قرار شجاع من ترامب ضد اتفاق رديء

«الاتفاق النووي».. مجرد خطة عمل مشتركة بلا سند قانوني

إيراني يطالع صحيفة عنونت صفحتها الأولى «خروج أميركا من الاتفاق النووي». أ.ف.ب

من بين جميع الحجج التي سيقت لإقناع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالوفاء بتعهدات الاتفاق النووي مع إيران، لم يكن أي منها أكثر سخرية من الادعاء بـ«أننا أعطينا كلمتنا كبلد للالتزام بالاتفاقية»، ونتساءل: «كلمة من؟».

«الإيرانيون العاديون غاضبون بالفعل من

حكومتهم التي بددت عائدات الاتفاق النووي

على دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد».

لقد رفضت إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، تقديم الاتفاقية إلى «الكونغرس» للموافقة عليها باعتبارها معاهدة، مدركة أنها لن تحصل على موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ. ولم يوافق على الصفقة سوى 21% فقط من الأميركيين في الوقت الذي طرحت فيه للرأي العام، مقابل رفضها من قبل 49% منهم، وفقاً لاستطلاع أجرته «مؤسسة بيو». وتم تمرير الاتفاق بقوة 42 صوتاً من أصوات الديمقراطيين، ضد معارضة الأكثرية من الحزبين.

وكتبت مساعدة وزيرة الخارجية للشؤون التشريعية آنذاك، جوليا فريفيلد، في نوفمبر 2015، رداً على استفسار من عضو مجلس النواب في ذلك الوقت، مايك بومبيو، أن «خطة العمل المشتركة الشاملة، ليست معاهدة أو اتفاقية تنفيذية، وليست وثيقة موقعة»، مشيرة إلى الصفقة باسمها الرسمي. ومن المشكوك في صحته ما إذا كان لدى الصفقة أي قوة قانونية على الإطلاق.

وما يُبنى على رمال السياسة تجرفه الموجة الانتخابية التالية، وهذا ما كان من مصير «خطة العمل المشتركة»، سيئة السند القانوني، وضحلة الأساس، التي قتلها ترامب أول من أمس، برفضه مرة أخرى رفع العقوبات المفروضة على إيران. وكان الرجل على حق تماماً في ما ذهب إليه، على افتراض أن هذا هو القرار الصائب الذي يحول دون أي مشكلات مستقبلية.

في الأسابيع التي سبقت إعلان يوم الثلاثاء، ظهر فجأة الأشخاص أنفسهم، الذين سبق أن ادعوا بأن الاتفاق هو أفضل ما كنا نأمله، وظلوا ينادون باقتراح وسائل لإصلاحه. وتضمن ذلك اقتراحهم صفقات جانبية بين واشنطن والعواصم الأوروبية، لفرض عقوبات أشد على طهران، بسبب استمرارها في اختبار الصواريخ الباليستية (اختبرت إيران أكثر من 20 منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ)، وسلوكها الإقليمي العدواني بشكل متزايد.

لكن المشكلة في هذا النهج، وهي «العقوبات»، تتمثل في أنه لا يعالج إلا أعراض المشكلة، التي تعتبر «خطة العمل المشتركة» نفسها أحد إفرازاتها. كما أضعف الاتفاق الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على إيران، بسبب مضيها قدماً في اختبار صواريخها الباليستية، ولا يمكن العودة إلى هذا الحظر مرة أخرى دون موافقة روسيا والصين، وهذا لن يحدث أبداً. كما أن تخفيف العقوبات منح طهران وسائل مالية إضافية لتمويل عمليات البلطجة التي تمارسها في سورية، وتوفير الأموال لوكلائها المتمثلين في الميليشيات المسلحة في اليمن، ولبنان، وأماكن أخرى، فأي جهد لمواجهة إيران على الأرض في هذه الأماكن سيعني محاربة القوى ذاتها التي نمولها فعلياً بطريق غير مباشر، فلماذا لا نتوقف عن التغذية المالية؟

ويجيب المدافعون عن الصفقة بأنها تستحق الثمن، لأن إيران أجّلت للسنوات القليلة المقبلة الكثير من إنتاجها للوقود النووي، لكن إذا تمعنّا الآن في حقيقة أن إيران تخضع لقيود نووية أكثر من كوريا، وسنسمح لها بتخصيب الكثير من المواد بقدر ما تحب بمجرد انتهاء الصفقة، فإن هذا هو الجنون بعينه.

ويدّعي المدافعون أيضاً أنه مع صدور قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاقية، ستعيد طهران ببساطة بدء أنشطة التخصيب على مستوى صناعي، وربما سيؤدي ذلك إلى ظهور أزمة يمكن أن تفضي إلى ضربات أميركية أو إسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية، لكن هذا الادعاء يعتبر غبياً، لأن البدء في أنشطة التخصيب أمر لن يقدم عليه النظام الإيراني بشكل قاطع. والأرجح هو أن تتخذ إيران خطوات رمزية لاستئناف التخصيب، ما يعني ضمنا أنها تهدد دون أن تنفذ شيئاً في هذا الخصوص، وعلى هذا الأساس فإن ما يريده النظام هو إعادة التفاوض وليس التنفيذ في حد ذاته.

ونتساءل: لماذا؟ ونجيب بأنه حتى بعد تخفيف العقوبات، ظل الاقتصاد الإيراني يتدلى من خيط واهن، فقد نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، يوم الأحد الماضي، تقريراً حول «مئات الاحتجاجات العمالية في إيران في الآونة الأخيرة، والتي تعتبر مؤشراً على عمق المتاعب الاقتصادية في البلاد». وهذا الأسبوع انخفض الريال الإيراني إلى أدنى مستوى له ليصل إلى 67 ألفاً و800 ريال مقابل الدولار. وأشار أحد أعضاء البرلمان الإيراني إلى أن هناك 30 مليار دولار من التدفقات الرأسمالية التي خرجت من البلاد في الأشهر الأخيرة.

إنها أموال حقيقية لبلد لا يكاد يتساوى ناتجه المحلي الإجمالي مع نظيره في بوسطن.

قد يحسب النظام أن استراتيجية المواجهة مع الغرب يمكن أن تثير حماسة وطنية مفيدة، لكن عليه أن يتوخى الحذر، فالإيرانيون العاديون غاضبون بالفعل من أن حكومتهم بددت عائدات الاتفاق النووي على دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، كما أن الظروف التي أدت إلى ما يسمى «الحركة الخضراء» عام 2009 لاتزال متوافرة، ولن يساعد ذلك إيران إذا حاولت شن حرب على إسرائيل، وخرجت مضرجة بالدماء.

كل هذا يعني أن الإدارة في موقف قوي للتفاوض على صفقة قابلة للتطبيق، لكنها أضاعت فرصة في الشهر الماضي عندما فشلت في توجيه ضربة مدمرة للأسد، الدمية الإيرانية في سورية، لاستخدامه الأسلحة الكيماوية. كما أن نداءات ترامب في خطابه إلى الشعب الإيراني بدت جوفاء من رئيس لا يؤمن بالضبط بالمنبر الليبرالي، الذي ازدرى حقوق الإنسان، وجعلها أداة للدبلوماسية الأميركية. وستحتاج الولايات المتحدة إلى إصلاح العلاقات مع شركائها الأوروبيين، من أجل اتباع نهج دبلوماسي منسق. والهدف من ذلك هو وضع حكام إيران أمام خيارات أساسية، حيث يمكنهم اختيار اقتصاد فاعل، خالٍ من العقوبات، ومنفتح على الاستثمارات، بشكل دائم، وخيار نووي يمكن التحقق منه بصورة لا رجعة فيها، والتخلي عن دعم الإرهاب، أو يمكنهم متابعة طموحاتهم النووية على حساب الكُلفة.

بريت ستيفنز محلل وكاتب عمود رأي

تويتر