علم لا ينفع

محمد سالم آل علي

لقد شهد عالمنا العربي في السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في البحث العلمي ودراسات الدكتوراه، وقد تجلى ذلك من خلال ما تنتجه الجامعات والمؤسسات البحثية سنوياً من ثروات معرفية تميزت بحضورها الواضح حتى في المجتمع الأكاديمي العالمي. إلا أنه وللأسف، لاتزال هناك فجوة تتمثل في ترجمة هذا الناتج الأكاديمي إلى تطبيقات عملية تسهم بشكل مباشر في مسيرتي التنمية والازدهار؛ فعلى الرغم من الحجم المتزايد للبحوث والدراسات، لايزال جزء كبير منها يعاني طبقات الغبار التي رسّبتها السنون والأعوام، ولعل هذا التباين ناجم عن عوامل عدة، يأتي في مقدمتها النقص في المواءمة بين أولويات البحث والحاجات المجتمعية والاستثمارية؛ وثانيها الغياب التام لآليات انتقال البحوث من إطار النظرية إلى فضاء الممارسة؛ أما ثالث المسببات فيتمثل في غياب التعاون ما بين الأوساط الأكاديمية المصدرة للأبحاث من جهة، والسوق والهيئات المعنية من جهة أخرى، الأمر الذي يزيد أكثر وأكثر من اتساع الفجوة ما بين المعرفة وتطبيقها.

ولسدّ هذه الفجوة، نحتاج اليوم إلى استراتيجية شاملة تعيد البحث الأكاديمي إلى مساره الصحيح، ضمن السياق الأوسع لأهداف التنمية، أي أن المطلوب هو قيام المؤسسات الأكاديمية بتحديد المجالات الاستراتيجية التي يمكن أن يكون للبحوث فيها الأثر الأكبر، كأن تعالج الجهود الأكاديمية التحديات الآنية والملحة في قطاعات مثل الرعاية الصحية والطاقة والتكنولوجيا والاستدامة البيئية.

وهكذا استراتيجيات، كما هو معلوم، ستزيد من أهمية تلك البحوث، وستضمن إمكانية تطبيقها.

ومن الممكن أيضاً تصميم مبادرات تعاونية بين الجامعات والقطاع الخاص، حيث يمكن أن تتخذ مثل هذه الشراكات أشكالاً مختلفة، بما في ذلك المشروعات البحثية المشتركة، وتدريب الطلاب على كيفية تحويل الأفكار إلى نماذج الأعمال، وأيضاً إنشاء مكاتب لتسويق الأبحاث الجامعية وربطها بأصحاب القرار من رجالات التخطيط والاستثمار، بهدف تعزيز الابتكار، وتسريع وصوله إلى السوق.

ولا يخفى على أحد هنا دور الدعم المؤسسي في عملية تحويل البحث الأكاديمي إلى منتجات وخدمات قابلة للتطبيق، بما في ذلك توفير التمويل والمنح، جنباً إلى جنب مع إنشاء الحاضنات والمسرّعات داخل الجامعات وغيرها من المؤسسات الأكاديمية.

خاتمة القول هي إن تحويل هذا الإنتاج الأكاديمي الغزير في العالم العربي إلى قوة دافعة للتنمية يحتاج إلى رؤية جديدة، رؤية لا تنظر إلى المعرفة كهدف بحد ذاتها، بل كوسيلة لتحسين حياة الجميع.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر