النزاع مع إيران ونقل السفارة الأميركية إلى القدس فاقما الوضع

إسرائيل على موعد مع اضـطرابــــات أمنية كبيرة في ذكرى النكـبة

صورة

في العادة، تميل التوقعات بتدهور العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية إلى أن تكون سهلة، لكن الأسوأ لم يحدث بعد. وبفضل مناسبات سنوية مهمة، يهودية وإسلامية، وسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ستكون الأيام المقبلة مختلفة. إن التقاء العديد من الأحداث، التي من المقرر إقامتها في شهر مايو، يبدو كأنها تجمّع مثالي للعواصف.

في الحقيقة، لقد بدأت بالفعل، وشجعها قرارٌ اتخذ بعيداً في واشنطن، عندما سحب ترامب، يوم الثلاثاء الماضي، الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية مع إيران. وفي تلك الليلة ضربت طائرات إسرائيلية العمق السوري، وأصابت ما تقول تل أبيب إنها ميليشيات إيرانية تستعد لإطلاق صواريخ ضد إسرائيل. وفي المساء التالي، أطلق وكلاء إيرانيون تحت قيادة الحرس الثوري وابلاً من الصواريخ ضد مواقع إسرائيلية في هضبة الجولان (المحتلة)، بالقرب من الحدود السورية، ما أدى إلى ضربة انتقامية إسرائيلية ضخمة ضد أكثر من 50 هدفاً إيرانياً.

لقد كان هذا تصعيداً جديداً في الصدامات المباشرة المتزايدة بشكل مطّرد، في الأشهر الأخيرة، بين إسرائيل وإيران في سورية. وفي محاولة لمنع طهران من تأسيس موطئ قدم عسكري دائم في البلاد، سبق لإسرائيل أن ضربت على الأقل ثلاث قواعد إيرانية داخل سورية، منذ فبراير، أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ضابطاً عسكرياً إيرانياً. وبالنظر أيضاً، إلى الكشف عن عملية استخباراتية نوعية وجريئة في قلب طهران، قام بها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، بدا أن الرد الإيراني كان مجرد مسألة وقت، على الرغم من أنه، وفقاً لمسؤولين أمنيين إسرائيليين، ليس قبل الموعد النهائي لإنهاء ترامب الاتفاق النووي أو الانسحاب منه. ساد الاعتقاد بأن الإيرانيين لن يرغبوا في تقديم ذريعة لانسحاب الولايات المتحدة من الصفقة. وأثبتت التطورات على مدى الأيام القليلة الماضية هذا التقييم. ومع ذلك، لا يبدو أن إسرائيل ولا إيران تميلان إلى التراجع، ومن المحتمل حدوث المزيد من المواجهات.

«يوم القدس»

تداخل المشاعر الدينية المتصاعدة مع التوترات السياسية

ما يزيد الوضع سوءاً أن غروب الشمس في 15 من مايو سيمثل بداية شهر رمضان؛ وهو في الغالب فترة من المشاعر الدينية المتصاعدة، مصحوبة بتوترات سياسية. وشهدت السنوات السابقة زيادة في الهجمات؛ وفي عام 2014، نشبت حرب شاملة بين «حماس» وإسرائيل في غزة.

وهدد وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، يوم الخميس الماضي، بأنه يجب على إيران وحلفائها «أن يتذكروا» أنه إذا هطلت الأمطار هنا في إسرائيل، فستنهمر هناك». التقاء غريب للأحداث هذا الأسبوع، بدءاً بقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حيال النووي الإيراني، إلى تصاعد الأعمال العدائية في سورية، والاحتقان في الأيام المقبلة في القدس والأراضي الفلسطينية، كلها تزيد احتمال عاصفة كبيرة.

ابتداءً من يوم أمس 13 مايو، تركزت الحركة على القدس، مع «يوم القدس»، وهو يوم عطلة إسرائيلية شبه رسمية «لإحياء إعادة توحيد المدينة القديمة خلال حرب 1967»، بعد أن استولى الإسرائيليون على الشطر الشرقي الذي حرره الأردن بعد ذلك. وبهذه المناسبة، شارك عشرات الآلاف من المتظاهرين الإسرائيليين، ومعظمهم من القوميين المتطرفين، والكثير منهم من مستوطنات الضفة الغربية، في استعراض المدينة وهم يلوّحون بالأعلام الإسرائيلية.

وفي الماضي، كانت المسيرة تجوب الحي العربي في المدينة القديمة، حيث كان بعض المحتفلين يرددون شعارات معادية للعرب ويخرّبون الممتلكات المحلية. وستبث القنوات التلفزيونية المسيرة عبر القدس الشرقية، مع وجود مكثف لقوات الأمن وإغلاق المحال العربية، تأكيداً على استخدام هذا اليوم «كعرض للقوة وإثبات الملكية الإسرائيلية للمدينة». وقد قال رئيس استخبارات إسرائيلي سابق إن هذا الشهر «أخطر مايو منذ عام 1967»، في إشارة إلى عشية حرب يونيو 1967.

ووفقاً للشرطة الإسرائيلية، من المتوقع أن يستقطب حدث هذا العام، على الأقل 50 ألف شخص. ومن المتوقع أن يتم نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، في هذه الأيام، أيضاً. ومن المقرر تنظيم حفل كبير يشارك فيه عشرات من المشرعين الأميركيين، ووزير الخزانة ستيف منوشين، وصهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر وزوجته إيفانكا ترامب. ولم يكن التاريخ المختار مصادفة: فهو يصادف الذكرى الـ70 لـ«إعلان قيام دولة إسرائيل»، إذ تعترف واشنطن الآن بالقدس عاصمة لهذه الدولة. إنه تحرك ينظر إليه معظم الإسرائيليين من جميع الأطياف السياسية على أنه إيجابي. ومنذ تأسيس إسرائيل عام 1948، «لم يعترف أي رئيس للولايات المتحدة بالمدينة المتنازع عليها كعاصمة لإسرائيل»، فالوضع النهائي للمدينة كان سيحدده التفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

مقاومة شعبية

ينظر الفلسطينيون إلى إقامة دولة إسرائيل بطريقة مختلفة للغاية. بالنسبة لهم، الـ15 من مايو، هو يوم النكبة. تاريخياً، شهد هذا اليوم اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية. وبالنظر إلى الشعور العام لدى الفلسطينيين بأن ترامب تنازل عن القدس لإسرائيل، إلى جانب أحداث سبقت في المدينة، فإن احتمال حدوث تظاهرات جماهيرية في كل من القدس والضفة الغربية وارد جداً.

في حين أنه لا يمكن لأحد التنبؤ بحجم الاضطرابات، إلا أن المقدسيين في شرق المدينة قادوا موجة من المقاومة الشعبية، الصيف الماضي، ضد إجراءات أمنية جديدة تم إدراجها في المدينة التي تعتبر الأكثر قداسة عند المسلمين واليهود، لوجود الحرم القدسي، وما تقول إسرائيل إنه «جبل الهيكل». بعض العنف يكاد يكون حتمياً، ويستعد الجيش الإسرائيلي وفقاً لذلك. وكما قال وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، إن «افتتاح السفارة الأميركية جاء بثمن، ويستحق دفعه».

لا يريد الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أن تخرج الأمور عن السيطرة. وستكون هناك تظاهرات، ولكن سيتم احتواؤها، في ما يبدو. في الواقع، منذ إعلان ترامب نقل السفارة في ديسمبر الماضي، ظلت الضفة الغربية هادئة بشكل ملحوظ، ولكن كما قال مسؤول أمني إسرائيلي كبير، طلب عدم الكشف عن اسمه: «لا يمكنني أن أضمن بأن يبقى الوضع على هذا النحو».

من جانبه، قال مسؤول فلسطيني قريب من عباس، إنه أمر «لا يمكن توقعه. لا أحد متأكد مما سيحدث في هذا اليوم»، متابعاً «لكن جميع المكونات موجودة لرفض الناس لما يرون حولهم، عندما يخنق الأمل في قلوبهم». وفي ذهن المسؤول، كان ضياع الأمل مرتبطاً مباشرة بسلوك إدارة ترامب. وقال إن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة، بمثابة إعلان «انسحاب أميركا من عملية السلام وحل الدولتين، الأمر الذي ينطوي على الانحياز إلى جانب واحد». غير أنه من شبه المؤكد حدوث أعمال عنف على الحدود مع قطاع غزة. سيكون يوما الـ14 والـ15 من مايو ذروة ستة أسابيع من الاحتجاجات يقوم بها سكان غزة الذين يسيرون على السياج الحدودي. حتى كتابة هذه السطور، استشهد أكثر من 53 فلسطينياً بنيران القناصة الإسرائيليين منذ 30 مارس، وأصيب المئات. وشجعت حركة «حماس»، التي تحكم قطاع غزة، المتظاهرين على اختراق السياج الأمني ومحاولة دخول إسرائيل. من جانبه، قال الجيش الإسرائيلي، إنه لن يسمح بذلك، خصوصاً بالنظر إلى قرب المُجمعات الإسرائيلية من منطقة الحدود.

«أم المسيرات»

في أوجها، جذبت التظاهرات 40 ألف شخص، في اليوم الواحد، وتوزعت على خمسة مواقع مختلفة في القطاع. وتعهد قادة «حماس» بإطلاق «أم المسيرات» في الأيام المقبلة. في وقت يبدو فيه المسؤولون الإسرائيليون قلقين من احتمال خروج 100 ألف متظاهر، وربما أكثر من ذلك. ولا يوجد في الواقع رد عسكري إسرائيلي فعال على هذا التطور. وقال ضابط إسرائيلي كبير مسؤول عن غزة، أخيراً: «تخيلوا أن 13 ألف شخص اخترقوا السياج، في مكان واحد، مع فقدان كامل للسيطرة»، متابعاً «ستكون هناك خسارة كبيرة في الأرواح؛ سنكون على حافة الحرب».

تويتر