إسرائيل تغلق طريقها الرئيس والموت يتربص بالأهالي في الشارع الاستيطاني

خربة قلقس الفلسطينية.. 17 عـاماً من الإغلاق والعزلة

صورة

جنوب مدينة الخليل المحتلة، وعلى مقربة من مقر الارتباط العسكري الإسرائيلي، تقع خربة قلقس، بتعداد سكاني يزيد على 2000 نسمة ضمن مساحة جغرافية تقدر بـ10 كيلومترات مربعة.

أهالي خربة يتعرضون لمعاناة يومية قاسية طال أمدها منذ 17 عاماً مضت، وذلك نتيجة إغلاق المدخل الوحيد لخربة بالسواتر الترابية في عام 2000، مع اندلاع انتفاضة الأقصى، وعزل خربة عن بقية مدن الخليل بالشارع الالتفافي السريع المعروف برقم 60، المؤدي إلى المستوطنات الجنوبية، والمخصص لعبور المستوطنين فقط من قبل الجيش الإسرائيلي.

للوصول إلى مدينة الخليل يضطر أهالي خربة إلى المشي على الأقدام، أما الوصول إلى يطا للحصول على بعض الخدمات، فيحتاج إلى ساعة من الزمن.

وأحاط ذلك حياة الأهالي قهراً، وأفقدهم الأمل في النجاة في حال دهم الموت أحدهم، فإغلاق المدخل الرئيس عرض حياتهم للخطر، وكبدهم عناء سلوك وقطع الشارع الالتفافي، الذي حصد أرواح خمسة فلسطينيين كانوا يقطعونه اضطراراً، بفعل دهس مركبات المستوطنين المسرعة، المارة، العابرين من وإلى منازلهم.

عقاب جماعي

«الإمارات اليوم»التقت سكان خربة قلقس الذين يتذوقون وجع التنقل، من وإلى القرية، صيفاً وشتاء، فطريق القرية الرئيس لايزال مغلقاً من قبل إسرائيل، والوصول إلى بقية المناطق الأخرى محفوف بالمخاطر، إذ يضطر الأهالي إلى المشي على الأقدام مسافة كيلومتر ونصف الكيلومتر للوصول إلى أقرب نقطة مواصلات تجاه مدن الخليل، في حال نجوا بأرواحهم بعد قطعهم الخط الاستيطاني السريع.

المواطن محمود أبوسنينة أحد القاطنين في خربة يقول إن «إسرائيل تغلق المدخل الرئيس منذ 17 عاماً ولم تفتحه يوماً واحداً، وهذا جعل المواطنين يعيشون حالة من الخوف الشديد أثناء توجه أبنائهم للمدارس، الذين يضطرون لقطع السواتر الترابية وقطع الشارع الالتفافي من أجل الوصول إلى مدارسهم».

ويضيف أن: «أهالي القرية يعيشون حالة معاناة يومية خيمت على مناحي الحياة الاجتماعية كافة، مثل وصول المواطنين إلى منازلهم ونقل حاجاتهم من المدينة، إضافة إلى نقل المرضى إلى مستشفى الخليل الحكومي، حيث يضطر المواطنون إلى قطع مسافة 25 كيلومتراً، بدلاً من كيلومترين بسبب إغلاق مدخل القرية.

أمّا الناشط في المقاومة الشعبية في الخليل عارف جابر، فيؤكد في حديثه لـ«الإمارات اليوم» أن استمرار الإغلاق في المنطقة هو عقاب جماعي لأهالي القرية، لافتاً إلى أن «الاستمرار في إغلاق الشارع أسهم في تعقيد الحياة الإنسانية وتعطيلها، كما تصبح حياة السكان صعبة وشبه مستحيلة».

ويقول الناشط في المقاومة الشعبية، إن «خربة قلقس تقع بين بلدة يطا ومدينة الخليل، وكانت تبعد عنها قبل إغلاق الشارع الالتفافي مسافة 10 دقائق، لكن بعد إغلاقه أصبحت على بعد كيلومترين، بينما تبعد عن يطا نحو 10 كيلومترات، ولا يمكن الخروج من القرية إلا عبر طرق التفافية تنهك الطلبة والمدرسين والأطباء، وتصعب حياة المرضى».

ويضيف أن «الوصول إلى مدينة الخليل يضطر أهالي خربة إلى المشي على الأقدام، أما الوصول إلى يطا للحصول إلى بعض الخدمات، فيحتاج إلى ساعة من الزمن».

ولا تتوقف مأساة الأهالي بفعل إغلاق المدخل الرئيس لخربة قلقس على صعوبة التنقل فقط، فالقرية تضم مصانع عدة، منها مصانع للحديد أحدها يعد أحد أكبر مصانع الحديد في الشرق الأوسط، وعشرات مزارع الأبقار التي تنتج يومياً 60 طناً من الحليب، ما يكبد أصحابها خسائر مالية باهظة، وذلك بحسب جابر.

ويشير جابر إلى أن كامل مناطق قلقس هي أراضٍ زراعية، موضحاً أن استمرار الإغلاق ومنع المزارعين من التنقل يتسببان في ضياع الغلة والحصاد، بسبب دفع العائد مواصلات بفعل طول المسافات التي يسلكونها.

زيادة الوفيات

مواصلة إسرائيل إغلاق المدخل الرئيس لقرية قلقس والمعروف لدى الأهالي بالسدة، يعني المزيد من حالات الوفيات على الشارع الالتفافي الذي يضطر الأهالي إلى قطعه.

ويقول عضو مجلس بلدي الخليل فاروق عاشور إن «كل سكان القرية البالغ عددهم 2500 نسمة يضطرون إلى عبور الشارع الالتفافي سيراً على الأقدام، إلا أن المستوطنين يقابلونهم بالدهس والموت، ورغم ذلك يصر الاحتلال على الإغلاق، لتصدير الخوف والضياع والتهميش للسكان حتى يجبرهم على الهجرة القسرية».

ويشير عاشور إلى أن عدد ضحايا الشارع الالتفافي السريع الفاصل بين خربة ومدينة الخليل خلال الأشهر الخمسة الماضية بلغ خمس حالات من بينها سيدة، تبعها آخر حادث دهس على الشارع نفسه للطفل هيثم إرفاعية.

وفي ما يتعلق بالحالات الإنسانية ونقل المرضى، يوضح عاشور أن المسافة بين قرية خربة وأقرب مستشفى لا تزيد على 10 دقائق، لكن السكان مضطرون للسير مسافة تقارب الساعة للوصول لأقرب مستشفى عبر مناطق أخرى، بسبب الإغلاق.

ويقول عضو مجلس بلدي الخليل إن «مرضى الكلى، والثلاسيميا، وأصحاب الأمراض المزمنة، هم الأكثر قلقاً كونهم يحتاجون في بعض الأحيان لعلاج طارئ، ووصول سيارة الإسعاف إلى قريتهم يأخذ وقتاً طويلاً، وفي معظم الأوقات يفارقون الحياة قبل نقلهم إلى المستشفيات».

وأمام كل ذلك، لم يقف أهالي القرية مكتوفي الأيدي تجاه ما يتعرضون له من حصار خانق وموت محقق، حيث يواصلون احتجاجاتهم المستمرة ضد إغلاق هذا المدخل، إذ يتجمع المئات من أفراد خربة قلقس كل يوم جمعة، ويؤدون الصلاة على المدخل المغلق بذرائع أمنية، فيما يرفعون الشعارات والعبارات المطالبة بفتح الشارع الرابط بين قريتهم ومدن الخليل، وإنهاء الإغلاق الذي أعدم معالم حياتهم، وأودى بحياة أبنائهم.

فيما يتصدى جنود الاحتلال لهذه التظاهرات، حيث يتجمع عشرات الجنود عند مدخل القرية، ويواجهون المتظاهرين بوابل من قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، إضافة إلى الرصاص، في حين ينعم على بعد أمتار قليلة المئات من المستوطنين بطريق التفافي بأفضل المواصفات للوصول إلى منازلهم ومستشفياتهم ومدارسهم دون أن ينغص حياتهم أحد.

تويتر