ما بين التنظير والتطبيق

محمد سالم آل علي

يعلم جميعنا بأن النظرية هي الإطار الفكري الذي يحيط أي مبادرة أو مشروع، في حين أن تطبيقها هو تلك الممارسة التي تحولها إلى أفعال ملموسة تتناغم مع العالم الحقيقي، والغريب في الأمر هو أن العديد منّا يبرعون في توليد النظريات، ويأتون بأفضل الأفكار، ومع ذلك، قلة مختارة فقط هي من تنجح في ترجمة هذه النظريات والأفكار على أرض الواقع. فما هي يا ترى تحديات الانتقال من التنظير إلى التطبيق؟ وما الأفكار التي لا تتحقق أبداً؟

دعونا نبدأ بالسبب الأكثر شيوعاً وراء فشل الأفكار، ألا وهو الموارد المحدودة، حيث إنه غالباً ما يتطلب تنفيذ الفكرة موارد كبيرة، بما في ذلك الوقت والجهد والتمويل، وأيضاً الموظفون المهرة، وغياب أحد تلك العوامل، أو كلها مجتمعة، يحرم أعظم الأفكار من رؤية النور. أما بالنسبة للسبب الثاني فهو بلا شك الخوف من التغيير، حيث إن الأفكار المبتكرة تتطلب في كثير من الأحيان تغيير الممارسات القائمة، أو التفكير خارج الصندوق.

بالطبع هناك أسباب أخرى تتعلق بماهية الفكرة نفسها وطرق التعامل معها، كالأفكار التي تستند إلى افتراضات غير صحيحة تنهار فوراً وتتكشّف عند التنفيذ، أو تلك الأفكار التي تفتقر إلى الجدوى العملية، ومثالها بعض النظريات البراقة والمحفّزة للآمال والتمنيات، أو تلك التي تُلهب المطامح، وفي الوقت نفسه تكون عصيّة على التطبيق، إما بسبب القيود التكنولوجية الهائلة، أو عدم جاهزية السوق، أو رفض المجتمع، أو غيرها من العوامل المؤثرة، ولا ننسى أن سوء التخطيط ورداءة التنفيذ سيؤديان حتماً إلى الفشل.

إذاً لماذا ينجح البعض؟

أقولها الآن كما قلتها مراراً وتكراراً، تقييم الجدوى هو سبيل النجاح، فقبل الشروع في رحلة التنفيذ، يجب إجراء تقييم شامل ودراسة مستفيضة لجدوى الفكرة الخام، حيث ينبغي مراعاة عوامل مثل الضرورة والقبول والتماشي مع القوانين، وطبعاً توافر الموارد والقدرات التكنولوجية، إضافة إلى حتمية تكييف الفكرة النظرية لتناسب ظروف الواقع على الأرض، فمن غير المعقول مثلاً أن يأتي أحدهم بفكرة تعميم التعليم المجاني وعالي الجودة في جميع أنحاء العالم، وفي الوقت نفسه تبرز عوائق هائلة أمام التنفيذ، كمسائل التمويل والبنية التحتية، إضافة إلى الاختلافات الثقافية ودرجات الوعي في مختلف مناطق العالم، ولا يغيب عن الذهن أن نجاح أي فكرة يعتمد على التدرّج في تنفيذها، لما لذلك من أهمية في اختبار صلاحيتها وتحديد مشكلاتها، ومن ثم إجراء التصحيحات والتعديلات اللازمة.

أقول ختاماً إن الفجوة ما بين النظرية والتطبيق لا شك واسعة، ولكنها ليست مستعصية، والنجاح في سدّها يحتاج إلى ركائز ثلاث، هي فهم الواقع، والقدرة على التكيف، والكفاءة في إدارة الموارد.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر