الإبداع والتبعية

د. كمال عبدالملك

يخبرنا ابن رشيق (ت. نحو 1064) في كتاب «العمدة» أنّه يجوز لشاعر أن يتنازل طواعية عن ملكيته لبيت شعر لشاعر مبتدئ آخر لكي يساعده.

ويذكر عبدالفتاح كيليطو في كتابه «الكتابة والتناسخ»: «من بين جميع الملحنين البارزين، وولفغانغ أماديوس موزارت هو الذي لم يول اهتماماً كبيراً للأغنية في إبداعه، إذ يتضمن إنتاجه فقط نحو ثلاثين قطعة تكون في الغالب من إبداعات المناسبات [...]، إذ قد تنازل بسرور عن بعض من أجمل أعماله لصديق».

ويقول ماريو روبولو، بطل الفيلم الإيطالي «ساعي البريد» الذي كان يسرق أشعار الحب لبابلو نيرودا، ويهديها لحسناء القرية: «الشعر ليس ملكاً لمن يكتبه، بل لمن يحتاج إليه».

يبدو أن قضية السرقة الأدبية كانت ولاتزال تشغل منظري الأدب عبر العصور، ولكننا نجد أنها في تاريخ الأدب العربي في العصر الوسيط شغلت البلاغيين بشكل مفرط، يحتاج المرء فقط إلى إلقاء نظرة على العدد الكبير من الكتابات حول هذا الموضوع لإدراك طول عمر هذا النقاش وشدته. في البداية كانت السرقة الأدبية تقتصر على مسائل الملكية، أو ما يعرف اليوم بحقوق الطبع والنشر، لكنها سرعان ما أصبحت تهتم بالإبداع الأدبي والأصالة أيضاً. ما بدأ كخلاف حول من كتب صورة أو فكرة شعرية، تطور إلى نقاش حول نوع العلاقة التي يجب أن تربط الشعراء اللاحقين بأسلافهم، وما هو حجم المبلغ الابداعي الذي يمكنهم اقتراضه من الأسلاف والمعاصرين، وما الخط الفاصل بين الملكية الشرعية والسرقة الأدبية.

من الواضح أن ما يشكل سرقة أدبية في تاريخ الأدب العربي في العصر الوسيط كان متشابكاً مع مفاهيم الأصالة. والسؤال هنا هو: هل كان منظرو الأدب العرب في العصر الوسيط يسمحون بأي شكل من أشكال الانتحال؟ وهل كانوا يفضّلون الأصالة على التقليد والاشتقاق؟

يقول هارولد بلوم في دراسته The Anxiety of Influence: A Theory of Poetry حول العلاقات بين الشاعر وسلفه أو معاصره إن اتباع خطى السلف لا يخلق إبداعاً، وإن الإبداع الحقيقي لا يتأتّى إلّا عندما «ينحرف الشاعر بعيداً عن سلفه، من خلال قراءة قصيدة سلفه وإجراء حركة تصحيحية عليها»، وكأنما يقول في سريرة نفسه: «يبدو لي أنّ قصيدة سلفي/ معاصري هذا استقرت في نقطة معينة، وكان يجب أن تنحرف عنها، وهاأنذا أقودها وانحرف بها في مسار مختلف، مبدعاً بذلك قصيدة جديدة. هي قصيدتي الآن».

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر