سيد قومه

محمد سالم آل علي

بمداد من مشاعري الفياضة، قررت اليوم أن أترك العنان لخيالي في كتابة ما تجود به قريحتي، كي يصف ويحكي قصة مشهدٍ قلّ مثيله في دروس الحياة، وعبرة تختزل حاضر الإنسانية ومستقبلها، مهما امتدت بها الأزمان. فعبر مقطع فيديو مدته 30 ثانية فقط، جاءت التفاصيل لتُعجز الوصف والبيان، فلا إحساس شاعر قادر عليها، ولا خيال كاتب أو فنان، فالتفاصيل غنية، وكذلك الرسائل والدروس، وهي واضحة وجليّة، يدركها الصغير قبل الكبير، ويعيها الجاهل قبل المتعلم.

لقد دخل سيد قومه المسجد في شهر رمضان، برفقة ثلة من إخوانه وأبنائه وصحبه، فلا حرس أو جحافل عسس، دخل بتواضع تغمره محبة من وجدوا في بيت الله، حيث الطمأنينة والسلام والتسامح؛ لقد غطت العفوية المشهد بلا تكلف أو تصنع؛ وبهيبة يلفها زي عربي وطني، خطى سموه طالباً من ضيوف الرحمن عدم القيام في هذا المقام، فنحن سواسية في بيت الله، وفي حضرة رب العباد؛ ثم جلس على مائدة لا بذخ فيها ولا إسراف، ليتناول مع رعيته تمرات وقليلاً من الماء، بادئاً بتقديمها لأبنائه بمحبة وعطف الأب الحنون؛ وعلى تلك المائدة التي ضمت أبناء شعبه وضيوف بلاده من مسلمي مشارق الأرض ومغاربها، ارتسمت جلسة لا فرق فيها بين حاكم ومحكوم، ولا صاحب عمل وعامل، ولعل أقل ما يقال فيها إنها شهادة على القيم التي تُشكّل دولة الإمارات؛ أما نهاية المشهد فكانت فيها كل المواعظ والعبرات، حين اختتم سموه يومه بالصلاة والدعاء أمام قبر والده المغفور له، الشيخ زايد، طيّب الله ثراه.

وحقيقة الأمر، هي أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ومن خلال هذا المشهد الإنساني، قدم لنا من الدروس التي لا تعد ولا تحصى، فمن التواضع والبساطة إلى الاعتزاز بالهوية والثقافة الإسلامية والعربية والروح الإنسانية، ومن أهمية الترابط الأسري والمجتمعي إلى التسامح والتراحم ما بين كل الشعوب، فلا طبقية بين فئات المجتمع ولا استعلاء؛ أما بر الوالدين فقد تجلى واضحاً من خلال الدعاء وغرس تلك القيم عميقاً عند الأبناء، فالقيادة هي حب الرعية وانعكاسها هو طاعة ولي الأمر.

وفي الختام أقول، إن زيارة عفوية لمسجد سجلتها هواتف من حضروا احتوت من الدروس ما لا تحصره مقالة، ولا حتى كتاب، ووجدت قلمي عاجزاً عن رسم تلك اللوحة الإنسانية بكل صورها وملامحها ومعانيها السامية؛ لذا فإنني أدعو كل قلم وفؤاد لكي يوصّف ذلك المشهد حق التوصيف، ويبعثه رسالة شكر ليس لسيد القوم، بل لوالدهم والد أهل الإمارات.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر