المدير النرجسي

محمد سالم آل علي

يظن كثيرون أن وجود الأبطال الخارقين يقتصر على الأفلام والمسلسلات وعوالم الترفيه فحسب، إلا أن ظنهم هذا بعيد كل البعد عن الواقع والحقيقة، وذلك لأن عالم الإدارة والأعمال هو الموطن الحقيقي لهؤلاء الأبطال الخرافيين الذين يجوبون أروقة بعض الشركات والمؤسسات، ويغرقونها بمهاراتهم القيادية الاستثنائية التي لا تنضب إلا حين تحتل مؤسساتهم المراتب الأولى في سباق الإفلاس والعجز الإداري، وحينها فقط تراهم يقفزون من المركب، وينتقلون إلى آخر ليمارسوا سحرهم هناك.

وما أقصده هنا بالتحديد، هو المدير النرجسي الذي لا يرى غير صورته، ولا يسمع سوى محكاه، ولا يشغل باله سوى أوهام النجاح وخيالات التميز والتفوق، وهو الذي يتميز بإحساس متضخم بالذات والفرادة، يشوش رؤيته عن كل شيء إلا عن انعكاسات صورته، وهو أيضاً الذي ينتظر الثناء والإشادة من الجميع، حتى وإن ساءت النتائج، وعمّت الإخفاقات.

وبالانتقال من الوصف إلى التحليل، أقول إن المدير النرجسي يُضعف المؤسسات عبر توجيهه ضربات متلاحقة لمكونين رئيسين، الموظفين واستراتيجيات العمل. ولنبدأ أولاً بالموظفين، فكما هو معلوم لا يروج المدير النرجسي سوى لنفسه، وذلك على حساب إنجازات الفريق وسعادة العاملين، ما يؤدي إلى انعدام الثقة والتقدير في بيئة العمل، وتفشي ثقافة الإطراء والتملق على حساب الجدارة والكفاءة؛ ومثال ذلك ما نراه في بعض المؤسسات التي تتفشى فيها المنافسة الداخلية بدلاً من التعاون، ويختنق فيها الإبداع والابتكار.

أما بالنسبة لاستراتيجيات العمل، فالعنوان الأوضح هنا هو قصر النظر، وضبابية الرؤى، فالمدير النرجسي ينصب تركيزه على الاستراتيجيات التي توفر الإشباع الفوري لحُبّ الظهور الذي يعتريه، أو تلك التي تلمّع من صورته الشخصية أكثر وأكثر، مع تلاشي التركيز على الاستراتيجيات التنظيمية والتجارية التي تلعب الدور الأهم في نجاح الشركات وازدهارها؛ ولعل أوضح الأمثلة يتجلى في اتخاذ قرارات تجارية محفوفة بالمخاطر، وإهمال البحث والتطوير، إضافة إلى التجاهل التام لرضا المتعاملين، ولاشك أيضاً في انعدام التخطيط المستدام؛ ومثل تلك المشكلات ستؤثر حتماً في سمعة المؤسسة، وستنال من قدرتها التنافسية، كما ستؤدي إلى فشلها التام في حالات العدوى النرجسية الشديدة التي قد تصيب أحياناً مجلس الإدارة بالكامل.

أختم بالقول إن المدير النرجسي هو خطر داهم يهدد المؤسسات، ولعل مفتاح الحل لمواجهة هذا الخطر يتمثل في تشخيص علامات القيادة النرجسية في مرحلة مبكرة، وقبل استفحالها، فإما النصح وتصحيح المسار، وإما العودة إلى الحوكمة المؤسسية التي تقيّم الأداء، وتفرض السياسات والإجراءات التنظيمية الصارمة التي لا تتسامح مع هكذا سلوك!

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر