نتيجة عدم سيطرة الحكومة العراقية على جميع المسلحين

الكاظمي يمشي على حبل مشدود بين الميليشيات وأميركا

صورة

إحدى القضايا الأكثر حساسية الآن في العراق، هي العلاقة بين الحكومة التي يقودها الشيعة والميليشيات الشيعية المدعومة من الإيرانيين. وهي القضية التي تميزت بالأهمية الكبيرة بالنسبة لاستراتيجية واشنطن العسكرية في الشرق الأوسط. ولطالما أعرب رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي عن نيته فرض سلطة الحكومة على جميع القوات المسلحة بما فيها الميليشيات الشيعية التي تعرف باسم الحشد الشعبي. ولكن الكاظمي كان حذراً جداً في عدم المبالغة في استعداء الميليشيات الشيعية وإيران. وانتقدت هذه الميليشيات ما قاله الكاظمي حتى إن بعض قادتها وجهوا انتقادات لما قاله رئيس الحكومة العراقي، واتهموه بأنه يستهدف ميليشيا الحشد الشعبي لإرضاء الولايات المتحدة. وثمة تقارير صدرت أخيراً تقول إن قوات الحشد الشعبي يعملون على التخلص من الكاظمي عن طريق إسقاطه خلال التصويت في البرلمان.

التحدي

وأظهر حدث وقع أخيراً مدى التحدي الذي يواجه الكاظمي في السيطرة على الميليشيات. ففي 26 مايو الماضي اعتقلت وحدة من القوات الخاصة التي تتلقى أوامرها بصورة مباشرة من الكاظمي، قائد الحشد الشعبي في غرب العراق قاسم مصلح.

واتهمت الحكومة مصلح في البداية بالفساد والتورط في مقتل ناشطين مناهضين للميليشيات.

ولكن مصادر أخرى قالت إن اعتقال مصلح كان لاحتمال تورطه في هجمات ضد الجيش الأميركي. وتعرض الكاظمي لضغوط جديدة من الميليشيات، التي طالبت بإطلاق سراح مصلح فوراً. وبالفعل تم إطلاق سراح مصلح بعد مرور بضعة أسابيع في 9 يونيو، ولم يتم توجيه أي تهمة ضده، وكانت هذه الحادثة هي الأخيرة ضمن حالة الصراع بين الكاظمي والميليشيات.

تاريخ من التوترات

لطالما اتسمت علاقة الكاظمي بالتوتر مع الميليشيات، فقبل تسلمه منصب رئاسة الحكومة كان مديراً للمخابرات العراقية، واتهمته الميليشيات الشيعية بالتورط في مقتل قائد فيلق القدس الجنرال الإيراني قاسم سليماني، الذي قتلته طائرة مسيرة أميركية، في الثالث من يناير 2020.

وكان مثل هذا الاتهام للكاظمي خطيراً بالنظر إلى غضب قادة الحشد منه، ولكن الأمور لم تتصاعد أكثر من ذلك بالنظر لعدم وجود دليل على تورطه في مقتل الجنرال الإيراني. ولكن من ناحية أخرى ثمة أزمة أخرى سببت الكثير من القلق للطبقة الحاكمة العراقية، ففي الأشهر الأخيرة من عام 2019 اندلعت تظاهرات في شوارع العراق احتجاجاً على الوضع المعيشي السيّئ في بغداد والمدن الشيعية، وقامت الميليشيات الشيعية بقمع هذه التظاهرات، ونجم عن ذلك مقتل مئات المتظاهرين، الأمر الذي أدى إلى استقالة رئيس الحكومة في حينه عادل عبدالمهدي الذي كان صديقاً للميليشيات ولم يتخذ أي إجراءات للحد من سلطاتها.

أزمات عدة

وبعد أزمات عدة امتدت لأسابيع عديدة وافق الفرقاء السياسيون بمن فيهم الحشد الشعبي على انتخاب الكاظمي رئيساً للحكومة، الذي كان خلال رئاسته للمخابرات يحتفظ بعلاقات جيدة مع الدول الغربية، وكذلك الدول السنية في الشرق الأوسط، كما أن علاقته مع إيران لم تكن سيئة.

صراع المسؤوليات

جاء اعتقال مصلح بعد أشهر من التوتر بين الميليشيات المدعومة من إيران والولايات المتحدة. وتعرضت قاعدة «عين الأسد» في غرب العراق، التي يوجد فيها جنود أميركيون للقصف بضربات صاروخية، رداً على مقتل سليماني.

من جهته، أمر الرئيس الأميركي جو بايدن، عند وصوله إلى السلطة بضرب ميليشيات شيعية في 26 فبراير، رداً على ضرب قاعدة جوية أميركية في أربيل عاصمة كردستان العراق.

وتكرر تبادل الضربات بين الأميركيين والميليشيات وكان آخرها ضربات أميركية على الميليشيات المرابطة في العراق وسورية في 27 يونيو.

وفي هذه المرة اضطر الكاظمي المدعوم أميركياً إلى إدانة واشنطن. وعلى الصعيد السياسي قام الفرقاء الشيعة في البرلمان بطرح قرار عشية مقتل سليماني يدعو للانسحاب الأميركي الكامل من العراق، ولكن أعضاء السنة والأكراد عارضوا هذا الانسحاب. وبعد أن أصبح رئيساً للحكومة تعرض الكاظمي لضغط الحشد الشعبي من أجل المفاوضة على شروط الانسحاب الأميركي، ولكنه لم يكن متحمساً لذلك.

اتهامات بالفساد

على الرغم من أن التهم التي وجهت إلى مصلح بالفساد لم يتم الإعلان عنها على الملأ، إلا أن السخط ضد الميليشيات الشيعية ضمن الوسط الشيعي تركز على اتهامات الفساد. وحظيت الميليشيات الشيعية بسمعة جيدة في الوسط الشيعي بعد محاربتها تنظيم «داعش» ولكن الأمر اختلف تماماً في السنوات الأخيرة. وكانت هذه الميليشيات هي السبب الأساسي لغضب المتظاهرين من الميليشيات عام 2019.

وكان العامل الآخر، إضافة إلى سمعة الحشد الشعبي، الذي جعل خطوة الكاظمي ضد مصلح ممكنة هو تزايد خلافات الأخير مع آية الله علي السيستاني، وهو أعلى رجل دين شيعي مرتبة في العراق.

وظل مصلح لسنوات عدة قائداً لحماية ضريح الحسين في كربلاء، وخلال هذه الفترة أصبح مقرباً من خادم الحرم وممثل السيستاني عبدالمهدي الكربلائي. وفي ما بعد أصبحت وحدة الحماية التي يترأسها مصلح ضمن الحشد الشعبي، وحارب ضد «داعش» الأمر الذي عزز من قوة مصلح أكثر، وجعله يصطدم مع الكربلائي. وبعد القضاء على «داعش» قام مصلح بالانفصال عن السيستاني، وانضم إلى الحشد الشعبي المدعوم مباشرة من إيران، رافضاً الاندماج في قوات الأمن الوطني.

فائدة واضحة

وثمة فائدة مهمة بالنسبة لعلاقة الكاظمي مع الحشد الشعبي هي الدعم الذي تمتع به من قبل رجل الدين الشيعي المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر، الذي يسيطر على أكبر كتلة برلمانية، كما أنه يحظى بدعم شعبي أكبر من الحشد.

ولديه ميليشيا يطلق عليها «سرايا السلام» ومستقلة عن الحشد.

ويدعي الصدر أنه لا يخضع لتأثير إيران وإن كان تحالفه معها قد تزايد في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من أنه ينافس الحشد إلا أنه انضم إليه في الدعوة إلى انسحاب الأميركيين من العراق.

وفي الختام نستطيع القول إن ناقدي الكاظمي والنظام السياسي برمته في العراق، يستشهدون بقصة مصلح كمثال على مدى عدم فعالية عمل الحكومة العراقية. وهم يعتقدون أن مصلح كان يحظى بمعاملة جيدة خلال وجوده في الحجز، وإنه تم الإفراج عنه دون توجيه التهمة له. ولكن الكاظمي بذل جهوداً أكبر من رؤساء الحكومات الذين سبقوه لكبح جماح الميليشيات الشيعية.

• بعد أن أصبح رئيساً للحكومة تعرض الكاظمي لضغط الحشد الشعبي من أجل المفاوضة على شروط الانسحاب الأميركي، ولكنه لم يكن متحمساً لذلك.

رامي جميل - باحث متخصص بمجموعات الميليشيات في الشرق الأوسط.

تويتر