بحاجة إلى كسب دعم الحكومات والشركات الكبرى

ترامب يواجه تحديات تجديد العقــوبات الدولية على إيران

صورة

يواجه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تحديات تجديد العقوبات الدولية على إيران، إثر تعرضه لضغوط من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، المؤيدين للاتفاق النووي مع إيران.

صعوبات أمام بناء الضغط الاقتصادي على طهران

التحديات القانونية والدبلوماسية، التي يواجهها ترامب في إعادة فرض العقوبات، تجعل من الصعب رؤية كيف يمكنه إعادة بناء الضغط الاقتصادي الدولي الفعال على إيران. ومع ذلك، هناك خطوات عدة، يمكن أن تتخذها الإدارة لتسهيل العملية. وإذا كانت إدارة ترامب جادة في فرض عقوبات على إيران من جديد، فعليها نشر لوائح جديدة مفصلة، وتوجيهات أخرى توضيحية بمجرد انتهاء الإعفاءات الأولى. وستحتاج مثل هذه اللوائح والتوجيهات إلى وضع عقوبات محددة تعتزم الإدارة إحياءها، وجدول زمني مفصل لتنفيذها، وإجابات عن مجموعة من الأسئلة ذات الصلة، التي تهم الحكومات الأخرى، والقطاع الخاص.


العقبة التنظيمية النهائية، التي يواجهها ترامب

في فرض العقوبات على إيران، هي ضمان ألا تؤدي

العقوبات الجديدة إلى قطع وصول إيران إلى

معدات وخدمات الاتصالات، التي تساعد المواطنين

الإيرانيين على التواصل ومحاسبة حكومتهم.

ويفترض منتقدو الاتفاق النووي، داخل الإدارة الأميركية وخارجها، أن السماح بتعديلات في العقوبات الأميركية، سيؤدي إلى ضغوط اقتصادية خانقة على إيران. ويزعمون أن هذا الضغط سيعطي واشنطن نفوذاً لإعادة التفاوض على حدود الصفقة، بشأن برنامج إيران النووي، والضغط على طهران لكبح دعمها ميليشيات «حزب الله»، وغيرها من الأنشطة الخبيثة، في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

غير أن كيفية عمل العقوبات، هي في حد ذاتها حقيقة أكثر تعقيداً بكثير. لقد استغرق الأمر جهوداً مشتركة للكونغرس واثنين من رؤساء الولايات المتحدة: جورج بوش الابن، وباراك أوباما، نحو عقد من الزمن لفرض قيود صارمة على الاقتصاد الإيراني. إن إعادة بناء الضغط الاقتصادي بعد انسحاب واشنطن من خطة العمل المشتركة سيكون تحدياً أكبر، نظراً للمعارضة الدولية للانسحاب الأميركي، والدعم الدولي الضئيل لتجديد العقوبات. ويمكن أن تكون النتيجة حالة «مربحة للجانبين» بالنسبة لإيران، حيث يتم تحريرها من قيود الخطة على أنشطتها النووية وتمكنت من الإبقاء على جزء، على الأقل، من تخفيف العقوبات الذي كانت تتفاوض عليه.

وصفة للفوضى

سيواجه ترامب تحديات هائلة بعد الانسحاب من خطة العمل المشتركة، أولاً: تحدي إقامة هيكل قانوني لإعادة فرض العقوبات ضد إيران. كانت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران قبل خطة العمل المشتركة الأولى من أكثر التشريعات تعقيداً في تاريخ الولايات المتحدة، وتضم قوانين عدة، وما يقرب من عشرات الأوامر التنفيذية، ومئات الصفحات من اللوائح الفيدرالية. وعند تنفيذ الاتفاقية، أعادت إدارة أوباما صياغة اللوائح الفيدرالية، وأزالت أكثر من 400 مسؤول وشركات وكيانات حكومية إيرانية من قوائم العقوبات، وأرسلت عشرات الصفحات من الإرشادات التفصيلية، التي تشرح خطة العمل المشتركة إلى الحكومات الأجنبية والقطاع الخاص.

وعلى الرغم من أن التخلي عن التنازلات سيؤدي إلى إعادة فرض بعض عقوبات الولايات المتحدة من الناحية القانونية، فإن القيام بذلك دون تعديل اللوائح الأميركية لتجسيد العقوبات الجديدة، ومن دون نشر إرشادات تنفيذ مفصلة سيكون بمثابة وصفة للفوضى. وقد تختار البنوك والشركات الكبيرة المتعددة الجنسيات، التي لها عمليات أميركية كبيرة، أن تلتزم طواعية بالامتثال للجزاءات الجديدة. بيد أن العديد من الشركات الأصغر حجماً، فضلاً عن الشركات الأقل تعاملاً مع الولايات المتحدة، سوف تستمر، ببساطة، في التعامل مع إيران في غياب توجيه محدد وضغط للتوقف. وحقيقة أن بعض إعفاءات العقوبات فقط تنتهي، في 12 مايو، بما في ذلك التنازل عن العقوبات الحاسمة على البنك المركزي الإيراني، في حين أن البعض الآخر لا تنتهي صلاحيته حتى أوائل يوليو، فإن ذلك سيزيد الارتباك.

وستواجه إدارة ترامب تحدياً تنظيمياً، لا يقل أهمية عن تحديد ما إذا كان ستتم إعادة فرض عقوبات مستهدفة على المسؤولين الإيرانيين والشركات والوزارات الحكومية، التي تمت إزالتها من قوائم عقوبات الولايات المتحدة كجزء من خطة العمل المشتركة الدولية، وكيفية ذلك. وشمل ذلك معظم البنوك وشركات الطاقة الرئيسة في إيران، فضلاً عن مجموعة من الشركات الأقل شهرة. وعزلت العقوبات هذه الشركات من النظام المالي العالمي، ومن التجارة العالمية، وبسبب الدور الذي تلعبه هذه الشركات في ربط إيران بالعالم، كانت ركيزة أساسية للضغط الأميركي والدولي على طهران. ويجب أن تشمل أي حملة جادة لفرض ضغوط اقتصادية، مرة أخرى على إيران، فرض عقوبات جديدة على العديد من هذه الشركات.

إن العقبة التنظيمية النهائية، التي يواجهها ترامب في فرض العقوبات على إيران، هي ضمان ألا تؤدي العقوبات الجديدة إلى قطع وصول إيران إلى معدات وخدمات الاتصالات، التي تساعد المواطنين الإيرانيين على التواصل ومحاسبة حكومتهم.

مأزق دبلوماسي

هذه التحديات القانونية والتنظيمية، وعلى الرغم من أهميتها، ستظل باهتة مقارنة بالتحديات الدبلوماسية، التي قد تواجه ترامب في إقناع الحكومات والشركات الأجنبية بقطع أعمالها بالفعل مع طهران. وبين عامي 2006 و2015، انخرطت إدارتا بوش وأوباما في حملة دبلوماسية معقدة ومتعددة الأطراف، لإقناع الحكومات والشركات الأجنبية بالانضمام إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات على إيران. وقامت عشرات الدول في جميع أنحاء العالم بسن عقوباتها الخاصة، ما عزز الضغط الأميركي، من خلال تقييد الأعمال التي يمكن لشركاتها ومواطنيها القيام بها في إيران. وحتى في الحالات التي لم تسن فيها الحكومات عقوباتها رسمياً، كان المسؤولون الحكوميون في البلدان الأخرى، في كثير من الأحيان، على استعداد للتكتم على الأعمال التجارية في بلدانهم للامتثال للعقوبات الأميركية، لأنهم يشاطرون واشنطن قلقها بشأن برنامج إيران النووي. إلا أن إدارة البيت الأبيض الحالية لم تجد روح تعاون متشابهة من جانب الحكومات المنبثقة عن انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل المشتركة.

ربما يكون أكبر تحدٍّ دبلوماسي يواجه ترامب، في إعادة فرض العقوبات على إيران، هو إقناع زبائن النفط الإيراني بخفض مشترياتهم. وبين عامي 2012 و2013، أقنعت إدارة أوباما المشترين بخفض وارداتهم من النفط الإيراني بنسبة 50٪ تقريباً، ما أضر بشكل كبير بإيرادات الحكومة الإيرانية. لقد أوقفت أوروبا فعلياً وارداتها من النفط الإيراني، في حين خفض مشترون رئيسون آخرون، مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، مشترياتهم بمئات الآلاف من البراميل يومياً. ووافقت البلدان التي واصلت استيراد النفط على الإبقاء على المدفوعات في حسابات الضمان، ما قيد وصول إيران إلى عائدات مبيعاتها النفطية المتبقية.

كما سيواجه البيت الأبيض مآزق دبلوماسية كبيرة في أوروبا، حيث ارتفعت التجارة مع إيران منذ دخول خطة العمل المشتركة حيز التنفيذ. ومن 2015 إلى 2017، ارتفعت الواردات الأوروبية من إيران بواقع ثمانية أضعاف، في حين ارتفعت الصادرات الأوروبية إلى أكثر من أربعة مليارات يورو سنوياً، خلال الفترة نفسها. كما استأنفت الشركات الأوروبية الكبرى الاستثمار في إيران: فقد أعلنت شركة «توتال» الفرنسية، على سبيل المثال، عن خطط لاستثمار مليار دولار في أحد أكبر حقول الغاز البحرية في إيران.

إن تطبيق الضغط الاقتصادي على إيران يتطلب دبلوماسية مع بلدين، يتسببان بالفعل في تحديات كبيرة للولايات المتحدة: روسيا وتركيا. وستحتاج إدارة ترامب إلى إقناع روسيا بوقف خططها المعلنة لاستثمار عشرات المليارات من الدولارات في قطاع النفط والغاز الإيراني، على الرغم من التوترات المتزايدة بين واشنطن وموسكو.

تويتر