فرانكلين وغوته.. مقارنة أدبية

د. كمال عبدالملك

أثارت إعجابي سيرة الأميركي بنجامين فرانكلين عندما قرأتها وأنا طالب. يخبرنا أنه عند استيقاظه في الساعة الخامسة صباحاً كل يوم يسأل نفسه: What good shall I do this day؟ (ما الخير الذي يجب أن أفعله هذا اليوم؟).

وفي سنوات لاحقة وجدتني أقرأ بتأثر شديد رواية غوته «آلام فارتر»، وهي رواية الحب الذي لا يصل إلى مبتغاه، تجمع بين الجمال والسعادة والحزن والألم في حياة فارتر وحبيبته شارلوت.

وبين الإعجاب والتأثر ألفيتني أكتب هذا المقال عن اثنين من أكثر الكتَّاب تأثيراً في عصرهما، بنجامين فرانكلين ويوهان فولفغانغ فون غوته، اللذين تركا أثراً دائماً على الأدب والفكر. ورغم أنهما عاشا في أوقات وأماكن مختلفة، إلا أن أعمالهما تعكس روح عصرهما، وهي أعمال تشترك في بعض الجوانب، وتختلف في غيرها.

بنجامين فرانكلين (1706-1790) كان فيلسوفاً أميركياً، ورجل دولة، وأحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، وهو معروف بأعماله ككاتب وناشر وعالم ومخترع ودبلوماسي، وتعد سيرته الذاتية الشهيرة من بين أبرز إنجازاته الأدبية.

أما يوهان فولفغانغ فون غوته (1749-1832)، فقد كان كاتباً وشاعراً ورجل دولة ألمانياً، ويُعتبر من بين أعظم الشخصيات في الأدب الغربي، ومعروفاً بأعمال مثل «فاوست»، و«آلام فارتر»، وديوانه المعنون «الديوان الغربي الشرقي»، المستوحى من ديوان حافظ، ومن الشعر الفارسي في العصر الوسيط، والذي يمثل نظرة تأملية في المقارنة بين الثقافات، وفي نقل مختلف أشكال التراث، هو أول عمل أدبي عظيم مكتوب باللغة الألمانية، أسهم في تكوين صورة الشرق في الغرب الأوروبي.

تتميز مؤلفات فرانكلين بالبرجماتية والذكاء والنبرة الأخلاقية، مؤكداً على الفضائل، مثل الصدق والنزاهة. أسلوبه مباشر وسهل، يعكس إيمانه بقوة الحكمة العملية التي ترى قيمة المعرفة في كيفية استخدامها لخدمة حوائج البشر.

بالمقابل، تتميز كتابات غوته بعمقها وتعقيدها وثرائها العاطفي، وقدرتها على استكشاف القضايا الفلسفية والنفسية العميقة. أسلوبه شعري، يعكس حساسية مميّزة لفهم تعقيدات الحياة.

ساعدت كتابات فرانكلين في تشكيل الهوية والقيم الأميركية من خلال تعزيز أفكار التحسين الذاتي والعمل الشاق والمسؤولية المدنية (civics). أمّا غوته، فقد ترك بصمة دائمة على الأدب والفكر الأوروبي. ألهمت أعماله أجيالاً من الكتَّاب والفلاسفة، دعا في مفهومه لـ«Weltliteratur» (الأدب العالمي) إلى ضرورة الاهتمام بعالمية الأدب، وبتنشيط التبادل الثقافي بين الأمم، إيماناً بقوة الأدب في إلهام وتنوير الشعوب والأفراد.

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر