى «نظرية الكبار

في الغرفة»، وهي فكرة مفادها أن الجنرالات

والشخصيات الجمهورية التي أحاطت بالرئيس الأميركي في

عامه الأول من شأنهم أن يكبحوا أسوأ غرائزه.


على المدى البعيد،

يحتاج التحالف عبر

الأطلسي للتوصل

إلى صفقة أكثر

توازناً، إذا كان يريد

أن يخدم احتياجات

جانبي الأطلسي،

ويسهم في

ازدهارها.

من المؤكد أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية الإيرانية كان بمثابة لحظة حرجة في العلاقات عبر الأطلسي. بالنسبة للأوروبيين، فإن الاتفاقية المعروفة رسمياً باسم خطة العمل المشتركة، تمثل حالة نادرة أثر فيها جهد منسق من قبل الأوروبيين بشكل حاسم على قرار واشنطن بشأن قضية أمن دولية حرجة. وبالتالي، فإن انسحاب ترامب من الصفقة ليس مجرد تهديد للاستقرار الإقليمي وحظر الانتشار النووي، وإنما أيضاً نبذ فكرة أن أوروبا يمكن أن تؤثر على الولايات المتحدة في القضايا الأمنية الصعبة.

توحدت أوروبا في إدانتها لقرار ترامب؛ فقد أصدرت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بياناً مشتركاً أعربت فيه عن «أسفها وقلقها»، وأكدت من جديد عزمها على مواصلة تنفيذ الاتفاقية. وسارع الاتحاد الأوروبي بنفسه إلى التعبير عن خيبة أمله، ولم تعلن أي دولة أوروبية حتى الآن عن دعمها لقرار واشنطن.

غضب وإحباط

هذا الغضب والإحباط حقيقيان، لكنهما ليسا جديدين، فبدءاً من غزو السويس في عام 1956، دخلت العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا في «أزمة» مرة أو مرتين كل عقد. في الواقع، في عام 2015، خلال إدارة أوباما، استخدمت «دير شبيغل» لغة حادة، بعد أن تم الكشف عن تجسس وكالة الأمن القومي على هاتف المستشارة أنغيلا ميركل، وكتبت: «الصداقة الألمانية الأميركية لم تعد موجودة»، متابعة: «يجب على المستشارة إظهار علامة واضحة على المقاومة، ويجب على ألمانيا أن تحرر نفسها من هذا التحالف».

لقد سمع المسؤولون الأميركيون هذا الأمر مرات عدة لدرجة أنهم طوروا موقفاً يكتنفه الضعف تجاه «المقاومة» الأوروبية، ويبدو أن وجهة نظرهم هي أن الأوروبيين يتحدثون كثيراً، لكنهم لا يفعلون أي شيء للرد، لذلك ليس من الضروري لواشنطن أن تولي الكثير من الاهتمام. حتى خلال أزمة عام 2003 بشأن العراق، وهي اللحظة المفترضة للمقاومة الأوروبية، دعم 14 من أعضاء الاتحاد الأوروبي نشاط الولايات المتحدة، بما في ذلك إيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة.

بطبيعة الحال، تتصاعد الإحباطات، وستكون لها أهمية في نهاية المطاف. ولكن قبل أن نؤكد بثقة مرة أخرى أن «هذه المرة مختلفة»، يجدر بنا أن نتذكر لماذا حافظ التحالف على هذه الصفقة غير المتكافئة المحبطة لفترة طويلة.

السؤال الحقيقي ليس ما إذا كان الأوروبيون غاضبون، ولكن هل سيفعلون أي شيء رداً على تصرفات ترامب؟ الجواب على الأرجح: لا.

حجر الاستقرار

الإجابة البسيطة هي أن الأوروبيين يحتاجون إلى التحالف أكثر مما يحتاجه الأميركيون، فبالنسبة لأوروبا التحالف عبر الأطلسي هو حجر الاستقرار في عالم دائم التغير، والأساس الذي قام عليه بناء الأمن الأوروبي والتكامل الأوروبي. إن القيم والمصالح المشتركة أكثر بكثير من تلك التي يمكن مشاركتها مع قوى استبدادية مثل روسيا والصين. وتقدر الولايات المتحدة هذا التحالف وتريد المساعدة في القضايا الأمنية الدولية مثل أفغانستان أو سورية، والمسؤولون الأميركيون يفتخرون بالتأكيد بالإعلان أن الولايات المتحدة هي التي تقود العالم، لكن الحقيقة هي أن أميركا لا تحتاج إلى التحالف الأوروبي من أجل أمنها الخاص. وكما أشار ترامب مرات عدة، يمكن للولايات المتحدة ببساطة فك الارتباط.

من الناحية النظرية، يمكن للأوروبيين ببساطة أن يجتمعوا معاً، وأن يضمنوا أمنهم الخاص.

إن لدى هذه البلدان مجتمعة الكثير من القوة الاقتصادية والقوة العسكرية مثل أميركا؛ وأكثر بكثير من أي من منافسيهم المحتملين، بما في ذلك روسيا، لكن من الناحية العملية لايزالون يفضلون الاعتماد على الولايات المتحدة لضمان أمنهم، بدلاً من الاعتماد على بعضهم بعضاً.

في اليونان، على سبيل المثال، يتطلع صانعو السياسة إلى واشنطن لحمايتهم ليس من روسيا أو من الإرهاب، ولكن من السياسات الاقتصادية الصارمة في ألمانيا. وفي بولندا لايزال عدم ثقة الحكومة في الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الأخرى ـ خصوصاً ألمانيا ـ ملموساً، حتى مع اعتماد وارسو على الدول الأوروبية للحصول على الدعم الاقتصادي، ولا تريد الحكومة البولندية زيادة تبعيتها بالاعتماد على شركاء الاتحاد الأوروبي في الحماية من روسيا أيضاً، وعلاقتها مع الولايات المتحدة هي ـ جزئياً ـ استراتيجية للتنويع.

باختصار، يمكن للأوروبيين الذين يعملون معاً أن يضمنوا أمنهم الخاص في مواجهة التهديدات الخارجية. المشكلة هي أنهم يريدون أيضاً حماية سياسية من بعضهم بعضاً، ويمكن للولايات المتحدة فقط توفير ذلك، ويقع هذا الاعتماد غير المتماثل في قلب التحالف، ويعني أن الأوروبيين اضطروا حتى الآن إلى تحقيق السلام مع إدارة ترامب.

سياسة ثابتة

كانت خطة أوروبا الأولية تعتمد على ما يسمى «نظرية الكبار في الغرفة»، وهي فكرة مفادها أن الجنرالات والشخصيات الجمهورية التي أحاطت بالرئيس الأميركي في عامه الأول من شأنهم أن يكبحوا أسوأ غرائزه. ومع ذلك، ارتكب ترامب عدداً من الأخطاء على «تويتر»، لكن السياسة الأميركية تجاه أوروبا ستبقى كما كانت دائماً، والأوروبيون لا يحتاجون إلا لإدانة الأفعال الصادمة، وقد شجع المسؤولون الأميركيون عند زيارتهم لأوروبا هذا الاتجاه من خلال نصح زملائهم الأوروبيين بعدم إيلاء اهتمام لرئيس الولايات المتحدة وتغريداته، بل النظر إلى الواقع السياسي. وأشار المسؤولون إلى قضايا مثل روسيا وحلف شمال الأطلسي «ناتو»، حيث اتبعت السياسة الأميركية مسارها التقليدي حتى في الوقت الذي تحدى فيه ترامب التقاليد على وسائل التواصل الاجتماعي.

في هذه المرحلة، غادر معظم المسؤولين الكبار الغرفة، ويبدو أن ترامب يؤكد المزيد من تأثيره على السياسة الخارجية الأميركية. انخرطت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة في هجوم ساحق موسع ومنسق لمنع ترامب من مغادرة خطة العمل المشتركة، لقد عرضوا كل أنواع التنازلات لموقف ترامب بشأن الصفقة الإيرانية، ولكن في النهاية كل هذا الإطراء لم يؤد إلى ضعف موقف ترامب.

جيريمي شابيرو كاتب وخبير سياسي

تويتر