أيدي قادة الغرب ظلت مقيدة طوال 7 سنوات من الأعمال الوحشية

سورية دفعت ثمناً باهظاً نتيجة سياسة اللامبالاة الغربية

صورة

ليس هناك من يعتقد أن الصواريخ التي أطلقت على سورية يمكن أن يكون لها أي تأثير على مجرى الكارثة الواقعة في سورية، سواء كان من أمر بضربها أو من عارضها، ولو أن ثمة فرصة للولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما، لتحسين الأمور في سورية، فإنها ضاعت منذ زمن بعيد. وما نراه عبارة عن مجموعة من اللاعبين الذين يتخذون وضعيات تهدف إلى جعلهم يشعرون بالرضا عن أنفسهم، وبالطبع فإن مثل هذه الوضعيات لا يمكنها إعادة كتابة التاريخ المضرج بالدماء، لصراع بدأ منذ سبع سنوات، وحول سورية إلى مستودع لحفظ الموتى ومعايير تاريخية ممزقة حول شن الحرب.

بدت التحركات الغربية المتعلقة بالهجوم الكيماوي وكأنها علاج بصواريخ توماهوك، أي إيماءة وليست استراتيجية، في الوقت الذي مرت فيه الكثير من الأعمال الوحشية مرور الكرام دون حسيب ولا رقيب.

عندما يتعرض أنصار عدم التدخل في الشأن السوري للضغوط، كي يقولوا ما يمكن أن يفعلوه إزاء الوضع في سورية، يكرر هؤلاء الجملة المملة حول العودة إلى المفاوضات وإلى الأمم المتحدة.

الوفيات

تجتهد الأمم المتحدة كي تضع رقماً دقيقاً لعدد القتلى في سورية، ولكن أكبر التقديرات يقول إن الرقم هو نصف مليون، وهناك نحو خمسة ملايين لاجئ خارج سورية، وستة ملايين أخرجوا من ديارهم داخل سورية. وتم تدمير مدن بأكملها، ولكن النظام تمكن الآن من تحقيق النصر على أعدائه، وليس هناك أي عاقل يعتقد أن الصواريخ التي أطلقت هذا الأسبوع يمكن أن تعيقه عن تحقيق مراده.

وانتشر الصراع، وأصبحت سورية ميدان معركة لصراعات بالوكالة بين لاعبين إقليميين، ولكن الغرب يبدو عاجزاً تماماً حيال حل هذه الصراعات. وبات معظم الحكام المستبدين في العالم يعتقدون أنه يمكنهم سحق المعارضة، باستخدام أكثر الطرق بربرية، في حين أن دول العالم الأخرى لن تفعل شيئاً لمنعهم من ذلك. وأصيب المناضلون من أجل الحرية بالإحباط، في حين أن حكم القانون أصبح ضعيفاً.

وفي الواقع، فإن التحرك استجابة لأحداث معينة، ينطوي على نتائج قد تكون غير محسوبة، كما حدث في العراق، كما أن اللامبالاة إزاءها لها ثمن كبير أيضاً، وهو ما حدث في سورية. ويتحمل أنصار التدخل وزر ما حدث في العراق، كما أن أنصار اللامبالاة يتحملون وزر ما حدث في سورية.

والسبب المباشر لهذه الأزمة هو الهجوم الكيميائي على دوما في نهاية الأسبوع الماضي، وبعد سنوات عدة من عدم الاكتراث من قبل الدول الديمقراطية، أعاد ذلك العمل الوحشي لفت الانتباه إلى ما يحدث في سورية، ونجم عنه عمل عقابي ضد الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن حسب كلمات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فإن الضربات الانتقامية من المفروض أن تثبت للأسد أنه يوجد ثمن للأعمال الوحشية التي يرتكبها، مثل استخدام الأسلحة المحرمة.

أما بلغة رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، الأكثر رصانة، فقد قالت «لا يمكننا السماح باستخدام الأسلحة الكيماوية وكأنها أمر طبيعي»، ولكن في واقع الأمر، فإن استخدام السلاح الكيماوي أصبح أمراً طبيعياً في سورية، إذ إن نظام الأسد استخدم السلاح الكيماوي مراراً وتكراراً لقتل شعبه، إضافة إلى استخدام أسلحة مخيفة «تقليدية»، مثل إلقاء القنابل على المناطق السكنية، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإصابات.

أيدٍ مقيدة

وخلال سبع سنوات من الأعمال الوحشية المريعة في سورية، كانت أيدي قادة الدول الغربية مقيدة عن القيام بأي حركة، وشجع البقاء في هذا الوضع المشلول أعضاء برلماناتها، الذين كانوا أضعف من أن يتمكنوا من استيعاب الورطات الناجمة عن الوضع في سورية، وكذلك كان الناخبون الذين يشعرون بالقلق من التورط في هذا الجزء المخيف من العالم. ونظراً إلى أنهم كانوا يصغون إلى ناخبيهم، ويضعون حساباتهم الخاصة، فإن الانطباع الثابت الآن هو أن هذا التحرك المتأخر والمحدود الذي قامت به كل من واشنطن، ولندن، وباريس، ليس مدفوعاً بأي قناعة بأن هذه الضربات ستؤدي إلى تغيير ذي شأن، إذ إنها لن توقف الأسد عن صناعة مزيد من الأسلحة الكيماوية، إذا اختار القيام بذلك، لأن هذه الصواريخ جاءت لتخفف الذنب الناجم عن العديد من حالات الفشل للتحرك.

إيماءة وليست استراتيجية

وعلى الرغم من ذلك، فأنا أمنح هؤلاء القادة قليلاً من الفضل، أكثر من الذين كان موقفهم يقضي بعدم القيام بأي شيء، وعلى الأقل فإن بعض هذه التدخلات المتأخرة تتصارع مع أزمة حقيقية. وبدت هذه التحركات المتعلقة بالهجوم الكيماوي وكأنها علاج بصواريخ توماهوك، أي إيماءة وليست استراتيجية، في الوقت الذي مرت الكثير من الأعمال الوحشية مرور الكرام دون حسيب ولا رقيب، ولكن إذا تركنا استخدامات أخرى للسلاح الكيماوي تمر دون عقاب، فإن ذلك سيعطي الانطباع بأن نظام الأسد وحلفاءه أصبح لديهم شعور بالحصانة، وكأن كل نظام دكتاتوري على وجه الكرة الأرضية قد أدرك إثر الأحداث في سورية أنه ليس هناك أي عقوبة لقاء امتلاك واستخدام الأسلحة المحرمة منذ الحرب العالمية الأولى، الأمر الذي ينطوي على نتائج مرعبة على مستقبل الصراعات في العالم.

أما الجهة الأخرى من مجموعة الوضعيات، فإنها تتألف من الذين عارضوا التحرك، إذ إنهم كانوا يعارضون جميع المحاولات السابقة للقيام بأي شيء في سورية. ويقع أنصار عدم التدخل في سورية في تصنيفين. الأول هناك من يعتقدون أنه «ليس لنا أي علاقة بالأمر»، والذين أعلنوا «أنه ليس لنا ناقة ولا جمل في الصراع السوري»، والتصنيف الثاني، هم الذين يقدمون أنفسهم باعتبارهم من محبي السلام، ولكن هؤلاء يواجهون صعوبة التحدي الأخلاقي الذي يفرضه الوضع في سورية. وكان رئيس حزب العمال، جيرمي كوربين، قد عارض ضربات الصواريخ هذا الأسبوع، بحجة أنها يمكن أن «تصعد الوضع»، وكانت سياسة كوربين وأمثاله الثابتة هي عدم القيام بأي شيء خلال المذبحة الجارية في سورية، منذ سبع سنوات.

وبينما كان أنصار عدم التدخل يروجون لعدم التحرك مطلقاً، كان عدد القتلى يرتفع سريعاً على يد نظام الأسد وحلفائه. وعندما يتعرض أنصار عدم التدخل للضغوط كي يقولوا ما يمكن أن يفعلوه إزاء الوضع في سورية، يكرر هؤلاء الجملة المملة حول العودة إلى المفاوضات وإلى الأمم المتحدة. وكان يتعين عليهم أن يعرفوا أن روسيا استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن مرات متكررة لتحمي الأسد من أي مساءلة من قبل الأمم المتحدة، وآخرها منع القيام بتحقيق مستقل في الهجوم الكيماوي في دوما. وبينما كان أنصار عدم التدخل يتحدثون، كان نظام الأسد وحلفاؤه يواصلون القتل.

منعطف فتاك

ويرى كثيرون أن المنعطف الفتاك حدث في صيف عام 2013، عندما استخدم الأسد السلاح الكيماوي، متجاوزاً الخط الأحمر الذي حدده الرئيس الأميركي في حينه باراك أوباما، ولكن هذا الأخير لم يفعل أي شيء، وربما لو أن التدخل تم في حينه لصنع الفارق. وفي حقيقة الأمر، فإن العالم الغربي ارتكب خطأه الأكثر فداحة، عندما لم يتحرك في وقت مبكر، عندما قام الأسد بقمع انتفاضة سلمية عام 2011. وبدلاً من تقديم العون لتلك الانتفاضة الديمقراطية، وقف الغرب متفرجاً، وكان من الممكن القيام بمبادرات إنسانية، مثل إنشاء مناطق آمنة للمدنيين، لمنع النظام من قتل شعبه.

وليس هناك ما يثبت أن تدخلاً مبكراً في سورية كان سيصنع الفارق في الوضع الكارثي لسورية، حسبما قاله أنصار عدم التدخل، كما أنهم يقولون الآن إن أي شيء يقوم به الغرب يجعل الأمور في حالة أسوأ. ونظراً إلى أنه لا يمكننا البرهنة على الحالتين، فإن ما يمكن قوله الآن هو أنه يصعب تخيل أن تتدهور الأمور إلى ما هو أكثر سوءاً مما هي عليه الآن.

أندرو رونسلي  كاتب في «أوبزيرفر»

تويتر