تفتقر إلى الخبرة في مجال السياسة الخارجية

هايلي تجهل قضية فلسطيـن والتامل الدبلوماسي اللبق مع أعضاء المنظمة الـدوليـة

صورة

استقطبت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، الأضواء خلال الأيام القليلة الماضية، وتناقلت جميع وسائل الإعلام استماتتها في الدفاع عن موقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بعد اعترافه بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وتصريحاتها بعد صدور قراره، عندما قالت بكل سخرية وصفاقة، في لقاء مع شبكة التلفزة الأميركية «CNN»: «مرّ الخميس والجمعة والسبت والأحد

الشعب اليهودي صبور!

هاجمت هايلي المجتمع الدولي في جلسة طارئة لمجلس الأمن، بعد اعتراضات واسعة على قرار بلادها الأخير، وخطاب الرئيس ترامب، الذي اعتبر القدس عاصمة لدولة الاحتلال.

وقالت هايلي أمام مجلس الأمن: «نحن لا نحتاج إلى من يعطينا محاضرات تجاه ما نفعل وما نؤمن به في المنطقة وفي الشأن الفلسطيني - الإسرائيلي».

واتهمت ممثلة الولايات المتحدة مجلس الأمن وقراراته بشأن فلسطين والقدس، بـ«التنمر» ضد إسرائيل، مضيفة: «الشعب اليهودي صبور، ونحن أقل صبراً، ونحن اعترفنا كأول بلد بإسرائيل، والسفارة لابد أن تنقل إلى القدس، والقرار قديم وانتظرناه كثيراً، ومجلس الأمن والأمم المتحدة قوّضا السلام في المنطقة، وأضرّا بإسرائيل وأمنها».

وقالت هايلي مبررة قرار رئيسها: «ترامب اتخذ قراراً جريئاً، وأعلن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، والقدس مقر المحكمة الدستورية وكثير من الوزارات، ولذلك من حق إسرائيل أن تختار عاصمتها، وسنقف بجانبها ونستمر بدعمها».

• كانت هايلي من أشرس منتقدي سلوك ترامب خلال حملته الانتخابية، وذهبت إلى أبعد من ذلك عندما حذرت مما يعنيه انتخاب ترامب بالنسبة للدبلوماسية الأميركية، واعتقدت أن ميوله للانتقام من منتقديه قد تتسبب في حرب عالمية.

• صحيفة «واشنطن بوست» اتهمت هايلي العام الماضي بأنها تحمل آراء عنصرية وعرقية لا جدال فيها.

ولاتزال السماء في مكانها ولم تسقط»، وذهبت لأبعد من ذلك عندما هددت، بالويل والثبور، الدول التي تصوت في الجمعية العامة لمصلحة قرار يلغي قرار ترامب حول وضع القدس. هذه السيدة أقامت الدنيا ولكن أقعدتها بعد هزيمة رئيسها المدوية، عندما أقرت الجمعية العامة، بأغلبية ساحقة، بطلان قراره بشأن وضع القدس. ومن المفارقات أن الصحافي الإسرائيلي، جدعون ليفي، المساند لحقوق الشعب الفلسطيني، اتهمها بالجهل بالقضية الفلسطينية، وأنها أكثر إسرائيلية من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. ووقّعت قبل توليها هذا المنصب على تشريع حكومي لإحباط حملة مؤيدة للحق الفلسطيني، تتمثل في مناهضة الاستثمار بإسرائيل، الأمر الذي جعل إسرائيل أول من رحب بترشيحها لهذا المنصب.

تاريخ مضطرب مع ترامب

كانت هايلي من أشرس منتقدي سلوك ترامب خلال حملته الانتخابية، وذهبت إلى أبعد من ذلك عندما حذرت ما يعنيه انتخاب ترامب بالنسبة للدبلوماسية الأميركية، واعتقدت أن ميوله للانتقام من منتقديه قد تتسبب في حرب عالمية، دعمت السيناتور، ماركو روبيو، خلال الانتخابات التمهيدية، ونظمت حملات مناهضة لترامب في ولاية كارولاينا الجنوبية. وفي تجمع نُظم، في فبراير من العام الماضي، لدعم روبيو، قالت: «لن أتوقف حتى نقاتل رجلاً يرفض التنصل من عصابة كو كوكس كلان»، في إشارة إلى ترامب.

ودخل الاثنان في مشادة كلامية على «تويتر» في مارس، وكتب ترامب تغريدة: «إن سكان ولاية كارولاينا الجنوبية يشعرون بالحرج من نيكي هايلي»، وأردف في تغريدة أخرى: «حفظ الله قلبك»، وفي مؤتمر صحافي، في أكتوبر، ذكرت هايلي أن «هذه الانتخابات قلبت معدتي رأساً على عقب، لقد كانت أمراً محرجاً لكلا الطرفين، إنها شيء لا يستحقه هذا البلد، أهذا كل ما لدينا».

بعد فوز ترامب وافقت على لقائه في 17 نوفمبر، وفي اليوم التالي تحدثت في الجمعية الفيدرالية قائلة إن انتخابه يمثل رفضاً شعبياً لكلا الحزبين، وأضافت «يجب أن نقرّ بحقيقة أن انتخاب دونالد ترامب لا يمثل الطريقة التي ينتخب بها الجمهوريون أنفسهم»، واختتمت بقولها «لم يفعلها بطريقة تشرّف الحزب الجمهوري».

تحوّل في المواقف

لكن مواقف هايلي انقلبت عندما اختارها ترامب للمنصب الحالي الذي تشغله في الأمم المتحدة، وفي بيان عقب تعيينها أكدت أنها قبلت بعرض ترامب، لأنها شعرت بأنه يصب في مصلحة الوضع الاقتصادي لكارولاينا الجنوبية، التي كانت حاكمة لها قبل تعيينها في هذا المنصب. وأضافت أن انتخابات هذا الشهر تعني أن الانتخابات الرئاسية قد جلبت «تغييرات مدهشة في أميركا»، ومضت قائلة «عندما يعتقد الرئيس أنك ينبغي أن تشارك مشاركة فعالة لمصلحة امتنا ومن أجل مكانتها في العالم، فإن ذلك النداء جدير بالاهتمام».

افتقاد الخبرة في السياسية الخارجية

ويشكك زميلها القديم، بكاري سيليرز، وهو أحد معلّقي شبكة «سي إن إن»، وزاملها خلال عملهما بمجلس النواب، في قدراتها، وقال عنها، قبيل تعيينها سفيرة في الأمم المتحدة: «رد فعلي عملي جداً، هو أنها ستكون أقل سفراء الأمم المتحدة خبرة في تاريخ البلاد»، ويمضي قائلاً «على سبيل المقارنة فإن السفيرة الأميركية السابقة في الأمم المتحدة، سامانثا باور، تتمتع بخبرة ودراية جيدتين في السياسة الخارجية وعلاقاتنا الجيوسياسية، على خلاف نيكي هايلي التي لم يتوافر لها هذا العمق في أي وقت مضى».

وتشير العالمة السياسية، أكندرا ستيوارت، إلى أن هايلي لم تعمل سابقاً في الشؤون الخارجية، وأنها «لم تخضع لأي اختبار بشأن السياسة الخارجية، والتجارة، والحمائية». ولخصت صحيفتا «تشارلستون بوست» و«كورير» المسألة بالقول إن خبرتها الفنية «تتركز في مراكز العمل الأجنبية الرئيسة، وتتعلق بالتفاوض مع الشركات العالمية التي تبحث عن صفقات للتنمية الاقتصادية في أميركا، وفي وقت من الأوقات قادت سبع بعثات تجارية خارجية، خلال شغلها منصب حاكم ولاية كارولاينا الجنوبية». ويعد تعيينها سفيرة أول مهمة لها في الحكومة الفيدرالية، ويتطلب الأمر من شاغل مثل هذا المنصب أن يبدأ في مكان ما.

العام الماضي اتهمتها صحيفة «واشنطن بوست» بأنها تحمل آراء عنصرية وعرقية لا جدال فيها، وكثيراً ما تنتقد السود وتتهمهم بارتكاب جرائم، كما أنها هاجمت المهاجرين المكسيكيين، ودعت إلى ترحيل المهاجرين غير الشرعيين؛ هذا عدا عن انتقادها أيضاً الرئيس السابق، باراك أوباما، إذ اعتبرته متساهلاً في مكافحة الإرهاب لأنه «مسلم سري».

لا تفي بالمعايير

ولدت نيكي هايلي باسم نيمراتا «نيكي» رانداوا، بمنطقة بامبرغ، كارولاينا الجنوبية، في 20 يناير 1972. والدها اجيت سينغ رانداوا، ووالدتها راج كور رانداوا، وكلاهما من طائفة السيخ وهاجرا من البنجاب في الهند، عمل والدها معلماً، بينما ظلت والدتها تدير متجرها الخاص لبيع الملابس، ولدى نيكي شقيقان وشقيقة واحدة. بدأت مساعدة والدتها في المحل وهي شابة صغيرة، واكتسبت خبرة من عملها المبكر تتمثل في دقة المراقبة، وهي الخبرة التي ساعدتها في ما بعد في حياتها المهنية كسياسية. وتقول إن السكان المحليين في ولاية كارولانيا الجنوبية كانوا في كثير من الأحيان غير متأكدين لأي فئة تنتمي هي في مجتمع الولاية ثنائي العرق، أبيض وأسود. فعندما كانت في عامها الخامس دخلت هي وشقيقتها في مسابقة «ملكة جمال بامبرغ الصغيرة» حيث تتوج هذه المدينة تقليدياً ملكة جمال سوداء وملكة بيضاء. وقرر القضاة أن الشقيقتين لا تنتميان لأي فئة، لذلك تم استبعادهما من المسابقة.

أصبحت جادة في حياتها السياسية عام 2004، عندما سعت للحصول على مقعد لها في مجلس نواب كارولاينا الجنوبية. واجهت تحدياً في المرحلة الابتدائية من الجمهوري لاري كون، لكنها في النهاية فازت بالمرحلة الابتدائية، وترشحت في الانتخابات العامة وفازت بها، لتصبح أول هندية - أميركية تشغل منصب بارز في ولاية كارولاينا الجنوبية. وتولت منصب عضو مجلس النواب في ولاية ساوث كارولاينا من المنطقة الـ87 في يناير2005. وفي العام نفسه انتخبت أيضاً زعيمة للأغلبية في الجمعية العامة لولاية كارولاينا الجنوبية، ونجحت في إعادة انتخابها في عامي 2006 و2008.

وبصفتها جمهورية، اعتنقت وجهة نظر محافظة في مجال الضرائب، وصوتت لمصلحة مشروع قانون يعفي من ضريبة المبيعات على الأغذية غير الجاهزة، مثل السلع المعلبة، وصوّتت ضد مشروع قانون يتجاوز خطة الحاكم لوضع ضريبة على كل سيجارة منتجة.

وباعتبارها ابنة مهاجرين، فإنها تعتقد أنه ينبغي إنفاذ قوانين الهجرة، وتدعم تنفيذ الإصلاحات التشريعية لمعالجة قضايا الهجرة غير القانونية، وتطورت طموحاتها السياسية مع مرور الوقت وأعلنت عام 2009 عزمها الترشح عن الحزب الجمهوري لمنصب حاكم ولاية كارولاينا الجنوبية في عام 2010. وهزمت المرشح الديمقراطي، فنسنت شيهين، لتصبح ثالث شخص من غير البيض يتم انتخابه حاكماً لولاية جنوبية بعد إل. دوغلاس وايلدر، وبوبي جيندال. وتولت هايلي هذا المنصب في يناير 2011. وكحاكم دعمت تخفيض الضرائب، ووقّعت قانوناً للقضاء على الهجرة غير القانونية في يونيو 2011. وظلت شعبيتها كشخصية سياسية تنمو، وأدت اليمين الدستورية لولايتها الثانية في يناير 2015.

تاريخ مهني متواضع

بعد تخرجها في جامعة كليمسون، حيث درست المحاسبة، عملت هايلي في شركة لإدارة النفايات وإعادة تدويرها، قبل أن تنضم إلى شركة عائلتها، وهي شركة ملابس راقية. وأصبحت في ما بعد مسؤولة وحدة تحكم إكسوتيكا الدولية، وكبيرة الموظفين الماليين. وتمت تسميتها عضواً في مجلس إدارة غرفة تجارة مقاطعة أورانجيبورغ عام 1998. وفي 2003 تم تعيينها عضواً في مجلس إدارة غرفة تجارة ليكسينغتون، وأصبحت مديرة صندوق للرابطة الوطنية لأصحاب الأعمال التجارية في العام نفسه، ورئيسة الرابطة عام 2004. وترأست حفل ليكسينغتون لجمع الأموال لمستشفى محلي. وعملت أيضاً في مؤسسة ليكسينغتون الطبية، وكانت رئيسة فرع الرابطة الوطنية لسيدات الأعمال بولاية كارولاينا الجنوبية، وكانت رئيساً لحملة أصدقاء قيادات الكشافة عام 2006.


الاحتكاكات بين أميركا والأمم المتحدة

ظلت الولايات المتحدة، منذ 1991، القوة العالمية المهيمنة عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، في العالم، ناهيك باستضافتها مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك. لم تُصمم الأمم المتحدة لعالم أحادي القطب تسود فيه قوة عظمى واحدة، لهذا تصاعدت الصراعات بين الولايات المتحدة وأعضاء الأمم المتحدة الآخرين، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.

إلا أن الصراع بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة ظل دائراً حتى قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، ففي عام 1971 اعتمدت الأمم المتحدة القرار رقم 2758، الذي ينص على قبول جمهورية الصين الشعبية في عضويتها وإبعاد جمهورية الصين، على الرغم من اعتراضات الحكومة الأميركية، إلا أن الولايات المتحدة غيرت سياستها في ما بعد بوقت قصير تجاه الصين.

وكثيراً ما عارضت الحكومة الأميركية العمليات العسكرية العربية ضد إسرائيل، ما خلق المزيد من التوتر بين الحكومة الأميركية والأمم المتحدة. وازداد هذا التوتر بعد قرار الجمعية العامة رقم 3379 عام 1975، الذي يؤكد أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، والذي وجد معارضة شديدة من قبل المسؤولين الأميركيين، وفي عام 1991 اعتمدت الجمعية العامة القرار 4686 الذي ألغى بموجبه القرار رقم 3379.

وقد أدى استخدام أميركا حق النقض لمنع مجلس الأمن من إصدار قرارات تدين العمل العسكري الإسرائيلي، إلى حدوث انقسام بين الولايات المتحدة من جهة والاتحاد السوفييتي والصين وفرنسا من جهة أخرى في مجلس الأمن. ومنذ عام 1989 عارضت حكومة الولايات المتحدة قرارات مجلس الأمن في 12 مناسبة من أصل 17 مناسبة، وفي عام 2009 امتنعت الحكومة الأميركية عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 1860، الذي دعا إلى وقف إسرائيل أعمالها العسكرية رداً على الهجمات الصاروخية لمنظمة «حماس»، وفتح المعابر الحدودية في قطاع غزة.

في ظل إدارة الرئيس الراحل، رونالد ريغان، انسحبت الولايات المتحدة من «اليونسكو»، وحجبت مستحقاتها للضغط على الأمم المتحدة لإلغاء القرار 3379 الذي أصدرته عام 1975. كانت الولايات المتحدة، ولا تزال، هي الدولة العضو التذي يعترض الأمم المتحدة بشدة.

تويتر