نزار قباني الإنجليزي

د. بروين حبيب

قبل 120 سنة بتمامها كتب شاعر النيل حافظ إبراهيم قصيدته التي تناقلتها الألسنة وحوتها الكتب المدرسية «اللغة العربية تنعى حظها بين أهلها»، وسار بيت منها ذائع الصيت: أنا البحر في أحشائه الدرّ كامنٌ/فهل سألوا الغواص عن صَدَفاتي، مسير الأمثال. وهي قصيدة تضج بالشكوى من إهمال أبناء العربية للغتهم، ووصفِها بالعجز عن استيعاب المخترعات الحديثة، وتأثر أبنائها بـ«لوثة الإفرنج»، وضعف مستوى الكاتبين بها من صحافيين وأدباء. وليس غريباً إن وجدنا هذه الشكاوى قائمة إلى يومنا هذا بل تضاعفت، فمن الغبن أن نقارن مستوانا اليوم في اللغة العربية بزمن حافظ وشوقي والمنفلوطي والرافعي والبارودي.

استحضرت قصيدة حافظ إبراهيم وأنا أشارك في مهرجان أيام العربية الذي ينظمه مركز أبوظبي للغة العربية بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر. وكانت لي فيه جلسة بعنوان «موقدة النار»، عن الأمثال والحكايات الشعبية مع المفكر والناقد السعودي عبدالله الغذامي. والأمر الجيد أن القائمين على المهرجان لم يقتصروا على محاضرات تمجد اللغة العربية أو تشكو من الإعراض عنها؛ بل وسّعوا مروحة النشاطات لتشمل العروض الموسيقية والمسرحية وورشات عمل للأطفال والشباب مع عروض أفلام. كل ذلك مترافق مع استضافة أسماء مرجعية في اختصاصها مثل الفنان مروان خوري، وعازف العود نصير شمة، وأحمد عبدالمعطي حجازي أحد رواد الشعر الحر الكبار، والممثلة منى زكي. ويجدر التنويه بهذا الأسلوب المتبع من مركز أبوظبي للغة العربية، فالمحاضرات والندوات وحتى الكتب والمقالات التي تواصل معزوفة نعي اللغة العربية لم تتوقف زمن قصيدة حافظ إبراهيم إلى الآن، غير أن المطلوب حالياً خطة طوارئ تعيد أبناءنا إلى لغتهم، وهم الذين أصبحوا الآن يقضون أوقاتهم يتابعون ما تضخه وسائل التواصل من تفاهة وتمييع، فإذا فتشوا عن المحتوى الجاد يجدونه بالإنجليزية، ناهيك بلغة التخاطب بينهم التي هي مسخ عجيب من العربية المحكية والإنجليزية الركيكة. ربط اللغة العربية بالمسرح والأغاني والموسيقى والأفلام ضرورة لإبقائها حية أمامهم وليست مدفونة بين دفتي الكتب التي أعرضوا عنها، وما أرقام ضعف المقروئية في العالم العربي المخيفة إلا دليل على ذلك.

لست خائفة من انقراض اللغة العربية كما يذهب إلى ذلك بعض الباحثين ولكني لست مفرطة التفاؤل في استرجاع مكانتها في غياب خطة استراتيجية تطورها وتقدمها لجيل الشباب خاصة، بأساليب توافق رغباتهم وتوجهاتهم، وإلا تحولت هذه اللغة الجميلة التي وصفها العقاد يوماً بأنها اللغة الشاعرة إلى لغة طقوس دينية، ويحتاج أحفادنا معها إلى استعمال القواميس أو قراءة شعر نزار قباني مترجماً إلى الإنجليزية ليفهموه.

@DrParweenHabib1

قراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر