«الربيع العربي» لم يغير في حياتهم شيئاً

هجرات جماعية تونسية إلى إيطاليا

مهاجرون تقطعت بهم السبل في البحر المتوسط وأنقذتهم البحرية الإيطالية إلى ميناء صقلية. رويترز

كانت أكياس البلاستيك ملقاة في كل مكان من الحقول الممتدة على طول الطريق الدولية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وكان صيادو الأسماك يبحرون بقواربهم في خليج قابس بين مدينتي صفاقس، وزارسيز، الذي يبعد 120 كيلومتراً فقط عن جزيرة لامبيدوسا الإيطالية. وفي واقع الأمر فقد أصبح صيادو الأسماك يحملون معهم عدداً من المهاجرين على قواربهم، يأتون بهم من الشواطئ التونسية، حيث تمكنت السلطات الإيطالية من اعتراض 136 مهاجراً على أحد القوارب خلال ليلة واحدة فقط.

يركب المهاجرون العبّارة من مدينة صفاقس إلى جزيرة كركينا، حيث يدفعون المال للمهربين، كي ينقلوهم إلى إيطاليا على قوارب صغيرة، لا يمكن كشفها بوساطة الرادار.

وكان هذا القارب قد وصل إلى ميناء بورتو إيمبيدوكل في جنوب صقلية تقريباً، لكن المهاجرين قرروا الانتظار في الظلام كي ينزلوا إلى اليابسة بسلام، ويتجنبوا السلطات الأمنية. وباتت هذه الأسباب جلية عندما تم جمعهم في مركز اللاجئين المحلي، حيث تم تحديد هوية جميع المهاجرين، واتضح أنهم جميعاً من التونسيين من مدينة صفاقس. ويوجد بين إيطاليا وتونس اتفاقية إعادة المهاجرين غير الشرعيين، وأي تونسي يعتقل إثر دخوله الدولة بصورة غير شرعية تجري إعادته إلى تونس. وتم إخطار 30 لاجئاً من أصل 136 المذكورين بمغادرة إيطاليا خلال ستة أيام، لكن العديد منهم ينوون متابعة رحلتهم نحو الشمال باتجاه فرنسا.

وتنتظر العبّارات في صفاقس لنقل المسافرين في رحلات إلى جزيرة كركينا، موطن مؤسس أكبر وأهم نقابة عمالية في تونس. حتى إن صيادي الأسماك يواجهون صعوبة في كسب العيش، والعديد يرغبون في الرحيل إلى إيطاليا المجاورة. ويقول أحد الصيادين الذي عرف اسمه (ب.نيجي، 31عاماً)، «هل ترغب في البقاء طول النهار دون فعل أي شيء؟ لقد أصبح الدينار التونسي بلا قيمة، يبدو أن مستقبل هذه البلاد قاتم، ولهذا نريد الرحيل إلى إيطاليا».

ويركب المهاجرون العبارة من مدينة صفاقس إلى جزيرة كركينا، حيث يدفعون المال للمهربين كي ينقلوهم إلى إيطاليا على قوارب صغيرة لا يمكن كشفها بوساطة الرادار. وعلى الرغم من أن وصول 1500 تونسي إلى إيطاليا في عام 2017 يعتبر أقل بكثير من عشرات الآلاف من الليبيين الذين جاؤوا إلى إيطاليا هاربين من أتون الحرب الأهلية في بلادهم، إلا أن الجهود التي يبذلها المهربون، الرامية إلى عدم كشفهم من قبل رادارات القوات البحرية، يجعل من الصعوبة بمكان معرفة عدد التونسيين الذين هربوا إلى إيطاليا بدقة. وقال السفير الإيطالي في تونس ريموند دو كاردونا، «سجلنا زيادة طفيفة في أعداد التونسيين القادمين إلى إيطاليا، مقارنة بعددهم العام الماضي».

واستناداً إلى ما يقوله الناشط السياسي التونسي، منيب بكاري، من منظمة «واتش وميد» غير الحكومية، التي تعمل على محاربة مهربي البشر، فإن عدد الواصلين إلى إيطاليا في تزايد مستمر، وهو الأمر الذي ينبغي أن يكون مصدر قلق للسلطات. وأضاف:«كل يوم نسمع تقارير عن قوارب صغيرة يكتشفها حرس الحدود، ومن الواضح أن الذين يفرون من تونس بغرض اللجوء في إيطاليا أو غيرها من الدول الأوروبية، هم من الشبان الصغار والفقراء اليائسين من الحياة في تونس، والعديد منهم قام بهذه الرحلة مرات عدة، لأنهم مقتنعون بأنها الفرصة الوحيدة المتوافرة لتحسين مستقبلهم، ولعيش حياة جيدة».

وتعتبر صفاقس، التي يقطنها نحو 300 ألف نسمة، المدينة الرئيسة في جنوب تونس. وتقوم الحواجز الأمنية على الطرق بفحص الشاحنات المسافرة على الطريق الخارجية المتجهة إلى الحدود الليبية، حيث تم اعتقال سبعة أشخاص من أعضاء تنظيم «داعش» الشهر الماضي. وأصبحت المدينة أكثر تشدداً من الناحية الدينية بصورة مستمرة، ومن الأمثلة على ذلك، قضية المعلمة التي تعرضت للاعتداء من قبل والديها، بعد أن ذكرت التقارير أنها كانت تغلق نوافذ غرفة الصف خلال الأذان في المسجد المجاور. وقال رجل كان ينتظر العبارة كي تقله في رحلة اللجوء البحرية: (الربيع العربي) لم يغير حياتي. وأنا أعمل ميكانيكياً، ومن الصعوبة إيجاد العمل، وكان مبلغ 100 يورو هو كل ما استطعت الحصول عليه من عملي الشهر الماضي.

وعمدت أمهات المهاجرين الذين توفوا خلال محاولتهم عبور البحر المتوسط إلى التظاهر في شوارع مدينة صفاقس، احتجاجاً على الوضع الذي يعانيه أبناؤهم. ولكن ذلك لم يمنع المئات من التونسيين من مواصلة الهجرة إلى إيطاليا، وغالباً ما تكون الرحلة التي يقومون بها إلى إيطاليا ليست الأولى ولا الثانية. وقالت والدة أحد الغرقى الذين لقوا حتفهم في البحر المتوسط، وتدعى سعاد رواحي «لم أعد قادرة على طبخ الطعام المفضل لدى ابني، فأنا عاجزة عن تحمل غيابه. ويجب على الحكومة أن تعطينا الجواب الشافي حول مصير أبنائنا، ونحن نريد على الأقل استعادة جثثهم، ولكن بدلاً من ذلك تقوم الشرطة بضربنا عندما نتظاهر احتجاجاً في الشوارع. وعلامات الضرب لاتزال ماثلة في جسمي».

تويتر